الباحث القرآني

﴿إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ﴾ أيْ بَيْنَ بَنِي إسْرائِيلَ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا أوْ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وبَيْنَ النّاسِ ﴿بِحُكْمِهِ﴾ قِيلَ: أيْ بِحِكْمَتِهِ جَلَّ شَأْنُهُ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قِراءَةُ جَناحِ بْنِ حُبَيْشٍ بِحِكَمِهِ- بِكَسْرِ الحاءِ وفَتْحِ الكافِ- جَمْعِ حِكْمَةٍ مُضافٍ إلى ضَمِيرِهِ تَعالى، وقِيلَ: المُرادُ بِالحُكْمِ المَحْكُومُ بِهِ إطْلاقًا لِلْمَصْدَرِ عَلى اسْمِ المَفْعُولِ، والمُرادُ بِالمَحْكُومِ بِهِ الحَقُّ والعَدْلُ، وعَلى الوَجْهَيْنِ لَمْ يَبْقَ عَلى المَعْنى المَصْدَرِيِّ، والدّاعِي لِذَلِكَ أنْ- يَقْضِيَ- بِمَعْنى يَحْكُمَ فَلَوْ بَقِيَ الحُكْمُ عَلى المَعْنى المَصْدَرِيِّ لَصارَ الكَلامُ نَحْوَ قَوْلِكَ: زَيْدٌ يَضْرِبُ بِضَرْبِهِ وهو لا يُقالُ مِثْلُهُ في كَلامٍ عَرَبِيٍّ، وأوْرَدَ عَلَيْهِ أنَّهُ يَصِحُّ أنْ يُقالَ ذَلِكَ عَلى مَعْنى يُضْرَبُ بِضَرْبِهِ المَعْرُوفِ بِالشِّدَّةِ مَثَلًا، فالمَعْنى هُنا يَحْكُمُ بِحُكْمِهِ المَعْرُوفِ بِمُلابَسَةِ الحَقِّ، أوْ يَحْكُمُ بِحُكْمِ نَفْسِهِ تَعالى لا بِحُكْمِ غَيْرِهِ عَزَّ شَأْنُهُ كالبَشَرِ، وقِيلَ عَلَيْهِ: لَيْسَ المانِعُ لِصِحَّةِ مِثْلَ هَذا القَوْلِ إضافَةَ المَصْدَرِ إلى ضَمِيرِ الفاعِلِ فَإنَّهُ لا كَلامَ في صِحَّتِهِ كَإضافَتِهِ إلى ضَمِيرِ المَفْعُولِ فِي- سَعى لَها سَعْيَها- إنَّما المانِعُ دُخُولُ الباءِ عَلى المَصْدَرِ المُؤَكِّدِ، ثُمَّ إنَّ المَعْنى الأوَّلَ يُوهِمُ أنَّ لَهُ سُبْحانَهُ حُكْمًا غَيْرَ مَعْرُوفٍ (p-19)بِمُلابَسَةِ الحَقِّ، والثّانِي إنَّما يَظْهَرُ لَوْ قَدَّمَ بِحُكْمِهِ، وفِيهِ أنَّهُ عَلى ما ذُكِرَ لَيْسَ بِمَصْدَرٍ مُؤَكِّدٍ، وعَدَمُ الجَوازِ في المَصْدَرِ النَّوْعِيِّ لا سِيَّما إذا كانَ مِن غَيْرِ لَفْظِهِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ، وأيْضًا الظّاهِرُ أنَّ المانِعَ بِزَعْمِ المُؤَوَّلِ لُزُومُ اللُّغَوِيَّةِ لَوْ لَمْ يُؤَوَّلْ بِما ذُكِرَ، والأوْلى إبْقاؤُهُ عَلى المَصْدَرِيَّةِ، وجُلُّ الإضافَةِ لِلْعَهْدِ، وكَوْنُ المَعْنى كَما قالَ المُورِدُ: يَحْكُمُ بِحُكْمِهِ المَعْرُوفِ بِمُلابَسَةِ الحَقِّ وأمْرُ التَّوَهُّمِ عَلى طَرَفِ الثُّمامِ وأيًّا ما كانَ فالضَّمِيرُ المَجْرُورُ عائِدٌ عَلى الرَّبِّ سُبْحانَهُ وعَوْدُهُ عَلى القُرْآنِ عَلى أنَّ المَعْنى يَحْكُمُ بِالحُكْمِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ القُرْآنُ واشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِن إثابَةِ المُحِقِّ وتَعْذِيبِ المُبْطِلِ وحِينَئِذٍ لا يَحْتاجُ إلى كَثْرَةِ القِيلِ والقالِ لا يَخْفى ما فِيهِ مِنَ القِيلِ والقالِ عَلى مَن لَهُ أدْنى تَمْيِيزٍ بِأسالِيبِ المَقالِ ﴿وهُوَ العَزِيزُ﴾ فَلا يَرُدُّ حُكْمُهُ سُبْحانَهُ وقَضاؤُهُ جَلَّ جَلالُهُ ﴿العَلِيمُ﴾ بِجَمِيعِ الأشْياءِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما يَقْضِي بِهِ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب