الباحث القرآني
﴿فَيَأْتِيَهُمْ﴾ أيِ: العَذابُ ﴿بَغْتَةً﴾ أيْ: فَجْأةً ﴿وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ أيْ: بِإتْيانِهِ ﴿فَيَقُولُوا﴾ - أيْ تَحَسُّرًا عَلى ما فاتَ مِنَ الإيمانِ، وتَمَنِّيًا لِلْإمْهالِ لِتَلافِي ما فَرَطُوهُ -: ﴿هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾ أيْ مُؤَخَّرُونَ، والفاءُ في المَوْضِعَيْنِ عاطِفَةٌ، وهي - كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلامُ الكَشّافِ - لِلتَّعْقِيبِ الرُّتَبِيِّ دُونَ الوُجُودِيِّ، كَأنَّهُ قِيلَ: حَتّى يَكُونَ رُؤْيَتُهم لِلْعَذابِ الألِيمِ، فَما هو أشَدُّ مِنها وهو مُفاجَأتُهُ، فَما هو أشَدُّ مِنهُ وهو سُؤالُهُمُ النَّظْرَةَ، نَظِيرُ ما في قَوْلِكَ: (إنْ أسَأْتَ مَقَتَكَ الصّالِحُونَ فَمَقَتَكَ اللَّهُ تَعالى) فَلا يَرِدُ أنَّ البَغْتَ مِن غَيْرِ شُعُورٍ لا يَصِحُّ تَعَقُّبُهُ لِلرُّؤْيَةِ في الوُجُودِ.
وقالَ سَرِيُّ الدِّينِ المِصْرِيُّ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - في تَوْجِيهِ ما تَدُلُّ عَلَيْهِ الفاءُ مِنَ التَّعْقِيبِ: إنَّ رُؤْيَةَ العَذابِ تَكُونُ تارَةً بَعْدَ تَقَدُّمِ (p-130)أماراتِهِ وظُهُورِ مُقَدِّماتِهِ ومُشاهَدَةِ عَلاماتِهِ، وأُخْرى بَغْتَةً لا يَتَقَدَّمُها شَيْءٌ مِن ذَلِكَ، فَكانَتْ رُؤْيَتُهُمُ العَذابَ مُحْتاجَةً إلى التَّفْسِيرِ فَعُطِفَ عَلَيْها بِالفاءِ التَّفْسِيرِيَّةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَيَأْتِيَهم بَغْتَةً﴾ وصَحَّ بَيْنَهُما مَعْنى التَّعْقِيبِ؛ لِأنَّ مَرْتَبَةَ المُفَسِّرِ في الذِّكْرِ أنْ يَقَعَ بَعْدَ المُفَسَّرِ، كَما فُعِلَ في التَّفْصِيلِ بِالقِياسِ إلى الإجْمالِ، كَما يُسْتَفادُ مِن تَحْقِيقاتِ الشَّرِيفِ في شَرْحِ المِفْتاحِ.
ويُمْكِنُ أنْ تَكُونَ الآيَةُ مِن بابِ القَلْبِ، كَما هو أحَدُ الوُجُوهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكَمْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا﴾ لِلْمُبالَغَةِ في مُفاجَأةِ رُؤْيَتِهِمُ العَذابَ، حَتّى كَأنَّهم رَأوْهُ قَبْلَ المُفاجَأةِ، والمَعْنى: حَتّى يَأْتِيَهُمُ العَذابُ الألِيمُ بَغْتَةً فَيَرَوْهُ، انْتَهى.
وجَعَلَها بَعْضُهم لِلتَّفْصِيلِ، واعْتُرِضَ - عَلى ما قالَ صاحِبُ الكَشّافِ - بِأنَّ العَذابَ الألِيمَ مُنْطَوٍ عَلى شِدَّةِ البَغْتِ، فَلا يَصِحُّ التَّرْتِيبُ والتَّعْقِيبُ الرُّتَبِيُّ، وهو وهْمٌ كَما لا يَخْفى.
والظّاهِرُ أنَّ جُمْلَةَ (وهم لا يَشْعُرُونَ) حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِما يُفِيدُهُ (بَغْتَةً) فَإنَّها - كَما قالَ الرّاغِبُ - مُفاجَأةُ الشَّيْءِ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.
ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ وما بَعْدَها إنْ كانَتْ في الدُّنْيا - كَما قِيلَ - فَإتْيانُ العَذابِ الألِيمِ فِيها بَغْتَةً مِمّا لا خَفاءَ فِيهِ؛ لِأنَّهُ قَدْ يُفاجِئُهم فِيها ما لَمْ يَكُنْ يَمُرُّ بِخاطِرِهِمْ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ، وإنْ كانَتْ في الآخِرَةِ فَوْجَهُ إتْيانِهِ فِيها بَغْتَةً - عَلى ما زَعَمَهُ بَعْضُهم - أنَّ المُرادَ بِهِ أنْ يَأْتِيَهم مِن غَيْرِ اسْتِعْدادٍ لَهُ وانْتِظارٍ، فافْهَمْ، واخْتارَ بَعْضُهم أنَّ ذَلِكَ أعَمُّ مِن أنْ يَكُونَ في الدُّنْيا أوْ في الآخِرَةِ.
وقَرَأ الحَسَنُ وعِيسى «تَأْتِيَهُمْ» بِتاءِ التَّأْنِيثِ، وخَرَّجَ ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ لِلسّاعَةِ، وأبُو حَيّانَ عَلى أنَّهُ لِلْعَذابِ بِتَأْوِيلِ العُقُوبَةِ، وقالَ أبُو الفَضْلِ الرّازِيُّ: لِلْعَذابِ وأُنِّثَ لِاشْتِمالِهِ عَلى السّاعَةِ فاكْتَسى مِنها التَّأْنِيثَ؛ وذَلِكَ لِأنَّهم كانُوا يَسْألُونَ عَذابَ القِيامَةِ؛ تَكْذِيبًا بِها، انْتَهى.
وهُوَ في غايَةِ الغَرابَةِ، وكَأنَّهُ اعْتَبَرَ إضافَةَ العَذابِ إلى السّاعَةِ مَعْنًى؛ بِناءً عَلى أنَّ المُرادَ - بِزَعْمِهِ -: حَتّى يَرَوْا عَذابَ السّاعَةِ الألِيمَ، وقالَ: بِاكْتِسائِهِ التَّأْنِيثَ مِنها بِسَبَبِ إضافَتِهِ إلَيْها؛ لِأنَّ الإضافَةَ إلى المُؤَنَّثِ قَدْ تُكْسِي المُضافَ المُذَكَّرَ التَّأْنِيثَ كَما في قَوْلِهِ:
؎كَما شَرِقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدَّمِ
ولَمْ أرَ أحَدًا سَبَقَهُ إلى ذَلِكَ.
وقَرَأ الحَسَنُ «بَغَتَةً» بِالتَّحْرِيكِ، وفي حَرْفِ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ – (ويَرَوْهُ بَغْتَةً).
{"ayahs_start":202,"ayahs":["فَیَأۡتِیَهُم بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ","فَیَقُولُوا۟ هَلۡ نَحۡنُ مُنظَرُونَ"],"ayah":"فَیَأۡتِیَهُم بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











