الباحث القرآني

َقَوْلُهُ تَعالى: ﴿اذْهَبْ بِكِتابِي هَذا فَألْقِهْ إلَيْهِمْ﴾ اسْتِئْنافٌ مُبَيِّنٌ لِكَيْفِيَّةِ النَّظَرِ الَّذِي وعَدَهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بَعْدَما كَتَبَ كِتابَهُ في ذَلِكَ المَجْلِسِ أوْ بَعْدَهُ. فَهَذا إشارَةٌ إلى الحاضِرِ، وتَخْصِيصُهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إيّاهُ بِالرِّسالَةِ دُونَ سائِرِ ما تَحْتَ مِلْكِهِ مِن أُمَناءِ الجِنِّ الأقْوِياءِ عَلى التَّصَرُّفِ والتَّعَرُّفِ؛ لِما عايَنَ فِيهِ مِن مَخايِلِ العِلْمِ والحِكْمَةِ، ولِئَلّا يَبْقى لَهُ عُذْرٌ أصْلًا، وفي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى جَوازِ إرْسالِ الكُتُبِ إلى المُشْرِكِينَ مِنَ الإمامِ لِإبْلاغِ الدَّعْوَةِ والدُّعاءِ إلى الإسْلامِ، وقَدْ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - إلى كِسْرى وقَيْصَرَ وغَيْرِهِما مِن مُلُوكِ العَرَبِ. وقُرِئَ في السَّبْعَةِ «فَألْقِهْ» بِكَسْرِ الهاءِ وياءٍ بَعْدَها، وبِاخْتِلاسِ الكَسْرَةِ وبِسُكُونِ الهاءِ، وقَرَأ مُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ بِضَمِّ الهاءِ وواوٍ بَعْدَها. ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أيْ: تَنَحَّ، وحُمِلَ عَلى ذَلِكَ لِأنَّ التَّوَلِّيَ بِالكُلِّيَّةِ يُنافِي قَوْلَهُ: ﴿فانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ﴾ إلّا أنْ يُحْمَلَ عَلى القَلْبِ - كَما زَعَمَ ابْنُ زَيْدٍ وأبُو عَلِيٍّ - وهو غَيْرُ مُناسِبٍ. وأمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إيّاهُ بِالتَّنَحِّي مِن بابِ تَعْلِيمِ الأدَبِ مَعَ المُلُوكِ، كَما رُوِيَ عَنْ وهْبٍ. والنَّظَرُ بِمَعْنى التَّأمُّلِ والتَّفَكُّرِ، وماذا إمّا كَلِمَةُ اسْتِفْهامٍ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ لِـ(يَرْجِعُونَ) ورَجَعَ تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً كَما تَكُونُ لازِمَةً، أوْ مُبْتَدَأٌ وجُمْلَةُ (يَرْجِعُونَ) خَبَرُهُ. وإمّا أنْ تَكُونَ (ما) اسْتِفْهامِيَّةً مُبْتَدَأً، وذا اسْمٌ مَوْصُولٌ - بِمَعْنى الَّذِي – خَبَرُهُ، وجُمْلَةُ (يَرْجِعُونَ) صِلَةُ المَوْصُولِ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ. وأيًّا ما كانَ فالجُمْلَةُ مُعَلَّقٌ عَنْها فِعْلُ القَلْبِ، فَمَحَلُّها النَّصْبُ عَلى إسْقاطِ الخافِضِ، وقِيلَ: النَّظَرُ بِمَعْنى الِانْتِظارِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ﴾ فَلا تَعْلِيقَ، بَلْ كَلِمَةُ (ماذا) مَوْصُولٌ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ كَذا قِيلَ، والظّاهِرُ أنَّهُ بِمَعْنى التَّأمُّلِ، وأنَّ المُرادَ: فَتَأمَّلْ وتَعَرَّفْ ماذا يَرُدُّ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ مِنَ القَوْلِ. وهَذا ظاهِرٌ في أنَّ اللَّهَ تَعالى أعْطى الهُدْهُدَ قُوَّةً يَفْهَمُ بِها ما يَسْمَعُهُ مِن (p-194)كَلامِهِمْ، والتَّعْبِيرُ بِالإلْقاءِ لِأنَّ تَبْلِيغَهُ لا يُمْكِنُ بِدُونِهِ، وجُمِعَ الضَّمِيرُ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ تَبْلِيغُ ما فِيهِ لِجَمِيعِ القَوْمِ، والكَشْفُ عَنْ حالِهِمْ بَعْدَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب