الباحث القرآني
﴿وصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ وهو بَيانٌ مِن جِهَتِهِ - عَزَّ وجَلَّ - لِما كانَ يَمْنَعُها مِن إظْهارِ ما ادَّعَتْ مِنَ الإسْلامِ إلى الآنِ، أيْ: صَدَّها عَنْ إظْهارِ ذَلِكَ يَوْمَ أُوتِيَتِ العِلْمَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ عِبادَتُها القَدِيمَةُ لِلشَّمْسِ، فَما مَصْدَرِيَّةٌ والمَصْدَرِ فاعِلُ (صَدَّ) وجُوِّزَ كَوْنُها مَوْصُولَةً واقِعَةً عَلى الشَّمْسِ وهي فاعِلٌ أيْضًا، والإسْنادُ مَجازِيٌّ عَلى الوَجْهَيْنِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّها كانَتْ مِن قَوْمٍ كافِرِينَ﴾ تَعْلِيلٌ لِسَبَبِيَّةِ عِبادَتِها المَذْكُورَةِ لِلصَّدِّ، أيْ: إنَّها كانَتْ مِن قَوْمٍ راسِخِينَ في الكُفْرِ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ قادِرَةً عَلى إظْهارِ إسْلامِها وهي بَيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ إلى أنْ حَضَرَتْ بَيْنَ يَدَيْ (p-208)سُلَيْمانَ، عَلَيْهِ السَّلامُ.
وقَرَأ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ «أنَّها» بِفَتْحِ الهَمْزَةِ عَلى تَقْدِيرِ لامِ التَّعْلِيلِ، أيْ: لِأنَّها، أوْ جُعِلَ المَصْدَرُ بَدَلًا مِن فاعِلِ (صَدَّ) بَدَلَ اشْتِمالٍ.
وقِيلَ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأُوتِينا﴾ .. إلَخْ مِن كَلامِ قَوْمِ سُلَيْمانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كَأنَّهم لَمّا سَمِعُوها أجابَتِ السُّؤالَ بِقَوْلِها: (كَأنَّهُ هُوَ) قالُوا: قَدْ أصابَتْ في جَوابِها، فَطَبَّقَتِ المُفَصَّلَ، وهي عاقِلَةٌ لَبِيبَةٌ، وقَدْ رُزِقَتِ الإسْلامَ، وعَلِمَتْ قُدْرَةَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - وصِحَّةَ النُّبُوَّةِ بِالآياتِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وبِهَذِهِ الآيَةِ العَجِيبَةِ مِن أمْرِ عَرْشِها، وعَطَفُوا عَلى ذَلِكَ قَوْلَهُمْ: وأُوتِينا العِلْمَ بِاللَّهِ تَعالى وبِقُدْرَتِهِ وبِصِحَّةِ ما جاءَ مِن عِنْدِهِ سُبْحانَهُ قَبْلَ عِلْمِها، ولَمْ نَزَلْ عَلى دِينِ الإسْلامِ، وكانَ هَذا مِنهم شُكْرًا لِلَّهِ تَعالى عَلى فَضْلِهِمْ عَلَيْها، وسَبْقِهِمْ إلى العِلْمِ بِاللَّهِ تَعالى والإسْلامِ قَبْلَها، ويُومِئُ إلى هَذا المَطْوِيِّ جَعْلُ عِلْمِهِمْ وإسْلامِهِمْ قَبْلَها، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وصَدَّها﴾ ... إلَخْ - عَلى هَذا - يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن تَتِمَّةِ كَلامِ القَوْمِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ابْتِداءَ أخْبارٍ مِن جِهَتِهِ، عَزَّ وجَلَّ.
وعَنْ مُجاهِدٍ، وزُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أنَّ (وأُوتِينا) مِن كَلامِ سُلَيْمانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وفي (وصَدَّها) ...إلَخْ - عَلَيْهِ أيْضًا - احْتِمالٌ، ولا يَخْفِي ما في جَعْلِ (وأُوتِينا) ... إلَخْ مِن كَلامِ القَوْمِ أوْ مِن كَلامِ سُلَيْمانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنَ البُعْدِ والتَّكَلُّفِ، ولَيْسَ في ذَلِكَ جِهَةُ حُسْنٍ سِوى اتِّساقِ الضَّمائِرِ المُؤَنَّثَةِ.
وقِيلَ: إنَّ (وأُوتِينا) ... إلَخْ مِن تَتِمَّةِ كَلامِها، وقَوْلَهُ تَعالى: (وصَدَّها) ... إلَخْ ابْتِداءُ إخْبارٍ مِن جِهَتِهِ تَعالى لِبَيانِ حُسْنِ حالِها وسَلامَةِ إسْلامِها عَنْ شَوْبِ الشِّرْكِ بِجَعْلِ فاعِلِ (صَدَّها) ضَمِيرَهُ - عَزَّ وجَلَّ - أوْ ضَمِيرَ سُلَيْمانَ، عَلَيْهِ السَّلامُ.
وما مَصْدَرِيَّةٌ أوْ مَوْصُولَةٌ قَبْلَها حَرْفُ جَرٍّ مُقَدَّرٌ، أيْ: صَدَّها اللَّهُ تَعالى أوْ سُلَيْمانُ عَنْ عِبادَتِها مَن دُونِ اللَّهِ، أوْ عَنِ الَّذِي تَعْبُدُهُ مَن دُونِهِ تَعالى، ونَقَلَ ذَلِكَ أبُو حَيّانَ عَنِ الطَّبَرِيِّ، وتَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وهو ضَعِيفٌ لا يَجُوزُ إلّا في الشِّعْرِ نَحْوُ قَوْلِهِ:
؎تَمُرُّونَ الدِّيارَ ولَمْ تَعُوجُوا
ولَيْسَ مِن مَواضِعِ حَذْفِ حَرْفِ الجَرِّ.
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ المَعْنى مَعَ هَذا مِمّا لا يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ، وأبْعَدَ بَعْضُهم كُلَّ البُعْدِ فَزَعَمَ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: (وصَدَّها) ... إلَخْ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿أتَهْتَدِي أمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ﴾ والواوُ فِيهِ لِلْحالِ، وقَدْ مُضْمَرَةٌ، وفي البَحْرِ أنَّهُ قَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ لِطُولِ الفَصْلِ بَيْنَها؛ ولِأنَّ التَّقْدِيمَ والتَّأْخِيرَ لا يُذْهَبُ إلَيْهِ إلّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
ولَعَمْرِي مَن أنْصَفَ رَأى أنَّ ما ذُكِرَ مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُخَرَّجَ عَلَيْهِ كَلامُ اللَّهِ تَعالى المَجِيدُ، وأنا أقُولُ - بَعْدَ القِيلِ والقالِ -: إنَّ وجْهَ رَبْطِ هَذِهِ الجُمَلِ مِمّا يَحْتاجُ إلى تَدْقِيقِ النَّظَرِ، فَلْيُتَأمَّلْ، واللَّهُ تَعالى المُوَفِّقُ.
{"ayah":"وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمࣲ كَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق