الباحث القرآني

﴿فَرَدَدْناهُ إلى أُمِّهِ﴾ الفاءُ فَصِيحَةٌ أيْ فَقَبِلُوا ذَلِكَ مِنها ودَلَّتْهم عَلى أُمِّهِ وكَلَّمُوها في إرْضاعِهِ فَقَبِلَتْ فَرَدَدْناهُ (p-51)إلَيْها أوْ يُقَدِّرُ نَحْوَ ذَلِكَ، ورُوِيَ أنَّ أُخْتَهُ لَمّا قالَتْ ما قالَتْ أمَرَها فِرْعَوْنُ بِأنْ تَأْتِيَ بِمَن يَكْفُلُهُ فَأتَتْ بِأُمِّهِ ومُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى يَدِ فِرْعَوْنَ يَبْكِي وهو يُعَلِّلُهُ فَدَفَعَهُ إلَيْها فَلَمّا وجَدَ رِيحَها اسْتَأْنَسَ والتَقَمَ ثَدْيَها فَقالَ: مَن أنْتِ مِنهُ؟ فَقَدْ أبى كُلَّ ثَدْيٍ إلّا ثَدْيَكِ فَقالَتْ إنِّي امْرَأةٌ طَيِّبَةُ الرِّيحِ طَيِّبَةُ اللَّبَنِ لا أوُتى بِصَبِيٍّ إلّا قَبِلَنِي فَقَرَّرَهُ في يَدِها فَرَجَعَتْ بِهِ إلى بَيْتِها مِن يَوْمِها وأمَرَ أنْ يُجْرى عَلَيْها النَّفَقَةَ ولَيْسَ أخْذُها ذَلِكَ مِن أخْذِ الأُجْرَةِ عَلى إرْضاعِها إيّاهُ ولَوْ سُلِّمَ فَلا نُسَلِّمُ أنَّهُ كانَ حَرامًا فِيما تَدِينُ وكانَتِ النَّفَقَةُ عَلى ما في البَحْرِ دِينارًا في كُلِّ يَوْمٍ ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها﴾ بِوُصُولِ ولَدِها إلَيْها ﴿ولا تَحْزَنَ﴾ لِفِراقِهِ ﴿ولِتَعْلَمَ أنَّ وعْدَ اللَّهِ﴾ أيْ جَمِيعَ ما وعَدَهُ سُبْحانَهُ مِن رَدِّهِ وجَعْلِهِ مِنَ المُرْسَلِينَ ﴿حَقٌّ﴾ لا خُلْفَ فِيهِ بِمُشاهَدَةِ بَعْضِهِ وقِياسِ بَعْضِهِ عَلَيْهِ وإلّا فَعِلْمُها بِحَقِّيَّةِ ذَلِكَ بِالوَحْيِ حاصِلٌ قَبْلُ. واسْتَدَلَّ أبُو حَيّانَ بِالآيَةِ عَلى ضَعْفِ قَوْلِ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ الإيحاءَ كانَ إلْهامًا أوْ مَنامًا لِأنَّ ذَلِكَ يَبْعُدُ أنْ يُقالَ فِيهِ وعْدٌ، وفِيهِ نَظَرٌ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ لا يَعْرِفُونَ وعْدَهُ تَعالى ولا حَقِّيَّتَهُ أوْ لا يَجْزِمُونَ بِما وعَدَهم جَلَّ وعَلا لِتَجْوِيزِهِمْ تَخَلُّفَهُ وهو سُبْحانُهُ لا يُخْلِفُ المِيعادَ، وقِيلَ: لا يَعْلَمُونَ أنَّ الغَرَضَ الأصْلِيَّ مِنَ الرَّدِّ عَلَيْها عِلْمُها بِذَلِكَ وما سِواهُ مِن قُرَّةِ عَيْنِها وذَهابِ حُزْنِها تَبَعٌ، وفِيهِ أنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ الكَلامُ إنَّما هو كَوْنُ كُلٍّ مِن قُرَّةِ العَيْنِ والعِلْمِ كالغَرَضِ أوْ غَرَضًا مُسْتَقِلًّا، وأمّا تَبَعِيَّةُ غَيْرِ العِلْمِ لَهُ لا سِيَّما مَعَ تَقَدُّمِ الغَيْرِ فَلا، وكَوْنُ المُفِيدِ لِذَلِكَ حَذْفَ حَرْفِ العِلَّةِ مِنَ الأوَّلِ لا يَخْفى حالُهُ، وفي قَوْلِهِ تَعالى: (ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ) إلَخْ قِيلَ: تَعْرِيضٌ بِما فَرَطَ مِن أُمِّهِ حِينَ سَمِعَتْ بِوُقُوعِهِ في يَدِ فِرْعَوْنَ مِنَ الخَوْفِ والحَيْرَةِ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ ما عَراها كانَ مِن مُقْتَضَياتِ الجِبِلَّةِ البَشَرِيَّةِ وهو يُجامِعُ العِلْمَ بِعَدَمِ وُقُوعِ ما يُخافُ مِنهُ، ونَفْيُ العِلْمِ في مِثْلِ ذَلِكَ إنَّما يَكُونُ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ كَما لا يَخْفى. ثُمَّ إنَّ الِاسْتِدْراكَ عَلى ما اخْتارَهُ مِمّا وقَعَ بَعْدَ العِلْمِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مِن نَفْسِ العِلْمِ وذَلِكَ إذا كانَ المَعْنى لا يَعْلَمُونَ أنَّ الغَرَضَ الأصْلِيَّ مِنَ الرَّدِّ عَلَيْها عِلْمُها بِحَقِّيَّةِ وعْدِ اللَّهِ تَعالى فَتَأمَّلْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب