الباحث القرآني
والفاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ﴾ لِتَرْتِيبِ الأمْرِ عَلى ما ذُكِرَ مِن شُؤُونِهِ عَزَّ وجَلَّ فَإنَّها مُوجِبَةٌ لِلتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ تَعالى وداعِيَةٌ إلى الأمْرِ بِهِ وفي ذِكْرِهِ تَعالى بِالِاسْمِ الجامِعِ تَأْيِيدٌ لِذَلِكَ أيْ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ الَّذِي هَذا شَأْنُهُ فَإنَّهُ يُوجِبُ عَلى كُلِّ أحَدٍ أنْ يَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ ويُفَوِّضَ جَمِيعَ أُمُورِهِ إلَيْهِ جَلَّ وعَلا،
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّكَ عَلى الحَقِّ المُبِينِ﴾ تَعْلِيلٌ صَرِيحٌ لِلتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ تَعالى بِكَوْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى الحَقِّ البَيِّنِ، أوِ الفاصِلِ بَيْنَهُ وبَيْنَ الباطِلِ. أوْ بَيْنَ المُحِقِّ والمُبْطِلِ فَإنَّ كَوْنَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَذَلِكَ مِمّا يُوجِبُ الوُثُوقَ بِحِفْظِهِ تَعالى ونُصْرَتِهِ وتَأْيِيدِهِ لا مَحالَةَ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى﴾ إلَخْ تَعْلِيلٌ آخَرُ لِلتَّوَكُّلِ الَّذِي هو عِبارَةٌ عَنِ التَّبَتُّلِ إلى اللَّهِ تَعالى وتَفْوِيضِ الأمْرِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ والإعْراضِ عَنِ التَّشَبُّثِ بِما سِواهُ وقَدْ عَلَّلَ أوَّلًا بِما يُوجِبُهُ مِن جِهَتِهِ تَعالى أعْنِي قَضاءَهُ عَزَّ وجَلَّ بِالحَقِّ وعِزَّتِهِ وعِلْمِهِ تَبارَكَ وتَعالى، وثانِيًا بِما يُوجِبُهُ مِن جِهَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى أحَدِ الوَجْهَيْنِ أعْنِي كَوْنَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلى الحَقِّ ومِن جِهَتِهِ تَعالى عَلى الوَجْهِ الآخَرِ أعْنِي إعانَتَهُ تَعالى وتَأْيِيدَهُ تَعالى لِلْمُحِقِّ، ثُمَّ عَلَّلَ ثالِثًا بِما يُوجِبُهُ لَكِنْ لا بِالذّاتِ بَلْ بِواسِطَةِ إيجابِهِ لِلْإعْراضِ عَنِ التَّشَبُّثِ بِما سِواهُ تَعالى، فَإنَّ كَوْنَهم كالمَوْتى والصُّمِّ والعُمْيِ مُوجِبٌ لِقَطْعِ الطَّمَعِ عَنْ مُشايَعَتِهِمْ ومُعاضَدَتِهِمْ رَأْسًا، وداعٍ إلى تَخْصِيصِ الِاعْتِضادِ بِهِ تَعالى، وهو المَعْنِيُّ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ جَلَّ شَأْنُهُ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّكَ لا تُسْمِعُ﴾ إلَخْ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا وقَعَ جَوابًا لِسُؤالٍ نَشَأ مِمّا قَبْلَهُ، أعْنِي إنَّكَ عَلى الحَقِّ المُبِينِ كَأنَّهُ قِيلَ: ما بالَهم غَيْرُ مُؤْمِنِينَ بِمَن هو عَلى الحَقِّ المُبِينِ فَقِيلَ: ﴿إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى﴾ إلَخْ.
وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ يَأْباهُ السِّياقُ، واعْتُرِضَ بِالمَنعِ وإنَّما شُبِّهُوا بِالمَوْتى عَلى ما قِيلَ لِعَدَمِ تَأثُّرِهِمْ بِما يُتْلى عَلَيْهِمْ مِنَ القَوارِعِ، وإطْلاقُ الأسْماعِ عَنِ المَفْعُولِ لِبَيانِ عَدَمِ سَماعِهِمْ لِشَيْءٍ مِنَ المَسْمُوعاتِ، وقِيلَ: لَعَلَّ المُرادَ تَشْبِيهُ قُلُوبِهِمْ بِالمَوْتى فِيما ذُكِرَ مِن عَدَمِ الشُّعُورِ فَإنَّ القَلْبَ مَشْعَرٌ مِنَ المَشاعِرِ أُشِيرَ إلى بُطْلانِهِ بِالمَرَّةِ، ثُمَّ بَيَّنَ بُطْلانَ مَشْعَرَيِ الأُذُنِ والعَيْنِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَهم قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ولَهم أعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ولَهم آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها﴾، وإلّا فَبَعْدَ تَشْبِيهِ أنْفُسِهِمْ بِالمَوْتى لا يَظْهَرُ لِتَشْبِيهِهِمْ بِالصُّمِّ والعُمْيِ مَزِيدُ مَزِيَّةٍ وكَأنَّهُ لِهَذا قالَ في البَحْرِ: أيْ مَوْتى القُلُوبِ، أوْ شُبِّهُوا بِالمَوْتى لِأنَّهم لا يَنْتَفِعُونَ بِما يُتْلى عَلَيْهِمْ فَقَدَّمَ احْتِمالَ نِسْبَةِ المَوْتِ إلى قُلُوبِهِمْ.
وتُعُقِّبَ بِأنَّ ما ذُكِرَ تَخَيُّلٌ بارِدٌ لِأنَّ القَلْبَ يُوصَفُ بِالفِقْهِ والفَهْمِ لا السَّمْعُ، وما ذُكِرَ أوَّلًا مِن أنَّهم أنْفُسُهم شُبِّهُوا بِالمَوْتى هو الظّاهِرُ، ووَجْهُهُ أنَّهُ عَلى طَرِيقِ التَّسْلِيمِ والنَّظَرِ لِأحْوالِهِمْ كَأنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ تُسْمِعُهُمُ الإرْشادَ (p-20)إلى طَرِيقِ الحَقِّ وهم مَوْتى وهَذا بِالنَّظَرِ لِأوَّلِ الدَّعْوَةِ ولَوْ أحْيَيْناهم لَمْ يَفِدْ أيْضًا لِأنَّهم صُمٌّ، وقَدْ ولَّوْا مُدْبِرِينَ وهَذا بِالنَّظَرِ لِحالِهِمْ بَعْدَ التَّبْلِيغِ البَلِيغِ ونَفْرَتِهِمْ عَنْهُ، ثُمَّ إنّا لَوْ أسْمَعْناهم أيْضًا فَهم عُمْيٌ لا يَهْتَدُونَ إلى العَمَلِ بِما يَسْمَعُونَ، وهَذا خاتِمَةُ أمْرِهِمْ، ويُعْلَمُ مِن هَذا ما في ذَلِكَ مِن مَزِيدِ المَزِيَّةِ الخالِيَةِ عَنِ التَّكَلُّفِ.
وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ لِطَوائِفَ عَلى مَراتِبِهِمْ في الضَّلالِ، فَمِنهم مَن هو كالمَيِّتِ ومَن هو كالأصَمِّ ومَن هو كالأعْمى، وهو وإنْ كانَ وجْهًا خَفِيفَ المَئُونَةِ إلّا أنَّهُ خِلافُ الظّاهِرِ أيْضًا ﴿ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ﴾ أيِ الدَّعْوَةَ إلى أمْرٍ مِنَ الأُمُورِ، وتَقْيِيدُ النَّفْيِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا ولَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ لِتَتْمِيمِ وتَأْكِيدِ النَّفْيِ فَإنَّهم مَعَ صَمَمِهِمْ عَنِ الدُّعاءِ إلى الحَقِّ مُعْرِضُونَ عَنِ الدّاعِي مُوَلَّوْنَ عَلى أدْبارِهِمْ، ولا رَيْبَ في أنَّ الأصَمَّ لا يَسْمَعُ الدُّعاءَ مَعَ كَوْنِ الدّاعِي بِمُقابَلَةِ صِماخِهِ قَرِيبًا مِنهُ، فَكَيْفَ إذا كانَ خَلْفَهُ بَعِيدًا مِنهُ، ومِثْلُهُ في التَّتْمِيمِ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
؎حَمَلَتْ رُدَيْنِيًّا كَأنَّ سِنانَهُ سَنا لَهَبٍ لَمْ يَتَّصِلْ بِدُخانِ
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ- لا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ- بِالياءِ التَّحْتانِيَّةِ وفَتْحِ المِيمِ ورَفْعُ الضُّمِّ
{"ayahs_start":79,"ayahs":["فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۖ إِنَّكَ عَلَى ٱلۡحَقِّ ٱلۡمُبِینِ","إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاۤءَ إِذَا وَلَّوۡا۟ مُدۡبِرِینَ"],"ayah":"إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاۤءَ إِذَا وَلَّوۡا۟ مُدۡبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق