الباحث القرآني

ثُمَّ مَضى سُلَيْمانُ حَتّى أتى عَلى وادِي النَّمْلِ، ولا يَظْهَرُ الجَمْعُ بَيْنَ الخِبْرَيْنِ. ولَعَلَّ المِقْدارَ الَّذِي يَصِحُّ مِنَ الأخْبارِ أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَمّا تَمَّ لَهُ بِناءُ بَيْتِ المَقْدِسِ حَجَّ وأكْثَرَ مِن تَقْرِيبِ القَرابِينِ، وبَشَّرَ بِالنَّبِيِّ ﷺ وقَصَدَ اليَمَنَ، وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَلَمْ يَرَ الهُدْهُدَ فَتَوَعَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا﴾ قِيلَ: بِنَتْفِ رِيشِهِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ وابْنِ جُرَيْجٍ. والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ جَمِيعُ رِيشِهِ، وقالَ يَزِيدُ بْنُ رُومانَ: بِنَتْفِ رِيشِ جَناحَيْهِ، وقالَ ابْنُ وهْبٍ: بِنَتْفِ نِصْفِ رِيشِهِ. وزادَ بَعْضُهم مَعَ النَّتْفِ إلْقاءَهُ لِلنَّمْلِ، وآخَرُ: تَرْكَهُ في الشَّمْسِ، وقِيلَ: ذَلِكَ بِطَلْيِهِ بِالقَطِرانِ وتَشْمِيسِهِ، وقِيلَ: بِحَبْسِهِ في القَفَصِ، وقِيلَ: بِجَمْعِهِ مَعَ غَيْرِ جِنْسِهِ، وقِيلَ: بِإبْعادِهِ مِن خِدْمَةِ سُلَيْمانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ – وقِيلَ: بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وبَيْنَ إلْفِهِ، وقِيلَ: بِإلْزامِهِ خِدْمَةَ أقْرانِهِ. وفِي البَحْرِ: الأجْوَدُ أنْ يُجْعَلَ كُلٌّ مِنَ الأقْوالِ مِن بابِ التَّمْثِيلِ، وهَذا التَّعْذِيبُ لِلتَّأْدِيبِ، ويَجُوزُ أنْ يُبِيحَ اللَّهُ تَعالى لَهُ ذَلِكَ لِما رَأى فِيهِ مِنَ المَصْلَحَةِ والمَنفَعَةِ، كَما أباحَ سُبْحانَهُ (p-184)ذَبْحَ البَهائِمِ والطُّيُورِ لِلْأكْلِ وغَيْرِهِ مِنَ المَنافِعِ، وإذا سُخِّرَ لَهُ الطَّيْرُ ولَمْ يُتِمَّ ما سُخِّرَ مِن أجْلِهِ إلّا بِالتَّأْدِيبِ والسِّياسَةِ جازَ أنْ يُباحَ لَهُ ما يَسْتَصْلِحُ بِهِ. وفِي الإكْلِيلِ لِلْجَلالِ السُّيُوطِيِّ: قَدْ يُسْتَدَلُّ بِالآيَةِ عَلى جَوازِ تَأْدِيبِ الحَيَواناتِ والبَهائِمِ بِالضَّرْبِ عِنْدَ تَقْصِيرِها في المَشْيِ أوْ إسْراعِها أوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وعَلى جَوازِ نَتْفِ رِيشِ الحَيَوانِ لِمَصْلَحَةِ؛ بِناءً عَلى أنَّ المُرادَ بِالتَّعْذِيبِ المَذْكُورِ نَتْفُ رِيشِهِ. وذُكِرَ فِيهِ أنَّ ابْنَ العَرَبِيِّ اسْتَدَلَّ بِها عَلى أنَّ العَذابَ عَلى قَدْرِ الذَّنْبِ لا عَلى قَدْرِ الجَسَدِ، وعَلى أنَّ الطَّيْرَ كانُوا مُكَلَّفِينَ إذْ لا يُعاقَبُ عَلى تَرْكِ فِعْلٍ إلّا مَن كُلِّفَ بِهِ، اهـ، فَلا تَغْفُلْ. ﴿أوْ لأذْبَحَنَّهُ﴾ كالتَّرَقِّي مِنَ الشَّدِيدِ إلى الأشَدِّ؛ فَإنَّ في الذَّبْحِ تَجْرِيعُ كَأْسِ المَنِيَّةِ. وقَدْ قِيلَ: كُلُّ شَيْءٍ دُونَ المَنِيَّةِ سَهْلٌ ﴿أوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ أيْ: بِحُجَّةٍ تَبَيِّنُ عُذْرَهُ في غَيْبَتِهِ، وما ألْطَفَ التَّعْبِيرَ بِالسُّلْطانِ دُونَ الحُجَّةِ هُنا؛ لِما أنَّ ما أتى بِهِ مِنَ العُذْرِ انْجَرَّ إلى الإتْيانِ بِبِلْقِيسَ وهي سُلْطانٌ، ثُمَّ إنَّ هَذا الشِّقَّ - وإنْ قُرِنَ بِحَرْفِ القَسَمِ - لَيْسَ مُقْسَمًا عَلَيْهِ في الحَقِيقَةِ، وإنَّما المُقْسَمُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً الأوَّلانِ، وأُدْخِلَ هَذا في سِلْكِهِما لِلتَّقابُلِ. وهَذا - كَما في الكَشْفِ - نَوْعٌ مِنَ التَّغْلِيبِ لَطِيفُ المَسْلَكِ، ومَآلُ كَلامِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: لَيَكُونَنَّ أحَدُ الأُمُورِ، عَلى مَعْنى: إنْ كانَ الإتْيانُ بِالسُّلْطانِ لَمْ يَكُنْ تَعْذِيبٌ ولا ذَبْحٌ، وإنْ لَمْ يَكُنْ كانَ أحَدُهُما، فَـ(أوْ) في المَوْضِعَيْنِ لِلتَّرْدِيدِ، وقِيلَ: هي في الأوَّلِ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّعْذِيبِ والذَّبْحِ، وفي الثّانِي لِلتَّرْدِيدِ بَيْنَهُما وبَيْنَ الإتْيانِ بِالسُّلْطانِ، وهو كَما تَرى. وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّها في الأوَّلِ لِلتَّخْيِيرِ وفي الثّانِي بِمَعْنى إلّا، وفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ لامِ القَسَمِ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ الأُمُورُ الثَّلاثَةُ مُقْسَمًا عَلَيْها حَقِيقَةً، وصَحَّ قَسَمُهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلى الإتْيانِ المَذْكُورِ لِعِلْمِهِ بِالوَحْيِ أنَّهُ سَيَكُونُ، أوْ غَلَبَةِ ظَنِّهِ بِذَلِكَ لِأمْرٍ قامَ عِنْدَهُ يُفِيدُها، وإلّا فالقَسَمُ عَلى فِعْلِ الغَيْرِ في المُسْتَقْبَلِ مِن دُونِ عِلْمٍ أوْ غَلَبَةِ ظَنٍّ بِهِ لا يَكادُ يَسُوغُ في شَرِيعَةٍ مِنَ الشَّرائِعِ. وتُعُقِّبَ بِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِينَ﴾ يُنافِي حُصُولَ العِلْمِ وما حَكاهُ لَهُ، ودَفْعُ المُنافاةِ بِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَأْتِيَ بِحُجَّةٍ لا يَعْلَمُ سُلَيْمانُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ولا يَظُنُّ صِدْقَها وكَذِبَها غَيْرُ سَدِيدٍ؛ إذْ قَوْلُهُ: (مُبِينٍ) يَأْباهُ، وبِالجُمْلَةِ الوَجْهُ ما ذُكِرَ أوَّلًا، فَتَأمَّلْ. وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ: (لَيَأْتِيَنَّ) بِنُونٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ بِغَيْرِ ياءٍ، وكُتِبَ في الإمامِ «لا أذْبَحُهُ» بِزِيادَةِ ألِفٍ بَيْنَ الذّالِ والألِفِ المُتَّصِلَةِ بِاللّامِ، ولا يُعْلَمُ وجْهُهُ كَأكْثَرِ ما جاءَ فِيهِ مِمّا يُخالِفُ الرَّسْمَ المَعْرُوفَ، وقِيلَ: هو لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ الذَّبْحَ لَمْ يَقَعْ. وقالَ ابْنُ خَلْدُونَ في مُقَدِّمَةِ تارِيخِهِ: إنَّ الكِتابَةَ العَرَبِيَّةَ كانَتْ في غايَةِ الإتْقانِ والجَوْدَةِ في حِمْيَرَ، ومِنهم تَعَلَّمَها مُضَرُ، إلّا أنَّهم لَمْ يَكُونُوا مُجِيدِينَ لِبُعْدِهِمْ عَنِ الحَضارَةِ، وكانَ الخَطُّ العَرَبِيُّ أوَّلَ الإسْلامِ غَيْرَ بالِغٍ إلى الغايَةِ مِنَ الإتْقانِ والجَوْدَةِ وإلى التَّوَسُّطِ لِمَكانِ العَرَبِ مِنَ البَداوَةِ والتَّوَحُّشِ، وبُعْدِهِمْ عَنِ الصَّنائِعِ، وما وقَعَ في رَسْمِ المُصْحَفِ مِنَ الصَّحابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم - مِنَ الرُّسُومِ المُخالِفَةِ لِما اقْتَضَتْهُ أقْيِسَةُ رُسُومِ الخَطِّ وصِناعَتُهُ عِنْدَ أهْلِها كَزِيادَةِ الألِفِ في «لا أذْبَحَنَّهُ» مِن قِلَّةِ الإجادَةِ لِصَنْعَةِ الخَطِّ، واقْتِفاءُ السَّلَفِ رَسْمَهم ذَلِكَ مِن بابِ التَّبَرُّكِ. وتَوْجِيهُ بَعْضِ المُغَفَّلِينَ تِلْكَ المُخالَفَةَ بِما وجَّهَهُ بِها لَيْسَ بِصَحِيحٍ، والدّاعِي لَهُ إلى ذَلِكَ تَنْزِيهُ الصَّحابَةِ عَنِ النَّقْصِ لِما زَعَمَ أنَّ الخَطَّ كَمالٌ، ولَمْ يَتَفَطَّنْ لِأنَّ الخَطَّ مِن جُمْلَةِ الصَّنائِعِ المَدَنِيَّةِ المَعاشِيَّةِ، وذَلِكَ لَيْسَ بِكَمالٍ في حَقِّهِمْ؛ إذِ الكَمالُ في الصَّنائِعِ إضافِيٌّ، ولَيْسَ بِكَمالٍ مُطْلَقٍ؛ إذْ لا يَعُودُ نَقْصُهُ عَلى الذّاتِ في الدِّينِ ونَحْوِهِ، وإنَّما يَعُودُ عَلى أسْبابِ المَعاشِ. وقَدْ كانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ – أُمِّيًّا، وكانَ ذَلِكَ كَمالًا في حَقِّهِ وبِالنِّسْبَةِ إلى مَقامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - ومِثْلُ الأُمِّيَّةِ تَنَزُّهُهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - عَنِ الصَّنائِعِ العَمَلِيَّةِ الَّتِي هي أسْبابُ المَعاشِ والعُمْرانِ، ولا يُعَدُّ (p-185)ذَلِكَ كَمالًا في حَقِّنا؛ إذْ هو ﷺ مُنْقَطِعٌ إلى رَبِّهِ - عَزَّ وجَلَّ - ونَحْنُ مُتَعاوِنُونَ عَلى الحَياةِ الدُّنْيا، ومِن هُنا قالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: ««أنْتُمْ أعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْياكُمُ»» انْتَهى مُلَخَّصًا. وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ كَوْنَ زِيادَةِ الألِفِ في «لا أذْبَحَنَّهُ» لِقِلَّةِ إجادَتِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم - صَنْعَةَ الكِتابَةِ في غايَةِ البُعْدِ، وتَعْلِيلُ ذَلِكَ بِما تَقَدَّمَ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلى عَدَمِ وُقُوعِ الذَّبْحِ كَذَلِكَ، وإلّا لَزادُوها في (لَأُعَذِّبَنَّهُ) لِأنَّ التَّعْذِيبَ لَمْ يَقَعْ أيْضًا. وما أشارَ إلَيْهِ مِن أنَّ الإجادَةَ في الخَطِّ لَيْسَ بِكَمالٍ في حَقِّهِمْ - إنْ أرادَ بِهِ أنْ تَحْسِينَ الخَطِّ وإخْراجَهُ عَلى صُوَرٍ مُتَناسِبَةٍ يَسْتَحْسِنُها النّاظِرُ، وتَمِيلُ إلَيْها النُّفُوسُ كَسائِرِ النُّقُوشِ المُسْتَحْسَنَةِ لَيْسَ بِكَمالٍ في حَقِّهِمْ ولا يَضُرُّ بِشَأْنِهِمْ فَقْدُهُ – فَمُسَلَّمٌ، لَكِنْ هَذا شَيْءٌ وما نَحْنُ فِيهِ شَيْءٌ، وإنْ أرادَ بِهِ أنَّ الإتْيانَ بِالخَطِّ عَلى وجْهِهِ المَعْرُوفِ عِنْدَ أهْلِهِ مِن وصْلِ ما يَصِلُونَهُ، وفَصْلِ ما يَفْصِلُونَهُ، ورَسْمِ ما يَرْسُمُونَهُ، وتَرْكِ ما يَتْرُكُونَهُ لَيْسَ بِكَمالٍ - فَهَذا مَحَلُّ بَحْثٍ، ألا تَرى أنَّهُ لا يُعْتَرَضُ عَلى العالِمِ بِقُبْحِ الخَطِّ وخُرُوجِهِ عَنِ الصُّوَرِ الحَسَنَةِ والهَيْئاتِ المُسْتَحْسَنَةِ، ويُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِوَصْلِ ما يُفْصَلُ وفَصْلِ ما يُوصَلُ، ورَسْمِ ما لا يُرْسَمُ وعَدَمِ رَسْمِ ما يُرْسَمُ، ونَحْوِ ذَلِكَ، إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِنُكْتَةٍ. والظّاهِرُ أنَّ الصَّحابَةَ الَّذِينَ كَتَبُوا القُرْآنَ كانُوا مُتْقِنِينَ رَسْمَ الخَطِّ، عارِفِينَ ما يَقْتَضِي أنْ يُكْتَبَ وما يَقْتَضِي أنْ لا يُكْتَبَ، وما يَقْتَضِي أنْ يُوصَلَ وما يَقْتَضِي أنْ لا يُوصَلَ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنْ خالَفُوا القَواعِدَ في بَعْضِ المَواضِعِ لِحِكْمَةٍ، ويُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِما أخْرَجَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ في كِتابِهِ التَّكْمِلَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرُّوخَ قالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبّاسٍ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أخْبِرُونِي، عَنْ هَذا الكِتابِ العَرَبِيِّ هَلْ كُنْتُمْ تَكْتُبُونَهُ قَبْلَ أنْ يَبْعَثَ اللَّهُ تَعالى مُحَمَّدًا ﷺ تَجْمَعُونَ مِنهُ ما اجْتَمَعَ، وتُفَرِّقُونَ مِنهُ ما افْتَرَقَ، مِثْلَ الألِفِ واللّامِ والنُّونِ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: ومِمَّنْ أخَذْتُمُوهُ؟ قالَ: مِن حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، قُلْتُ: ومِمَّنْ أخَذَهُ حَرْبٌ؟ قالَ: مِن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعانَ، قُلْتُ: ومِمَّنْ أخَذَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعانَ؟ قالَ: مِن أهْلِ الأنْبارِ، قُلْتُ: ومِمَّنْ أخَذَهُ أهْلُ الأنْبارِ؟ قالَ: مِن طارٍ طَرَأ عَلَيْهِمْ مِن أهْلِ اليَمَنِ، قُلْتُ: ومِمَّنْ أخَذَ ذَلِكَ الطّارِئُ؟ قالَ: مِنَ الخَلَجانِ بْنِ القَسْمِ كاتِبِ الوَحْيِ لِهُودٍ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وهو الَّذِي يَقُولُ: ؎فِي كُلِّ عامٍ سُنَّةٌ تُحْدِثُونَها ورَأْيٌ عَلى غَيْرِ الطَّرِيقِ يُعْبَرُ ؎ولَلْمَوْتُ خَيْرٌ مِن حَياةٍ تَسُبُّنا ∗∗∗ بِها جُرْهَمُ فِيمَن يُسَبُّ وحَمِيرُ انْتَهى. وفِي كِتابِ مُحاصَرَةِ الأوائِلِ ومُسامَرَةِ الأواخِرِ أنَّ أوَّلَ مَنِ اشْتُهِرَ بِالكِتابَةِ في الإسْلامِ مِنَ الصَّحابَةِ أبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثْمانُ، وعَلِيٌّ، وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم - والظّاهِرُ أنَّهم لَمْ يَشْتَهِرُوا في ذَلِكَ إلّا لِإصابَتِهِمْ فِيها. والقَوْلُ بِأنَّ هَؤُلاءِ الأجِلَّةَ وسائِرَ الصَّحابَةِ لَمْ يَعْرِفُوا مُخالَفَةَ رَسْمِ الألِفِ هُنا لِما يَقْتَضِيهِ قَوانِينُ أهْلِ الخَطِّ وكَذا سائِرُ ما وقَعَ مِنَ المُخالَفَةِ - مِمّا لا يُقْدِمُ عَلَيْهِ مِن لَهُ أدْنى أدَبٍ وإنْصافِ. ومِثْلُ هَذا القَوْلُ بِأنَّهُ يُحْتَمَلُ أنَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ مَن عَرَفَ مِنهم إلّا أنَّهُ تَرَكَ تَغْيِيرَهُ إلى المُوافِقِ لِلْقَوانِينِ أوْ وافَقَهُ عَلى الغَلَطِ لِلتَّبَرُّكِ، ومِنَ النّاسِ مَن جَوَّزَ أنْ يَكُونَ ما وقَعَ مِنَ الصَّحابَةِ مِنَ الرَّسْمِ المُخالِفِ بِسَبَبِ قِلَّةِ مَهارَةِ مَن أخَذُوا عَنْهُ صَنْعَةَ الخَطِّ، فَيَكُونُ هو الَّذِي خالَفَ في مِثْلِ ذَلِكَ، ولَمْ يَعْلَمُوا أنَّهُ خالَفَ، فالقُصُورُ - إنْ كانَ - مِمَّنْ أخَذُوا عَنْهُ، وأمّا هم فَلا قُصُورَ فِيهِمْ؛ إذْ لَمْ يُخِلُّوا بِالقَواعِدِ الَّتِي أخَذُوها، وإخْلالُهم بِقَواعِدَ لَمْ تَصِلْ إلَيْهِمْ ولَمْ يَعْلَمُوا بِها (p-186)لا يُعَدُّ قُصُورًا، وهَذا قَرِيبٌ مِمّا تَقَدَّمَ، إلّا أنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ما فِيهِ مِنَ البَشاعَةِ، ثُمَّ إنَّ الإنْصافَ بَعْدَ كُلِّ كَلامٍ يَقْتَضِي الإقْرارَ بِقُوَّةِ دَعْوى أنَّ المُخالَفَةَ لِضَعْفِ صِناعَةِ الكِتابَةِ؛ إذْ ذاكَ - إنْ صَحَّ أنَّها وقَعَتْ أيْضًا - في غَيْرِ الإمامِ مِنَ المُكاتَباتِ وغَيْرِها، ولَعَلَّهُ لَمْ يَصِحَّ وإلّا لَنُقِلَ، فَتَأمَّلْ، واللَّهُ تَعالى يَتَوَلّى هُداكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب