الباحث القرآني

﴿أوَلَمْ يَكُنْ لَهم آيَةً﴾ الهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ أوْ لِلْإنْكارِ والنَّفْيِ، والواوُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ المَقامُ كَأنَّهُ قِيلَ: أغَفَلُوا عَنْ ذَلِكَ، ولَمْ يَكُنْ لَهم آيَةً دالَّةً عَلى أنَّهُ تَنْزِيلُ رَبِّ العالَمِينَ، وإنَّهُ لَفي زُبُرِ الأوَّلِينَ؟! عَلى أنَّ (لَهُمْ) مُتَعَلِّقٌ بِالكَوْنِ، قُدِّمَ عَلى اسْمِهِ وخَبَرِهِ لِلِاهْتِمامِ، أوْ بِمَحْذُوفٍ هو حالٌ مِن (آيَةً) قُدِّمَتْ عَلَيْها لِكَوْنِها نَكِرَةً (وآيَةً) خَبَرٌ لِلْكَوْنِ قُدِّمَ عَلى اسْمِهِ الَّذِي هو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ لِما مَرَّ مِرارًا مِنَ الِاعْتِناءِ بِالمُقَدَّمِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ، والعِلْمُ بِمَعْنى المَعْرِفَةِ والضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ، أيْ: ألَمْ يَكُنْ لَهم آيَةً مُعَرِّفَةً عُلَماءَ بَنِي إسْرائِيلَ القُرْآنَ بِنُعُوتِهِ المَذْكُورَةِ في كُتُبِهِمْ؟! وعَنْ قَتادَةَ أنَّ الضَّمِيرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ وقِيلَ: العِلْمُ عَلى مَعْناهُ المَشْهُورِ، والضَّمِيرُ لِلْحُكْمِ السّابِقِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ﴾ ﴿عَلى قَلْبِكَ﴾ إلَخْ، وفِيهِ بُعْدٌ كَما لا يَخْفى، وذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ أهْلَ مَكَّةَ بَعَثُوا إلى أحْبارِ يَثْرِبَ يَسْألُونَهم عَنِ النَّبِيِّ فَقالُوا: هَذا زَمانُهُ، وذَكَرُوا نَعْتَهُ، وخَلَطُوا في أمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَنَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ، وهو ظاهِرٌ في أنَّ الضَّمِيرَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - ويُؤَيِّدُهُ كَوْنُ الآيَةِ مَكِّيَّةً، وقالَ مُقاتِلٌ: هي مَدَنِيَّةٌ. وعُلَماءُ بَنِي إسْرائِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ ونَحْوُهُ، كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ، وذَلِكَ أنَّ جَماعَةً مِنهم أسْلَمُوا ونَصُّوا عَلى مَواضِعَ مِنَ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ (p-127)فِيها ذِكْرُ الرَّسُولِ ﷺ وقِيلَ: عُلَماؤُهم مَن أسْلَمَ مِنهم ومَن لَمْ يُسْلِمْ، وقِيلَ: أنْبِياؤُهُمْ؛ فَإنَّهم نَبَّهُوا عَلى ذَلِكَ، وهو خِلافُ الظّاهِرِ، ولَعَلَّ أظْهَرَ الأقْوالِ كَوْنُ المُرادِ بِهِ مُعاصِرِيهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - مِن عُلَماءِ أهْلِ الكِتابَيْنِ المُسْلِمِينَ وغَيْرِهِمْ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ والجَحْدَرِيُّ (تَكُنْ) بِالتَّأْنِيثِ و(آيَةٌ) بِالرَّفْعِ وجُعِلَتِ اسْمَ تَكُنْ (وأنْ يَعْلَمَهُ) خَبَرَها، وضُعِّفَ بِأنَّ فِيهِ الإخْبارَ عَنِ النَّكِرَةِ بِالمَعْرِفَةِ، ولا يَدْفَعُهُ كَوْنُ النَّكِرَةِ ذاتَ حالٍ؛ بِناءً عَلى أحَدِ الِاحْتِمالَيْنِ في (لَهُمْ). وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ (آيَةٌ) الِاسْمَ (ولَهُمْ) مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ هو الخَبَرُ، و(أنْ يَعْلَمَهُ) بَدَلًا مِنَ الِاسْمِ، أوْ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وأنْ يَكُونَ الِاسْمُ ضَمِيرَ القِصَّةِ (ولَهم آيَةً) مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، والجُمْلَةُ خَبَرَ (تَكُنْ) (وأنْ يَعْلَمَهُ) بَدَلًا أوْ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وأنْ يَكُونَ الِاسْمُ ضَمِيرَ القِصَّةِ (وآيَةٌ) خَبَرَ (أنْ يَعْلَمَهُ) والجُمْلَةُ خَبَرَ (تَكُنْ) وأنْ تَكُونَ (تَكُنْ) تامَّةً (وآيَةٌ) فاعِلًا (وأنْ يَعْلَمَهُ) بَدَلًا، أوْ خَبَرًا لِمَحْذُوفٍ و(لَهُمْ) إمّا حالًا أوْ مُتَعَلِّقًا بِـ(تَكُنْ). وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ (تَكُنْ) بِالتَّأْنِيثِ و(آيَةً) بِالنَّصْبِ كَقِراءَةِ مَن قَرَأ (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ) بِالتَّأْنِيثِ (فِتْنَتَهُمْ) بِالنَّصْبِ (إلّا أنْ قالُوا) وكَقَوْلِلَبِيدٍ يَصِفُ العِيرَ والأتانَ: ؎فَمَضى وقَدَّمَها وكانَتْ عادَةً مِنهُ إذا هي عَرَّدَتْ إقْدامُها وذَلِكَ إمّا عَلى تَأْنِيثِ الِاسْمِ لِتَأْنِيثِ الخَبَرِ، وإمّا لِتَأْوِيلِ (أنْ يَعْلَمَهُ) بِالمَعْرِفَةِ وتَأْوِيلِ (أنْ قالُوا) بِالمَقالَةِ، وتَأْوِيلِ الإقْدامِ بِالمُتَقَدِّمَةِ، ودَعْوى اكْتِسابِ التَّأْنِيثِ فِيهِ مِنَ المُضافِ إلَيْهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِفَقْدِ شَرْطِهِ المَشْهُورِ. وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ (تَعْلَمَهُ) بِالتَّأْنِيثِ عَلى أنَّ المُرادَ جَماعَةُ عُلَماءِ بَنِي إسْرائِيلَ، وكُتِبَ في المُصْحَفِ «عُلَمَؤُا» بِواوٍ بَيْنَ المِيمِ والألِفِ، ووُجِّهَ ذَلِكَ بِأنَّهُ عَلى لُغَةِ مَن يَمِيلُ ألِفَ عُلَماءَ إلى الواوِ، كَما كَتَبُوا (الصَّلَوةَ والزَّكَوةَ والرِّبَو) بِالواوِ عَلى تِلْكَ اللُّغَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب