الباحث القرآني

﴿إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿كَذَّبَ أصْحابُ الأيْكَةِ المُرْسَلِينَ﴾ الأيْكَةُ الغَيْضَةُ الَّتِي تُنْبِتُ ناعِمَ الشَّجَرِ، وهي غَيْضَةٌ مِن ساحِلِ البَحْرِ إلى مَدْيَنَ، يَسْكُنُها طائِفَةٌ، وكانُوا مِمَّنْ بُعِثَ إلَيْهِمْ شُعَيْبٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وكانَ أجْنَبِيًّا مِنهم ولِذَلِكَ قِيلَ: ﴿إذْ قالَ لَهم شُعَيْبٌ ألا تَتَّقُونَ﴾ ولَمْ يُقَلْ: (أخُوهُمْ) وقِيلَ: ( الأيْكَةِ ) الشَّجَرُ المُلْتَفُّ، وكانَ شَجَرُهُمُ الدَّوْمَ وهو المُقْلُ، وعَلى القَوْلَيْنِ ( أصْحابُ الأيْكَةِ ) غَيْرُ أهْلِ مَدْيَنَ، ومِن غَرِيبِ النَّقْلِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهم هم أصْحابُ مَدْيَنَ. وقَرَأ الحَرَمِيّانِ وابْنُ عامِرٍ «لَيْكَةَ» بِلامٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَها ياءٌ بِغَيْرِ ألِفٍ مَمْنُوعَ الصَّرْفِ هُنا، وفي (ص) قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: وجَدْنا في بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ أنَّ «لَيْكَةَ» اسْمٌ لِلْقَرْيَةِ والأيْكَةِ البِلادُ كُلُّها كَمَكَّةَ وبَكَّةَ، ورَأيْتُها في الإمامِ مُصْحَفِ عُثْمانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - في الحِجْرِ و(ق): ( الأيْكَةِ ) وفي الشُّعَراءِ و(ص): (لَيْكَةَ) واجْتَمَعَتْ مَصاحِفُ الأمْصارِ كُلِّها بَعْدَ ذَلِكَ ولَمْ تَخْتَلِفْ، وفي الكَشّافِ: مَن قَرَأ بِالنَّصْبِ، وزَعَمَ أنَّ (لَيْكَةَ) بِوَزْنِ لَيْلَةٍ (p-118)اسْمُ بَلَدٍ فَتَوَهُّمٌ قادَ إلَيْهِ خَطُّ المُصْحَفِ، حَيْثُ وُجِدَتْ مَكْتُوبَةً هُنا وفي «ص» بِغَيْرِ ألِفٍ، وفي المُصْحَفِ أشْياءُ كُتِبَتْ عَلى خِلافِ الخَطِّ المُصْطَلَحِ عَلَيْهِ، وإنَّما كُتِبَتْ في هاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ عَلى حُكْمِ لَفْظِ اللّافِظِ، كَما يَكْتُبُ أصْحابُ النَّحْوِ الآنَ (لانَ) والأوْلى (لَوْلى) لِبَيانِ لَفْظِ المُخَفَّفِ، وقَدْ كُتِبَتْ في سائِرِ القُرْآنِ عَلى الأصْلِ، والقِصَّةُ واحِدَةٌ عَلى أنَّ «لَيْكَةَ» اسْمٌ لا يُعْرَفُ، انْتَهى. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ دَعْوى مِن غَيْرِ ثَبَتٍ، وكَفى ثَبَتًا لِلْمُخالِفِ ثُبُوتُ القِراءَةِ في السَّبْعَةِ وهي مُتَواتِرَةٌ، كَيْفَ وقَدِ انْضَمَّ إلَيْهِ ما سَمِعْتَ عَنْ بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ - وإنْ لَمْ تُعَوِّلْ عَلَيْهِ - فَما رَوى البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ: (الأيْكَةُ) و(لَيْكَةُ) الغَيْضَةُ، هَذا وإنَّ الأسْماءَ المُرْتَجَلَةَ لا مَنعَ مِنها، وفي البَحْرِ: إنَّ كَوْنَ مادَّةِ (ل ي ك) مَفْقُودَةً في لِسانِ العَرَبِ كَما تَشَبَّثَ بِهِ مَن أنْكَرَ هَذِهِ القِراءَةَ المُتَواتِرَةَ - إنْ صَحَّ - لا يَضُرُّ، وتَكُونُ الكَلِمَةُ عَجَمِيَّةً، ومَوادُّ كَلامِ العَجَمِ مُخالَفَةٌ في كَثِيرٍ مَوادَّ كَلامِ العَرَبِ فَيَكُونُ قَدِ اجْتَمَعَ عَلى مَنعِ صَرْفِها العَلَمِيَّةُ والعُجْمَةُ والتَّأْنِيثُ، وبِالجُمْلَةِ إنْكارُ الزَّمَخْشَرِيِّ صِحَّةَ هَذِهِ القِراءَةِ يَقْرُبُ مِنَ الرِّدَّةِ والعِياذُ بِاللَّهِ تَعالى. وقَدْ سَبَقَهُ في ذَلِكَ المُبَرِّدُ وابْنُ قُتَيْبَةَ والزَّجّاجُ والفارِسِيُّ والنَّحّاسُ، وقُرِئَ «لَيْكَةِ» بِحَذْفِ الهَمْزَةِ وإلْقاءِ حَرَكَتِها عَلى اللّامِ والجَرِّ بِالكَسْرَةِ، وتُكْتَبُ عَلى حُكْمِ لَفْظِ اللّافِظِ بِدُونِ هَمْزَةٍ وعَلى الأصْلِ بِالهَمْزَةِ، وكَذا نَظائِرُها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب