الباحث القرآني

﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلا اللَّهُ﴾ بَعْدَ ما تَحَقَّقَ تَفَرُّدُهُ تَعالى بِالأُلُوهِيَّةِ بِبَيانِ اخْتِصاصِهِ بِالقُدْرَةِ الكامِلَةِ التّامَّةِ والرَّحْمَةِ الشّامِلَةِ العامِلَةِ عَقَّبَ بِذِكْرِ ما لا يَنْفَكُّ عَنْهُ، وهو اخْتِصاصُهُ تَعالى بِعِلْمِ الغَيْبِ تَكْمِيلًا لِما قَبْلَهُ وتَمْهِيدًا لِما بَعْدَهُ مِن أمْرِ البَعْثِ، وفي البَحْرِ قِيلَ: سَألَ الكُفّارُ عَنْ وقْتِ القِيامَةِ- الَّتِي وعَدُوها- الرَّسُولُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وألَحُّوا عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَنَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ﴾ الآيَةَ، فَمُناسَبَتُها عَلى هَذا لِما قَبْلَها مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمَّنْ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أتَمُّ مُناسِبَةٍ، والظّاهِرُ المُتَبادِرُ إلى الذِّهْنِ أنَّ مَن فاعَلَ يَعْلَمُ وهو مَوْصُولٌ أوْ مَوْصُوفٌ، والغَيْبُ مَفْعُولُهُ، والِاسْمُ الجَلِيلُ مَرْفُوعٌ عَلى البَدَلِيَّةِ مِن (مَن) والِاسْتِثْناءُ عَلى ما قِيلَ: مُنْقَطِعٌ تَحْقِيقًا مُتَّصِلٌ تَأْوِيلًا عَلى حَدِّ ما في قَوْلِ الرّاجِزِ: ؎وبَلْدَةٍ لَيْسَ بِها أنِيسُ إلّا اليَعافِيرُ وإلّا العِيسُ بِناءً عَلى إدْخالِ اليَعافِرِ في الأنِيسِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ فَيُفِيدُ المُبالَغَةَ في نَفْيِ عِلْمِ الغَيْبِ عَمَّنْ في السَّماواتِ والأرْضِ بِتَعْلِيقِ عِلْمِهِمْ إيّاهُ بِما هو بَيِّنُ الِاسْتِحالَةِ مِن كَوْنِهِ تَعالى مِنهم كَأنَّهُ قِيلَ: إنْ كانَ اللَّهُ تَعالى مِمَّنْ فِيهِما فَفِيهِمْ مَن يَعْلَمُ الغَيْبَ يَعْنِي أنَّ اسْتِحالَةَ عِلْمِهِمُ الغَيْبَ كاسْتِحالَةِ أنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعالى مِنهُمْ، ونَظِيرُ هَذا مِمّا لا اسْتِثْناءَ فِيهِ قَوْلُهُ: تَحِيَّةٌ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وجِيعٌ وقِيلَ: هو مُنْقَطِعٌ عَلى حَدِّ الِاسْتِثْناءِ في قَوْلِهِ: ؎عَشِيَّةَ ما تُغْنِي الرِّماحُ مَكانَها ∗∗∗ ولا النَّبْلُ إلّا المَشْرَفِيَّ المُصَمَّمَ يَعْنِي أنَّهُ مِنِ اتِّباعِ أحَدِ المُتَبايِنَيْنِ الآخَرَ نَحْوَ ما أتانِي زِيدٌ إلّا عَمْرٌو وما أعانَهُ إخْوانُكم إلّا إخْوانُهُ، وقَدْ ذَكَرَهُما سِيبَوَيْهِ، وذَكَرَ ابْنُ مالِكٍ أنَّ الأصْلَ فِيهِما: ما أتانِي أحَدٌ إلّا عَمْرٌو، وما أعانَهُ أحَدٌ إلّا إخْوانُهُ فَجُعِلَ مَكانَ أحَدٍ بَعْضُ مَدْلُولِهِ وهو زَيْدٌ وإخْوانُكُمْ، ولَوْ لَمْ يَذْكُرِ الدُّخَلاءَ فِيمَن نُفِيَ عَنْهُ الإتْيانُ والإعانَةُ، ولَكِنْ ذَكَرا تَوْكِيدًا لِقِسْطِهِما مِنَ النَّفْيِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ المُخاطَبِ أنَّ المُتَكَلِّمَ لَمْ يَخْطُرْ لَهُ هَذا الَّذِي أُكِّدَ بِهِ، فَذَكَرَ تَأْكِيدًا، وعَلَيْهِ يَكُونُ الأصْلُ في الآيَةِ لا يَعْلَمُ أحَدٌ الغَيْبَ إلّا اللَّهُ فَحُذِفَ أحَدٌ وجُعِلَ مَكانَهُ بَعْضُ مَدْلُولِهِ وهو مَن في السَّماواتِ والأرْضِ، والبَعْضُ الآخَرُ مِن لَيْسَ فِيهِما، ويَكْفِي في كَوْنِهِ مَدْلُولًا لَهُ صِدْقُهُ عَلَيْهِ ولا يَجِبُ في ذَلِكَ وُجُودُهُ في الخارِجِ، فَقَدْ صَرَّحُوا أنَّ مِنَ الكُلِّيِّ ما يَمْتَنِعُ وُجُودُ بَعْضِ أفْرادِهِ أوْ كُلِّها في الخارِجِ عَلى أنَّ مِن أجِلَّةِ الإسْلامِيِّينَ مَن قالَ بِوُجُودِ شَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، ولَيْسَ في السَّماواتِ ولا في الأرْضِ وهو الرُّوحُ الأمْرِيَّةُ فَإنَّها لا مَكانَ لَها عِنْدَهم عَلى نَحْوِ العُقُولِ المُجَرَّدَةِ عِنْدَ الفَلاسِفَةِ، وقالَ: إنَّ شَرْطَ الِاتِّباعِ في هَذا النَّوْعِ أنْ يَسْتَقِيمَ حَذْفُ المُسْتَثْنى مِنهُ والِاسْتِغْناءُ عَنْهُ بِالمُسْتَثْنى فَإنْ لَمْ يُوجَدْ هَذا الشَّرْطُ تَعَيَّنَ النَّصْبُ عِنْدَ التَّمِيمِيِّ. والحِجازِيُّ كَما في قَوْلِهِ تَعالى:﴿لا عاصِمَ اليَوْمَ مِن أمْرِ اللَّهِ إلا مِن رَحِمَ﴾، فَإنَّ الِاسْتِغْناءَ فِيهِ بِالمُسْتَثْنى عَمّا قَبْلَهُ مُمْتَنِعٌ إلّا بِتَكَلُّفٍ، وزَعَمَ المازِنِيُّ أنَّ اتِّباعَ المُنْقَطِعِ مِن تَغْلِيبِ العاقِلِ عَلى غَيْرِهِ، ويَلْزَمُ عَلَيْهِ أنْ يَخْتَصَّ بِأحَدٍ وشِبْهِهِ وهو فاسِدٌ- كَما قالَ ابْنُ خَرُوفٍ- لِأنَّ ما يُبَدَّلُ مِنهُ في هَذا البابِ غَيْرُ ما ذَكَرَ أكْثَرُ مِن أنْ يُحْصى اهـ. وكَلامُ الزَّمَخْشَرِيِّ يُوهِمُ صَدْرُهُ أنَّ الِاسْتِثْناءَ هُنا مِن قَبِيلِ الِاسْتِثْناءِ في المِثالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُما سِيبَوَيْهِ، وفي البَيْتِ الَّذِي ذَكَرْناهُ قُبَيْلِهِما، ويُفْهَمُ عَجْزُهُ أنَّهُ مِن قَبِيلِ الِاسْتِثْناءِ في الرَّجُزِ السّابِقِ، وأنَّ الدّاعِيَ إلى اخْتِيارِ المَذْهَبِ التَّمِيمِيِّ نُكْتَةُ المُبالِغَةِ الَّتِي سَمِعْتَها، وقَدْ صَرَّحُوا أنَّ إفادَةَ تِلْكَ النُّكْتَةِ إنَّما تَتَأتّى إذا جُعِلَ الِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعًا تَحْقِيقًا مُتَّصِلًا تَأْوِيلًا، ولَعَلَّ الحَقَّ أنَّهُ إذا أُرِيدَ الدَّلالَةُ عَلى قُوَّةِ النَّفْيِ تَعَيَّنَ جَعْلُ الِاسْتِثْناءِ نَحْوَ الِاسْتِثْناءِ في قَوْلِهِ: «وبَلْدَةٍ» (p-10)إلَخْ، وإذا أُرِيدَ الدَّلالَةُ عَلى عُمُومِ النَّفْيِ تَعَيَّنَ جَعْلُهُ نَحْوَ الِاسْتِثْناءِ في قَوْلِهِمْ: ما أعانَهُ إخْوانُكم إلّا إخْوانُهُ فَتَدَبَّرْ، وجُوِّزَ كَوْنُهُ مُتَّصِلًا كَما هو الأصْلُ في الِاسْتِثْناءِ عَلى أنَّ المُرادَ بِمَن في السَّماواتِ والأرْضِ مَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِما اطِّلاعَ الحاضِرِ فِيهِما مَجازًا مُرْسَلًا أوِ اسْتِعارَةً، وأيًّا ما كانَ فَهو مَعْنًى مَجازِيٌّ عامٌّ لَهُ تَعالى شَأْنُهُ ولِذَوِي العِلْمِ مِن خَلْقِهِ وهو المُخَلِّصُ مِن لُزُومِ ارْتِكابِ الجَمْعِ بَيْنَ الحَقِيقَةِ والمَجازِ المُخْتَلِفِ في صِحَّتِهِ كَما فَعَلَهُ بَعْضُ القائِلِينَ بِالِاتِّصالِ، وقِيلَ: يُعَلَّقُ الجارُّ والمَجْرُورُ عَلى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بِنَحْوٍ يَذْكُرُ مِنَ الأفْعالِ المَنسُوبَةِ عَلى الحَقِيقَةِ إلى اللَّهِ تَعالى وإلى المَخْلُوقِينَ لا بِنَحْوٍ اسْتَقَرَّ مِمّا لا يَصِحُّ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ عَلى الحَقِيقَةِ أيْ لا يَعْلَمُ مَن يَذْكُرُ في السَّماواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلّا اللَّهُ، ويَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِاسْتَقَرَّ أيْضًا إلّا أنَّهُ يُجْعَلُ مُسْنَدًا إلى مُضافٍ حُذِفَ وأُقِيمَ المُضافُ إلَيْهِ مَقامَهُ أيْ لا يُعْلَمُ مَنِ اسْتَقَرَّ ذِكْرُهُ في السَّماواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلّا اللَّهُ فَحُذِفَ الفِعْلُ والمُضافُ واسْتُتِرَ الضَّمِيرُ لِكَوْنِهِ مَرْفُوعًا، وهَذا وما قَبْلُهُ كَما تَرى، واعْتُرِضَ حَدِيثُ الِاتِّصالِ بِأنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُ تَعالى وبَيْنَ غَيْرِهِ في إطْلاقِ لَفْظٍ واحِدٍ وهو أمْرٌ مَذْمُومٌ، فَقَدْ أخْرَجَ مُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ والنَّسائِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ «أنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ ومَن يَعْصِهِما فَقَدْ غَوى، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بِئْسَ خَطِيبُ القَوْمِ أنْتَ قُلْ ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ»». وأُجِيبُ بِأنَّ ذَلِكَ مِمّا يُذَمُّ إذا صَدَرَ مِنَ البَشَرِ أمّا إذا صَدَرَ مِنهُ تَعالى فَلا يُذَمُّ عَلى أنَّ كَوْنَهُ مِمّا يُذَمُّ إذا صَدَرَ مِنَ البَشَرِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ، فَقَدْ رَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ عَنْ أنَسٍ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وجَدَ بِهِنَّ طَعْمَ الإيمانِ مَن كانَ اللَّهُ تَعالى ورَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمّا سِواهُما»» الحَدِيثَ.، ولَعَلَّ مَدارَ الذَّمِّ والمَدْحِ تَضَمُّنُ ذَلِكَ نُكْتَةً لَطِيفَةً وعَدَمُ تَضَمُّنِهِ إيّاها، وقَدْ قِيلَ في حَدِيثِ أنَسٍ: النُّكْتَةُ في تَثْنِيَةِ الضَّمِيرِ الإيماءُ إلى أنَّ المُعْتَبَرَ هو المَجْمُوعُ المُرَكَّبُ مِنَ المَحَبَّتَيْنِ، والنُّكْتَةُ في إفْرادِهِ في حَدِيثِ عَدِيٍّ الإشْعارُ بِأنَّ كُلًّا مِنَ العِصْيانَيْنِ مُسْتَقِلٌّ بِاسْتِلْزامِ الغَوايَةِ، وقَدْ مَرَّ الكَلامُ في هَذا المَبْحَثِ فَتَذَكَّرْ، وجُوِّزَ أنْ يُعْرَبَ مَن مَفْعُولُ- يَعْلَمُ. والغَيْبُ- بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنهُ، والِاسْمُ الجَلِيلُ فاعِلُ (يَعْلَمُ) ويَكُونُ اسْتِثْناءً مُفَرَّغًا أيْ لا يَعْلَمُ غَيْبَ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ إلّا اللَّهُ ولا يَخْفى بَعْدَهُ. والغَيْبُ في الأصْلِ مَصْدَرٌ غابَتِ الشَّمْسُ وغَيْرُها إذا اسْتَتَرَتْ عَنِ العَيْنِ، واسْتُعْمِلَ في الشَّيْءِ الغائِبِ الَّذِي لَمْ تُنْصَبْ لَهُ قَرِينَةٌ وكَوْنُ ذَلِكَ غَيْبًا بِاعْتِبارِهِ بِالنّاسِ ونَحْوِهِمْ لا بِاللَّهِ عَزَّ وجَلَّ فَإنَّهُ سُبْحانَهُ لا يَغِيبُ عَنْهُ تَعالى شَيْءٌ لَكِنْ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنَّهُ جَلَّ وعَلا لا يَعْلَمُ الغَيْبَ قَصْدًا إلى أنَّهُ لا غَيْبَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِيُقالَ يَعْلَمُهُ، وقَدْ شَنَّعَ الشَّيْخُ أحْمَدُ الفارُوقِيُّ السَّرْهَنِدِيُّ المَشْهُورُ بِالإمامِ الرَّبّانِيِّ في مَكْتُوباتِهِ- عَلى مَن قالَ ذَلِكَ قاصِدًا ما ذَكَرَ- أتَمَّ تَشْنِيعٍ كَما هو عادَتُهُ جَزاهُ اللَّهُ تَعالى خَيْرًا فِيمَن لَمْ يَتَأدَّبْ بِآدابِ الشَّرِيعَةِ الغَرّاءِ، والظّاهِرُ عُمُومُ الغَيْبِ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ السّاعَةُ، وقِيلَ: ما يُضْمِرُهُ أهْلُ السَّماواتِ والأرْضِ في قُلُوبِهِمْ، وقِيلَ: المُرادُ جِنْسُ الغَيْبِ، ويَلْزَمُ مِن نَفْيِ عِلْمِ جِنْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ عَزَّ وجَلَّ نَفْيُ عِلْمِ كُلِّ فَرْدٍ مِن أفْرادِهِ عَنْ ذَلِكَ الغَيْرِ، ولا يَضُرُّ في ذَلِكَ أنَّ الآيَةَ لا تَدُلُّ حِينَئِذٍ عَلى ثُبُوتِ عِلْمِ كُلِّ غَيْبٍ لَهُ عَزَّ وجَلَّ بَلْ قُصارى ما تَدُلُّ عَلَيْهِ ثُبُوتُ عِلْمِ جِنْسِ الغَيْبِ لَهُ سُبْحانَهُ لِأنَّهُ المَنفِيُّ صَرِيحًا عَنِ المُسْتَثْنى مِنهُ ولا يَلْزَمُ مِن ثُبُوتِ عِلْمِ هَذا الجِنْسِ ثُبُوتُ عِلْمِ كُلِّ فَرْدٍ مِن أفْرادِهِ لِأنَّها لَمْ تُسَقْ لِلِاسْتِدْلالِ بِها عَلى ذَلِكَ، وكَمْ وكَمْ مِن دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ ونَقْلِيٍّ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وتُعُقِّبَ بِأنَّ الغَيْبَ مِن حَيْثُ إنَّهُ غَيْبٌ لا يَتَفاوَتُ فَمَتى ثَبَتَ العِلْمُ بِبَعْضِ أفْرادِهِ ثَبَتَ العِلْمُ بِجَمِيعِها دَفْعًا لِلُزُومِ التَّرْجِيحِ بِلا مُرَجِّحٍ فَتَأمَّلْ. (p-11)واخْتارَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِغْراقَ أيْ لا يَعْلَمُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ كُلَّ غَيْبٍ إلّا اللَّهُ فَإنَّهُ سُبْحانَهُ يَعْلَمُ كُلَّ غَيْبٍ لِأنَّهُ الأوْفَقُ بِالمَقامِ، واعْتُرِضَ بِأنَّهُ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ مِن أهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ مَن يَعْلَمُ بَعْضَ الغُيُوبِ، وظاهِرُ كَلامِ كَثِيرٍ مِنَ الأجِلَّةِ يَأْبى ذَلِكَ، ويُؤَيِّدُهُ ما أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وأحْمَدُ وجَماعَةٌ مِنَ المُحَدِّثِينَ مِن حَدِيثِ مَسْرُوقٍ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها أنَّها قالَتْ: مَن زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ يُخْبِرُ النّاسَ بِما يَكُونُ في غَدٍ. وفي بَعْضِ الرِّواياتِ يَعْلَمُ ما في غَدٍ فَقَدْ أعْظَمَ عَلى اللَّهِ تَعالى الفِرْيَةَ واللَّهُ تَعالى يَقُولُ: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلا اللَّهُ﴾، وجَوَّزَ بَعْضُهم أنْ يَكُونَ مِنهم مَن يَعْلَمُ بَعْضَ الغُيُوبِ، فَفي بَيانِ قَواطِعِ الإسْلامِ تَأْلِيفُ العَلّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ بَعْدَ الرَّدِّ عَلى مَن أُكَفِّرُ مَن قِيلَ لَهُ: أتَعْلَمُ الغَيْبَ؟ فَقالَ: نَعَمْ لِأنَّ فِيما قالَهُ تَكْذِيبُ النَّصِّ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلا هُوَ﴾، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أحَدًا﴾ ﴿إلا مَنِ ارْتَضى مَنِ رَسُولٍ﴾ ما نَصُّهُ: وعَلى كُلٍّ فالخَواصُّ يَجُوزُ أنْ يَعْلَمُوا الغَيْبَ في قَضِيَّةٍ أوْ قَضايا كَما وقَعَ لِكَثِيرٍ مِنهم واشْتَهَرَ، والَّذِي اخْتُصَّ بِهِ تَعالى إنَّما هو عِلْمُ الجَمِيعِ وعِلْمُ مَفاتِحِ الغَيْبِ المُشارِ إلَيْها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ﴾ الآيَةَ، ويَنْتِجُ مِن هَذا التَّقْرِيرِ أنَّ مَنِ ادَّعى عَلِمَ الغَيْبِ في قَضِيَّةٍ أوْ قَضايا لا يَكْفُرُ وهو مُحْمَلٌ ما في الرَّوْضَةِ، ومَنِ ادَّعى عِلْمَهُ في سائِرِ القَضايا يَكْفُرُ وهو مُحْمَلٌ ما في أصْلِها إلّا أنَّ عِبارَتَهُ لَمّا كانَتْ مُطْلَقَةً تَشْمَلُ هَذا وغَيْرَهُ ساغَ لِلنَّوَوِيِّ الِاعْتِراضُ عَلَيْهِ فَإنْ أُطْلِقَ فَلَمْ يُرِدْ شَيْئًا، فالأوْجَهُ ما اقْتَضاهُ كَلامُ النَّوَوِيِّ مِن عَدَمِ الكُفْرِ انْتَهى. ولَعَلَّ الحَقَّ أنْ يُقالَ: إنَّ عِلْمَ الغَيْبِ المَنفِيِّ عَنْ غَيْرِهِ جَلَّ وعَلا هو ما كانَ لِلشَّخْصِ لِذاتِهِ أيْ بِلا واسِطَةٍ في ثُبُوتِهِ لَهُ، وهَذا مِمّا لا يُعْقَلُ لِأحَدٍ مِن أهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ لِمَكانِ الإمْكانِ فِيهِمْ ذاتًا وصِفَةً وهو يَأْبى ثُبُوتَ شَيْءٍ لَهم بِلا واسِطَةٍ، ولَعَلَّ في التَّعْبِيرِ عَنِ المُسْتَثْنى مِنهُ بِمَن في السَّماواتِ والأرْضِ إشارَةً إلى عِلَّةِ الحُكْمِ، وما وقَعَ لِلْخَواصِّ لَيْسَ مِن هَذا العِلْمِ المَنفِيِّ في شَيْءٍ ضَرُورَةً أنَّهُ مِنَ الواجِبِ عَزَّ وجَلَّ أفاضَهُ عَلَيْهِمْ بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ الإفاضَةِ فَلا يُقالُ: إنَّهم عَلِمُوا الغَيْبَ بِذَلِكَ المَعْنى ومَن قالَهُ كَفَرَ قَطْعًا، وإنَّما يُقالُ: إنَّهم أُظْهِرُوا أوِ اطْلِعُوا. بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ، عَلى الغَيْبِ أوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمّا يُفْهِمُ الواسِطَةَ في ثُبُوتِ العِلْمِ لَهُمْ، ويُؤَيِّدُ ما ذُكِرَ أنَّهُ لَمْ يَجِئْ في القُرْآنِ الكَرِيمِ نِسْبَةُ عِلْمِ الغَيْبِ إلى غَيْرِهِ تَعالى أصْلًا، وجاءَ الإظْهارُ عَلى الغَيْبِ لِمَنِ ارْتَضى سُبْحانَهُ مِن رَسُولٍ لا يُقالُ: يَجُوزُ عَلى هَذا أنْ يُقالَ: أُعْلِمَ فُلانٌ الغَيْبَ بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ أيْضًا عَلى مَعْنى أنَّ اللَّهَ تَعالى أعْلَمُهُ وعَرَّفَهُ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ مِن طُرُقِ الإعْلامِ والتَّعْرِيفِ، ومَتى جازَ هَذا جازَ أنْ يُقالَ: عَلِمَ فُلانٌ الغَيْبَ بِقَصْدِ نِسْبَةِ عِلْمِهِ الحاصِلِ مِن إعْلامِهِ إلَيْهِ لِأنّا نَقُولُ: لا كَلامَ في جَوازِ أُعْلِمَ بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ، وإنَّما الكَلامُ في قَوْلِكَ: ومَتى جازَ هَذا جازَ أنْ يُقالَ إلَخْ، فَنَقُولُ: إنْ أُرِيدَ بِالجَوازِ في تالِي الشَّرْطِيَّةِ الجَوازُ مَعْنًى أيِ الصِّحَّةُ مِن حَيْثُ المَعْنى فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ ما جازَ مَعْنًى بِهَذا المَعْنى جازَ شَرْعًا اسْتِعْمالُهُ، وإنْ أُرِيدَ الجَوازُ شَرْعًا بِمَعْنى عَدَمِ المَنعِ مِنِ اسْتِعْمالِهِ فَهو مَمْنُوعٌ لِما فِيهِ مِنَ الإيهامِ والمُصادَمَةِ لِظَواهِرِ الآياتِ كَآيَةِ ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلا اللَّهُ﴾ وغَيْرِها وقَدْ سَمِعْتُ عَنِ الإمامِ الرَّبّانِيِّ قَدَّسَ سِرَّهُ النُّورانِيَّ أنَّهُ حَطَّ كُلَّ الحَطِّ عَلى مَن قالَ اللَّهُ سُبْحانَهُ: «لا يَعْلَمُ الغَيْبَ» مُتَأوِّلًا لَهُ بِما تَقَدَّمَ لِما فِيهِ مِنَ المُصادَمَةِ لِلنُّصُوصِ القُرْآنِيَّةِ وغَيْرِها، وفي ذَلِكَ مِن سُوءِ الأدَبِ ما فِيهِ، وقَدْ شَنَّعُوا أيْضًا عَلى مَن قالَ: أكْرَهُ الحَقَّ وأُحِبُّ الفِتْنَةَ وأفِرُّ مِنَ الرَّحْمَةِ مُرِيدًا بِالحَقِّ المَوْتَ، وبِالفِتْنَةِ المالَ أوِ الوَلَدَ، وبِالرَّحْمَةِ المَطَرَ لِما في ظاهِرِهِ مِنَ الشَّناعَةِ والبَشاعَةِ ما لا يَخْفى. (p-12)نَعَمْ لا يَكْفُرُ قائِلُ ذَلِكَ بِذَلِكَ القَصْدِ ويَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ كَيْلا يَعُودَ إلى قَوْلِهِ، ثُمَّ إنَّ عِلْمَ غَيْرِ الغَيْبِ مِنَ المَحْسُوساتِ والمَعْقُولاتِ وإنْ كانَ لا يَثْبُتُ لِشَيْءٍ مِنَ المُمْكِناتِ بِلا واسِطَةٍ في الثُّبُوتِ أيْضًا إلّا أنَّهُ في نِسْبَتِهِ لِشَيْءٍ مِنها لَمْ يُعْتَبَرْ إلّا اتِّصافُهُ بِهِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِنَفْيِ تِلْكَ الواسِطَةِ لِما أنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَصْرَ ذَلِكَ العِلْمِ بِهِ عَزَّ وجَلَّ ونَفْيَهُ عَمَّنْ سِواهُ جَلَّ وعَلا بَلْ صَرَّحَ في مَواضِعَ أكْثَرَ مِن أنْ تُحْصى بِنِسْبَتِهِ إلى غَيْرِهِ سُبْحانَهُ ولَوْ ورَدَ فِيهِ ما ورَدَ في عِلْمِ الغَيْبِ لالتَزَمَ فِيهِ ما التَزَمَ فِيهِ، وعَلى ما تُقَرِّرُ لا يَكُونُ عِلْمُ العُقُولِ بِما لَمْ يَكُنْ بَعْدُ مِنَ الحَوادِثِ عَلى ما يَزْعُمُهُ الفَلاسِفَةُ مِن عِلْمِ الغَيْبِ بَلْ هو لَوْ سُلِّمَ عِلْمٌ حَصَلَ لَهم مِنَ الفَيّاضِ المُطْلَقِ جَلَّ شَأْنُهُ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي تَقْتَضِيها الحِكْمَةُ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُقالَ فِيهِمْ: إنَّهم عالِمُونَ بِالغَيْبِ، وقائِلُهُ إمّا كافِرٌ أوْ مُسْلِمٌ آثِمٌ، وكَذا يُقالُ في عِلْمِ بَعْضِ المُرْتاضِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ الصُّوفِيَّةِ والكَفَرَةِ الجَوْكِيَّةِ فَإنَّ كُلَّ ما يَحْصُلُ لَهم مِن ذَلِكَ فَإنَّما هو بِطْرِيقِ الفَيْضِ ومَراتِبُهُ وأحْوالُهُ لا تُحْصى، والتَّأهُّلُ لَهُ قَدْ يَكُونُ فِطْرِيًّا، وقَدْ يَكُونُ كَسْبِيًّا، وطُرُقُ اكْتِسابِهِ مُتَشَعِّبَةٌ لا تَكادُ تُسْتَقْصى، وإفاضَةُ ذَلِكَ عَلى كَفَرَةِ المُرْتاضِينَ وإنْ أُشْبِهَتْ إفاضَتُهُ عَلى المُؤْمِنِينَ المُتَّقِينَ إلّا أنَّ بَيْنَ الأمْرَيْنِ فَرْقًا عَظِيمًا عِنْدَ المُحَقِّقِينَ، وقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ المُتَصَوِّفَةِ أنَّهُ ما مِن حَقٍّ إلّا وقَدْ جُعِلَ لَهُ باطِلٌ يُشْبِهُهُ لِأنَّ الدّارَ دارُ فِتْنَةٍ وأكْثَرُ ما فِيها مِحْنَةٌ، ويَلْحَقُ بِعِلْمِ المُرْتاضِينَ مِنَ الجَوْكِيَّةِ عِلْمُ بَعْضِ المُتَصَوِّفَةِ المَنسُوبِينَ إلى الإسْلامِ المُهْمِلِينَ أكْثَرَ أحْكامِهِ الواجِبَةِ عَلَيْهِمُ المُنْهَمِكِينَ في ارْتِكابِ المَحْظُوراتِ في نَهارِهِمْ ولَيْلِهِمْ، فَلا يَنْبَغِي اعْتِقادُ أنَّ ذَلِكَ كَرامَةٌ بَلْ هو نِقْمَةٌ مُفْضِيَةٌ إلى حَسْرَةٍ ونَدامَةٍ، وأمّا عِلْمُ النُّجُومِيِّ بِالحَوادِثِ الكَوْنِيَّةِ حَسْبَما يَزْعُمُهُ فَلَيْسَ مِن هَذا القَبِيلِ لِأنَّ تِلْكَ الحَوادِثَ الَّتِي يُخْبِرُ بِها لَيْسَتْ مِنَ الغَيْبِ بِالمَعْنى الَّذِي ذَكَرْناهُ إذْ هي وإنْ كانَتْ غائِبَةٌ عَنّا إلّا أنَّها عَلى زَعْمِهِ مِمّا نَصَّبَ لَها قَرِينَةً مِنَ الأوْضاعِ الفَلَكِيَّةِ والنِّسَبِ النُّجُومِيَّةِ مِنَ الِاقْتِرانِ والتَّثْلِيثِ والتَّسْدِيسِ والمُقابَلَةِ ونَحْوَ ذَلِكَ، وعِلْمُهُ بِدَلالَةِ القَرائِنِ الَّتِي يَزْعُمُها ناشِئٌ مِنَ التَّجْرِبَةِ وما تَقْتَضِيهِ طَبائِعُ النُّجُومِ والبُرُوجِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْها بِزَعْمِهِ اخْتِلافُ الآثارِ في عالَمِ الكَوْنِ والفَسادِ فَلا أرى العِلْمَ بِها إلّا كَعِلْمِ الطَّبِيبِ الحاذِقِ إذا رَأى صَفْراوِيًّا مَثَلًا عَلِمَ رُتْبَةَ مِزاجِهِ وحَقَّقَها يَأْكُلُ مِقْدارًا مُعَيَّنًا مِنَ العَسَلِ أنَّهُ يَعْتَرِيهِ بَعْدَ ساعَةٍ أوْ ساعَتَيْنِ كَذا وكَذا مِنَ الألَمِ، وإطْلاقُ عِلْمِ الغَيْبِ عَلى ذَلِكَ فِيهِ ما فِيهِ، وإنْ أبَيْتَ إلّا تَسْمِيَةَ ذَلِكَ غَيْبًا فالعِلْمُ بِهِ لِكَوْنِهِ بِواسِطَةِ الأسْبابِ لا يَكُونُ مِن عِلْمِ الغَيْبِ المَنفِيِّ عَنْ غَيْرِهِ تَعالى في شَيْءٍ وكَذا كُلُّ عِلْمٍ بِخَفِيٍّ حَصَلَ بِواسِطَةِ سَبَبٍ مِنَ الأسْبابِ كَعِلْمِنا بِاللَّهِ تَعالى وصِفاتِهِ العَلِيَّةِ وعِلْمِنا بِالجَنَّةِ والنّارِ ونَحْوَ ذَلِكَ، عَلى أنَّكَ إذا أنْصَفْتَ تَعْلَمُ أنَّ ما عِنْدَ النُّجُومِيِّ ونَحْوَهُ لَيْسَ عِلْمًا حَقِيقِيًّا وإنَّما هو ظَنٌّ وتَخْمِينٌ مَبْنِيٌّ عَلى ما هو أوْهَنُ مِن بَيْتِ العَنْكَبُوتِ كَما سَنُحَقِّقُ ذَلِكَ بِما لا مَزِيدَ عَلَيْهِ في مَحَلِّهِ اللّائِقِ بِهِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. وأقْوى ما عِنْدَهُ مَعْرِفَةُ زَمَنَيِ الكُسُوفِ والخُسُوفِ وأزْمِنَةِ تَحَقُّقِ النِّسَبِ المَخْصُوصَةِ بَيْنَ الكَواكِبِ وهي ناشِئَةٌ مِن مَعْرِفَةِ مَقادِيرِ الحَرَكاتِ لِلْكَواكِبِ والأفْلاكِ الكُلِّيَّةِ والجُزْئِيَّةِ وهي أُمُورٌ مَحْسُوسَةٌ تُدْرَكُ بِالأرْصادِ والآلاتِ المَعْمُولَةِ لِذَلِكَ، وبِالجُمْلَةِ عِلْمُ الغَيْبِ بِلا واسِطَةٍ كُلًّا أوْ بَعْضًا مَخْصُوصٌ بِاللَّهِ جَلَّ وعَلا لا يَعْلَمُهُ أحَدٌ مِنَ الخَلْقِ أصْلًا، ومَتى اعْتُبِرَ فِيهِ نَفْيُ الواسِطَةِ بِالكُلِّيَّةِ تَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ مِن مُقْتَضَياتِ الذّاتِ فَلا يَتَحَقَّقُ فِيهِ تَفاوُتٌ بَيْنَ غَيْبٍ وغَيْبٍ، فَلا بَأْسَ بِحَمْلِ ألْ في الغَيْبِ عَلى الجِنْسِ، ومَتى حُمِلَتْ عَلى الِاسْتِغْراقِ فاللّائِقُ أنْ لا يُعْتَبَرَ في الآيَةِ سَلْبُ العُمُومِ بَلْ يُعْتَبَرُ عُمُومُ السَّلْبِ، ويَلْتَزِمُ أنَّ القاعِدَةَ أغْلَبِيَّةٌ. وكَذا يُقالُ في السَّلْبِ والعُمُومِ في جانِبِ الفاعِلِ فَتَأمَّلْ فَهَذا ما عِنْدِي ولَعَلَّ ما عِنْدَكَ خَيْرٌ مِنهُ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. (p-13)﴿وما يَشْعُرُونَ أيّانَ يُبْعَثُونَ﴾ أيْ مَتى يَنْشُرُونَ مِنَ القُبُورِ مَعَ كَوْنِهِ مِمّا لا بُدَّ لَهم مِنهُ، ومِن أهَمِّ الأُمُورِ عِنْدَهُمْ- فَأيّانَ- اسْمُ اسْتِفْهامٍ عَنِ الزَّمانِ، ولِذا قِيلَ: إنَّ أصْلَها أيَّ آنَ أيْ أيَّ زَمانٍ، وإنْ كانَ المَعْرُوفُ خِلافَهُ وهي مَعْمُولَةٌ لِيُبْعَثُونَ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ النَّصْبِ. بِيَشْعُرُونَ. وعُلِّقَتْ (يَشْعُرُونَ) لِمَكانِ الِاسْتِفْهامِ، وضَمِيرُ الجَمْعِ لِلْكَفَرَةِ وإنْ كانَ عَدَمُ الشُّعُورِ بِما ذَكَرَ عامًّا لِئَلّا يَلْزَمَ التَّفْكِيكَ بَيْنَهُ وبَيْنَ ما يُذْكَرُ بَعْدُ مِنَ الضَّمائِرِ الخاصَّةِ بِهِمْ قَطْعًا، وقِيلَ: الكُلُّ لِمَن وإسْنادُ خَواصِّ الكَفَرَةِ إلى الجَمِيعِ مِن قَبِيلِ بَنُو فُلانٍ فَعَلُوا كَذا والفاعِلُ بَعْضٌ مِنهُمْ، وفِيهِ بَحْثٌ. وقَرَأ السُّلَمِيُّ. «إيِّانَ». بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وهي لُغَةُ بَنِي سُلَيْمٍ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب