الباحث القرآني

﴿وإنَّهم لَنا لَغائِظُونَ﴾ لَفاعِلُونَ ما يَغِيظُنا مِن مُخالَفَةِ أمْرِنا، والخُرُوجِ بِغَيْرِ إذْنِنا، مَعَ ما عِنْدَهم مِن أمْوالِنا المُسْتَعارَةِ. فَقَدْ رُوِيَ أنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَهم أنْ يَسْتَعِيرُوا الحُلِيَّ مِنَ القِبْطِ فاسْتَعارُوهُ وخَرَجُوا بِهِ، وتَقْدِيمُ (لَنا) لِلْحَصْرِ والفاصِلَةِ، واللّامُ لِلتَّقْوِيَةِ أوْ تَنْزِيلِ المُتَعَدِّي مَنزِلَةَ اللّازِمِ ﴿وإنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ﴾ أيْ: إنّا لَجَمْعٌ مِن عاداتِنا الحَذَرُ والِاحْتِرازُ، واسْتِعْمالُ الحَزْمِ في الأُمُورِ، أشارَ أوَّلًا إلى عَدَمِ ما يَمْنَعُ اتِّباعَهم مِن شَوْكَتِهِمْ، ثُمَّ إلى تَحْقِيقِ ما يَدْعُو إلَيْهِ مِن فَرْطِ عَداوَتِهِمْ، ووُجُوبِ التَّيَقُّظِ في شَأْنِهِمْ؛ حَثًّا عَلَيْهِ أوِ اعْتِذارًا بِذَلِكَ إلى أهْلِ المَدائِنِ؛ كَيْلا يُظَنَّ بِهِ - عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ - ما يَكْسِرُ سُلْطانَهُ. وقَرَأ جَمْعٌ مِنَ السَّبْعَةِ وغَيْرُهم «حَذِرُونَ» بِغَيْرِ ألِفٍ، وفُرِّقَ بَيْنَ (حاذِرٍ) بِالألِفِ و(حَذِرٍ) بِدُونِها بِأنَّ الأوَّلَ اسْمُ فاعِلٍ يُفِيدُ التَّجَدُّدَ والحُدُوثَ، والثّانِيَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ تُفِيدُ الثَّباتَ، وقَرِيبٌ مِنهُ ما رُوِيَ عَنِ الفَرّاءِ والكِسائِيِّ أنَّ الحَذِرَ مَن كانَ الحَذَرُ في خِلْقَتِهِ فَهو مُتَيَقِّظٌ مُنْتَبِهٌ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هُما بِمَعْنًى واحِدٍ، وذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إلى أنَّ حَذِرًا يَكُونُ لِلْمُبالَغَةِ وأنَّهُ يَعْمَلُ كَما يَعْمَلُ حاذِرٌ فَيَنْصِبُ المَفْعُولَ بِهِ، وأنْشَدَ: ؎حَذِرٌ أُمُورًا لا تَضِيرُ وآمِنٌ ما لَيْسَ مُنْجِيهِ مِنَ الأقْدارِ وقَدْ نُوزِعَ في ذَلِكَ بِما هو مَذْكُورٌ في كُتُبِ النَّحْوِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ جُبَيْرٍ، والضَّحّاكِ وغَيْرِهِمْ أنَّ الحاذِرَ التّامُّ السِّلاحِ، وفَسَّرُوا ما في الآيَةِ بِذَلِكَ، وكَأنَّهُ بِمَعْنى صاحِبِ حَذَرٍ، وهي آلَةُ الحَرْبِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مَجازًا، وحُمِلَ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ . وقَرَأ سَمِيطُ بْنُ عَجْلانَ، وابْنُ أبِي عَمّارٍ، وابْنُ السَّمَيْقَعِ: «حادِرُونَ» بِالألِفِ والدّالِ المُهْمَلَةِ، مِن قَوْلِهِمْ: عَيْنٌ حَدْرَةٌ أيْ: عَظِيمَةٌ، وفُلانٌ حادِرٌ أيْ: مُتَوَرِّمٌ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والمَعْنى مُمْتَلِئُونَ غَيْظًا وأنَفَةً، وقالَ ابْنُ خالَوَيْهِ: الحادِرُ السَّمِينُ القَوِيُّ الشَّدِيدُ، والمَعْنى: أقْوِياءُ أشِدّاءُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎أحَبَّ الصَّبِيُّ السُّوءَ مِن أجْلِ أُمِّهِ ∗∗∗ وأبْغَضَهُ مَن بَغَضَها وهو حادِرُ وقِيلَ: المَعْنى: تامُّو السِّلاحِ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ - أيْضًا - أخْذًا مِنَ الحَدارَةِ بِمَعْنى الجَسامَةِ والقُوَّةِ، فَإنَّ تامَّ السِّلاحِ يَتَقَوّى بِهِ كَما يَتَقَوّى بِأعْضائِهِ، و(جَمِيعٌ) عَلى جَمِيعِ القِراءاتِ والمَعانِي بِمَعْنى الجَمْعِ، ولَيْسَتِ الَّتِي يُؤَكَّدُ بِها كَما أشَرْنا إلَيْهِ، ولَوْ كانَتْ هَذِهِ المُؤَكِّدَةَ لَنُصِبَتْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب