الباحث القرآني
﴿الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ﴾ أيْ: إلى الصَّلاةِ ﴿وتَقَلُّبَكَ﴾ أيْ: ويَرى سُبْحانَهُ تَغَيُّرَكَ مِن حالٍ كالجُلُوسِ والسُّجُودِ إلى آخَرَ كالقِيامِ ﴿فِي السّاجِدِينَ﴾ أيْ: فِيما بَيْنَ المُصَلِّينَ إذا أمِمْتَهُمْ، وعُبِّرَ عَنْهم بِالسّاجِدِينَ؛ لِأنَّ السُّجُودَ حالَةُ مَزِيدِ قُرْبِ العَبْدِ مِن رَبِّهِ - عَزَّ وجَلَّ - وهو أفْضَلُ الأرْكانِ عَلى ما نَصَّ عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنَ الأئِمَّةِ، وتَفْسِيرُ هَذِهِ الجُمْلَةِ بِما ذُكِرَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وجَماعَةٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ، إلّا أنَّ مِنهم مَن قالَ: المُرادُ: حِينَ تَقُومُ إلى الصَّلاةِ بِالنّاسِ جَماعَةً، وقِيلَ: المَعْنى: يَراكَ حِينَ تَقُومُ لِلتَّهَجُّدِ ويَرى تَقَلُّبَكَ، أيْ: ذَهابَكَ ومَجِيئَكَ فِيما بَيْنَ المُتَهَجِّدِينَ لِتَتَصَفَّحَ أحْوالَهُمْ، وتَطَّلِعَ عَلَيْهِمْ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، وتَسْتَبْطِنَ سَرائِرَهم وكَيْفَ يَعْمَلُونَ لِآخِرَتِهِمْ، كَما رُوِيَ أنَّهُ لَمّا نُسِخَ فَرْضُ قِيامِ اللَّيْلِ طافَ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِبُيُوتِ أصْحابِهِ لِيَنْظُرَ ما يَصْنَعُونَ؛ حِرْصًا عَلى كَثْرَةِ طاعاتِهِمْ فَوَجَدَها كَبُيُوتِ النَّحْلِ لِما سَمِعَ لَها مِن دَنْدَنَتِهِمْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعالى والتِّلاوَةِ.
وعَنْ مُجاهِدٍ أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وتَقَلُّبَكَ في السّاجِدِينَ﴾ تَقَلُّبُ بَصَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - فِيمَن يُصَلِّي خَلْفَهُ، فَإنَّهُ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - كانَ يَرى مِن خَلْفِهِ، فَفي صَحِيحِ البُخارِيِّ عَنْ أنَسٍ قالَ: ««أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَأقْبَلَ عَلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بِوَجْهِهِ فَقالَ: أقِيمُوا صُفُوفَكم وتَراصُّوا؛ فَإنِّي أراكم مِن وراءِ ظَهْرِي»».
وفِي رِوايَةِ أبِي داوُدَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ «أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - كانَ يَقُولُ: «اسْتَوُوا اسْتَوُوا اسْتَوُوا، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأراكم مِن خَلْفِي كَما أراكم مِن بَيْنِ يَدَيَّ»» ولا يَخْفى بُعْدُ حَمْلِ ما في الآيَةِ عَلى ما ذُكِرَ.
وقِيلَ: المُرادُ بِالسّاجِدِينَ المُؤْمِنُونَ، والمَعْنى: يَراكَ حِينَ تَقُومُ لِأداءِ الرِّسالَةِ ويَرى تَقَلُّبَكَ وتَرَدُّدَكَ فِيما بَيْنَ المُؤْمِنِينَ أوْ مَعَهم فِيما فِيهِ إعْلانُ أمْرِ اللَّهِ تَعالى وإعْلاءُ كَلِمَتِهِ سُبْحانَهُ.
وتَفْسِيرُ السّاجِدِينَ بِالمُؤْمِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ، إلّا أنَّ كَوْنَ المَعْنى ما ذُكِرَ لا يَخْلُو عَنْ خَفاءٍ.
وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ أنَّ المُرادَ بِهِمُ الأنْبِياءُ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ – والمَعْنى: ويَرى تَقَلُّبَكَ كَما يَتَقَلَّبُ غَيْرُكَ مِنَ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - في تَبْلِيغِ ما أُمِرُوا بِتَبْلِيغِهِ وهو كَما تَرى، وتَفْسِيرُ السّاجِدِينَ بِالأنْبِياءِ رَواهُ جَماعَةٌ مِنهُمُ الطَّبَرانِيُّ والبَزّارُ وأبُو نُعَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا، إلّا أنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - فَسَّرَ التَّقَلُّبَ فِيهِمْ بِالتَّنَقُّلِ في أصْلابِهِمْ حَتّى ولَدَتْهُ أُمُّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - وجُوِّزَ - عَلى حَمْلِ التَّقَلُّبِ عَلى التَّنَقُّلِ في الأصْلابِ - أنْ يُرادَ بِالسّاجِدِينَ (p-138)المُؤْمِنُونَ، واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى إيمانِ أبَوَيْهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - كَما ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِن أجِلَّةِ أهْلِ السُّنَّةِ، وأنا أخْشى الكُفْرَ عَلى مَن يَقُولُ فِيهِما - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - عَلى رَغْمِ أنْفٍ عَلى القارِئِ وأضْرابِهِ - بِضِدِّ ذَلِكَ، إلّا أنِّي لا أقُولُ بِحُجِّيَّةِ الآيَةِ عَلى هَذا المَطْلَبِ.
ورُؤْيَةُ اللَّهِ تَعالى انْكِشافٌ لائِقٌ بِشَأْنِهِ - عَزَّ شَأْنُهُ - غَيْرُ الِانْكِشافِ العِلْمِيِّ، ويَتَعَلَّقُ بِالمَوْجُودِ والمَعْدُومِ الخارِجِيِّ عِنْدَ العارِفِينَ، وقالُوا: إنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعالى لِلْمَعْدُومِ نَظِيرُ رُؤْيَةِ الشَّخْصِ القِيامَةَ ونَحْوَها في المَنامِ، وكَثِيرٌ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ أنْكَرُوا تَعَلُّقَها بِالمَعْدُومِ، ومِنهم مَن أرْجَعَها إلى صِفَةِ العِلْمِ، وتَحْقِيقُ ذَلِكَ في مَحَلِّهِ، وفي وصْفِهِ تَعالى بِرُؤْيَتِهِ حالَهُ ﷺ الَّتِي بِها يَسْتَأْهِلُ وِلايَتَهُ - بَعْدَ وصْفِهِ بِما تَقَدَّمَ - تَحْقِيقٌ لِلتَّوَكُّلِ، وتَوْطِينٌ لِقَلْبِهِ الشَّرِيفِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - عَلَيْهِ.
وقَرَأ جَناحُ بْنُ حُبَيْشٍ: (ويُقَلِّبُكَ) مُضارِعُ (قَلَّبَ) مُشَدَّدًا، وخَرَّجَ ذَلِكَ أبُو حَيّانَ عَلى العَطْفِ عَلى (يَراكَ) وجُوِّزَ العَطْفُ عَلى (تَقُومُ ) وفي الكَلامِ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ إشارَةٌ إلى وُقُوعِ تَقَلُّبِهِ ﷺ في السّاجِدِينَ عَلى وجْهِ الكَمالِ، وكَمالُ التَّقَلُّبِ في الصَّلاةِ كَوْنُهُ بِخُشُوعٍ يَغْفُلُ مَعَهُ عَمّا سِوى اللَّهِ تَعالى
{"ayahs_start":218,"ayahs":["ٱلَّذِی یَرَىٰكَ حِینَ تَقُومُ","وَتَقَلُّبَكَ فِی ٱلسَّـٰجِدِینَ"],"ayah":"وَتَقَلُّبَكَ فِی ٱلسَّـٰجِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











