وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ ﴿وزُرُوعٍ ونَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ﴾ بَدَلٌ مِن (ما هاهُنا) بِإعادَةِ الجارِّ كَما قالَ أبُو البَقاءِ وغَيْرُهُ، وفي الكَلامِ إجْمالٌ وتَفْصِيلٌ نَحْوُ ما تَقَدَّمَ في قِصَّةِ عادٍ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِـ(آمِنِينَ) الواقِعِ حالًا ولَيْسَ بِذاكَ، والهَضِيمُ الدّاخِلُ بَعْضُهُ في بَعْضٍ كَأنَّهُ هُضِمَ، أيْ: شُدِخَ.
وسَألَ عَنْهُ نافِعُ بْنُ الأزْرَقِ ابْنَ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - فَقالَ لَهُ: المُنْضَمُّ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ، فَقالَ: وهَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِكَ؟ قالَ: نَعَمْ، أما سَمِعْتَ قَوْلَ امْرِئِ القَيْسِ:
؎دارٌ لِبَيْضاءِ العَوارِضِ طِفْلَةٍ مَهْضُومَةِ الكَشْحَيْنِ رَيّا المِعْصَمِ
(p-113)وقالَ الزُّهْرِيُّ: هو اللَّطِيفُ أوَّلَ ما يَخْرُجُ، وقالَ الزَّجّاجُ: هو الَّذِي رُطَبُهُ بِغَيْرِ نَوًى، ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ.
وقِيلَ: هو المُتَدَلِّي لِكَثْرَةِ ثَمَرِهِ، وقِيلَ: هو النَّضِيجُ مِنَ الرُّطَبِ ورُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وقِيلَ: الرُّطَبُ المُذَنَّبُ، ورُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي زِيادٍ، فَوَصْفُ الطَّلْعِ بِالهَضِيمِ إمّا حَقِيقَةٌ أوْ مَجازٌ، وهو حَقِيقَةُ وصْفٍ لِثَمَرِهِ.
وجَعَلَ بَعْضُهم - عَلى بَعْضِ الأقْوالِ - الطَّلْعَ مَجازًا عَنِ الثَّمَرِ لِأوَّلِهِ إلَيْهِ، والنَّخْلُ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ يُذَّكَّرُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَأنَّهم أعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ ويُؤَنَّثُ كَما هُنا، ولَيْسَ ذَلِكَ لِأنَّ المُرادَ بِهِ الإناثُ فَإنَّهُ مَعْلُومٌ بِقَرِينَةِ المَقامِ ولَوْ ذُكِّرَ الضَّمِيرُ.
وإفْرادُهُ بِالذِّكْرِ - مَعَ دُخُولِهِ في الجَنّاتِ - لِفَضْلِهِ عَلى سائِرِ أشْجارِها، أوْ لِأنَّ المُرادَ بِها غَيْرُهُ مِنَ الأشْجارِ.
{"ayahs_start":147,"ayahs":["فِی جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونࣲ","وَزُرُوعࣲ وَنَخۡلࣲ طَلۡعُهَا هَضِیمࣱ"],"ayah":"فِی جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونࣲ"}