الباحث القرآني
﴿وما مِن غائِبَةٍ في السَّماءِ والأرْضِ﴾ أيْ مِن شَيْءٍ خَفِيٍّ ثابِتِ الخَفاءِ فِيهِما عَلى أنَّ ﴿غائِبَةٍ﴾ صِفَةٌ غَلَبَتْ في هَذا المَعْنى فَكَثُرَ عَدَمُ إجْرائِها عَلى المَوْصُوفِ ودَلالَتُها عَلى الثُّبُوتِ وإنْ لَمْ تُنْقُلْ إلى الِاسْمِيَّةِ كَمُؤْمِنٍ وكافِرٍ، فَتاؤُها لَيْسَتْ لِلتَّأْنِيثِ إذْ لَمْ يُلاحَظْ لَها مَوْصُوفٌ تَجْرِي عَلَيْهِ كالرّاوِيَةِ لِلرَّجُلِ الكَثِيرِ الرِّوايَةِ فَهي تاءُ مُبالَغَةٍ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ صِفَةً مَنقُولَةً إلى الِاسْمِيَّةِ سُمِّيَ بِها ما يَغِيبُ ويَخْفى، والتّاءُ فِيها لِلنَّقْلِ كَما في الفاتِحَةِ، والفَرْقُ بَيْنَ المُغَلَّبِ والمَنقُولِ- عَلى ما قالَ الخَفاجِيُّ- أنَّ الأوَّلَ يَجُوزُ إجْراؤُهُ عَلى مَوْصُوفٍ مُذَكَّرٍ بِخِلافِ الثّانِي.
والظّاهِرُ عُمُومُ الغائِبَةِ أيْ ما مِن غائِبَةٍ كائِنَةٍ ما كانَتْ ﴿إلا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ أيْ بَيِّنٍ، أوْ مُبَيِّنٍ لِما فِيهِ لِمَن يُطالِعُهُ ويَنْظُرُ فِيهِ مِنَ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وهو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، واشْتِمالُهُ عَلى ذَلِكَ إنْ كانَ مُتَناهِيًا لا إشْكالَ فِيهِ وإنْ كانَ غَيْرَ مُتَناهٍ فَفِيهِ إشْكالٌ ظاهِرٌ ضَرُورَةَ قِيامِ الدَّلِيلِ عَلى تَناهِي الإبْعادِ واسْتِحالَةِ وُجُودِ ما لا يَتَناهى، ولَعَلَّ وُجُودَ الأشْياءِ الغَيْرِ المُتَناهِيَةِ في عِلْمِ اللَّهِ تَعالى في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ عَلى نَحْوِ ما يَزْعُمُونَهُ مِن وُجُودِ الحَوادِثِ في الجَفْرِ الجامِعِ وإنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَذْوُ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ.
وقِيلَ: المُرادُ بِالكِتابِ المُبِينِ عِلْمُهُ تَعالى الأزَلِيُّ الَّذِي هو مَبْدَأٌ لِإظْهارِ الأشْياءِ بِالإرادَةِ والقُدْرَةِ، وقِيلَ: حُكْمُهُ سُبْحانَهُ الأزَلِيُّ وإطْلاقُ الكِتابِ عَلى ما ذُكِرَ مِن بابِ الِاسْتِعارَةِ ولا يَخْفى ما في ذَلِكَ.
وقِيلَ: المُرادُ بِهِ القُرْآنُ واشْتِمالُهُ عَلى كُلِّ غائِبَةٍ عَلى نَحْوِ ما ذَكَرْنا في اشْتِمالِ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ عَلَيْهِ، وقَدْ ذُكِرَ أنَّ بَعْضَ العارِفِينَ اسْتَخْرَجَ مِنَ الفاتِحَةِ أسْماءَ السَّلاطِينِ العُثْمانِيَّةِ ومُدَدَ سَلْطَنَتِهِمْ إلى آخِرِ مَن يَتَسَلَّطْنَ مِنهم أدامَ اللَّهُ تَعالى مُلْكَهم إلى يَوْمِ الدِّينِ ووَفَّقَهم لِما فِيهِ صَلاحُ المُسْلِمِينَ. وذَكَرَ بَعْضُهم في هَذا الوَجْهِ أنَّهُ مُناسِبٌ لِما بَعْدُ مِن وصْفِ القُرْآنِ وفِيهِ ما فِيهِ، وقالَ الحَسَنُ: الغائِبَةُ هو (p-18)يَوْمُ القِيامَةِ وأهْوالِها، وقالَ صاحِبُ الغَنِيّانِ: الحَوادِثُ والنَّوازِلُ، وقِيلَ: أعْمالُ العِبادِ، وقِيلَ: ما غابَ مِن عَذابِ السَّماءِ والأرْضِ، والعُمُومُ أوْلى، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ. وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أنَّهُ قالَ في الآيَةِ يَقُولُ سُبْحانَهُ: ما مِن شَيْءٍ في السَّماءِ والأرْضِ سِرًّا وعَلانِيَةً إلّا يَعْلَمُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى، وأخَذَ مِنهُ بَعْضُهم حَمْلُ الكِتابِ عَلى العِلْمِ الأزَلِيِّ، وفِيهِ نَظَرٌ لِجَوازِ أنْ يَكُونَ قَدْ جُعِلَ كَوْنُ ذَلِكَ في كِتابٍ مُبِينٍ كِنايَةً عَنْ عِلْمِهِ تَعالى بِهِ.
وذَهَبَ أبُو حَيّانَ إلى أنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ اعْتَبَرَ في الآيَةِ حَذْفَ أحَدِ المُتَقابِلَيْنِ اكْتِفاءً بِالآخَرِ وكَلامُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ، ويَحْتَمِلُ أنَّهُ ذَكَرَ العَلانِيَةَ في بَيانِ المَعْنى لِأنَّ مَن عَلِمَ السِّرَّ عَلِمَ العَلانِيَةَ مِن بابِ أوْلى، ويَحْتَمِلُ أنَّ ذَلِكَ لِأنَّهُ ما مِن عَلانِيَةٍ إلّا وهي غَيْبٌ بِالنِّسْبَةِ إلى بَعْضِ الأشْخاصِ، فَيَكُونُ قَدْ أشارَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بِبَيانِ المَعْنى وذِكْرِ السِّرِّ والعَلانِيَةِ فِيهِ إلى أنَّ المُرادَ- بِغائِبَةٍ- في الآيَةِ ما يَشْمَلُهُما وهو ما اتَّصَفَ بِالغَيْبَةِ أعَمُّ مِن أنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً أوْ إضافِيَّةً كَذا قِيلَ فَتَدَبَّرْ.
{"ayah":"وَمَا مِنۡ غَاۤىِٕبَةࣲ فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











