الباحث القرآني

﴿إنْ حِسابُهُمْ﴾ أيْ: ما مُحاسَبَتُهم عَلى ما يَعْمَلُونَ ﴿إلا عَلى رَبِّي﴾ فاعْتِبارُ البَواطِنِ مِن شُؤُونِهِ - عَزَّ وجَلَّ - وهو المُطَّلِعُ عَلَيْها ﴿لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ أيْ بِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ، أوْ لَوْ كُنْتُمْ مِن أهْلِ الشُّعُورِ لَعَلِمْتُمْ ذَلِكَ، لَكِنَّكم لَسْتُمْ كَذَلِكَ فَلِذا قُلْتُمْ ما قُلْتُمْ، وألْ عَلى هَذا الوَجْهِ لِلْجِنْسِ. وقالَ جَمْعٌ: إنَّ اسْتِرْذالَهم إيّاهم لِقِلَّةِ نَصِيبِهِمْ مِنَ الدُّنْيا، وقِيلَ: لِكَوْنِهِمْ مِن أهْلِ الصِّناعاتِ الدَّنِيئَةِ، وقَدْ كانُوا - كَما رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ - حاكَّةً وأساكِفَةً، وقِيلَ: لِاتِّضاعِ نَسَبِهِمْ، ومَنشَأُ ذَلِكَ عَلى الجَمِيعِ سَخافَةُ عُقُولِهِمْ وقُصُورُ أنْظارِهِمْ؛ لِأنَّ الفَقْرَ لَيْسَ مِنَ الرَّذالَةِ في شَيٍّ:(p-108) ؎قَدْ يُدْرِكُ المَجْدُ الفَتى ورِداؤُهُ خَلَقٌ وجَيْبُ قَمِيصِهِ مَرْقُوعُ وكَذا خِسَّةُ الصِّناعَةِ لا تُزْرِي بِالشَّرَفِ الأُخْرَوِيِّ، ولا تُلْحِقُ التَّقِيَّ نَقِيصَةً عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقَدْ أنْشَدَ أبُو العَتاهِيَةِ: ؎ولَيْسَ عَلى عَبْدٍ تَقِيٍّ نَقِيصَةٌ ∗∗∗ إذا صَحَّحَ التَّقْوى وإنْ حاكَ أوْ حَجَمَ ومِثْلُها صِفَةُ النَّسَبِ فَقَدْ قِيلَ: ؎أبِي الإسْلامُ لا أبَ لِي سِواهُ ∗∗∗ إذا افْتَخَرُوا بِقَيْسٍ أوْ تَمِيمٍ وما ذَكَرَهُ الفُقَهاءُ في بابِ الكَفاءَةِ مَبْنِيٌّ عَلى عُرْفِ العامَّةِ لِانْتِظامِ أمْرِ المَعاشِ ونَحْوِهِ، عَلى أنَّهُ رُوِيَ عَنِ الإمامِ مالِكٍ عَدَمُ اعْتِبارِ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ أصْلًا، وأنَّ المُسْلِمِينَ كَيْفَما كانُوا أكْفاءٌ بَعْضُهم لِبَعْضٍ، وألْ عَلى هَذِهِ الأقْوالِ لِلْعَهْدِ. والجَوابُ بِما ذُكِرَ عَمّا أشارُوا إلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ مِن أنَّ إيمانَهم لَمْ يَكُنْ عَنْ نَظَرٍ وبَصِيرَةٍ، وإنَّما كانَ لِحَظٍّ نَفْسانِيٍّ كَحُصُولِ شَوْكَةٍ بِالِاجْتِماعِ يَنْتَظِمُونَ بِها في سِلْكِ ذَوِي الشَّرَفِ ويُعَدُّونَ بِها في عِدادِهِمْ. وحاصِلُهُ: وما وظِيفَتِي إلّا اعْتِبارُ الظَّواهِرِ دُونَ الشَّقِّ عَنِ القُلُوبِ، والتَّفْتِيشِ عَمّا في السَّرائِرِ، فَما يَضُرُّنِي عَدَمُ إخْلاصِهِمْ في إيمانِهِمْ - كَما تَزْعُمُونَ - وجُوِّزَ أنْ يُقالَ: إنَّهم لَمّا قالُوا: ﴿واتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ﴾ وعَنَوُا الَّذِينَ لا نَصِيبَ لَهم مِنَ الدُّنْيا، أوِ الَّذِينَ اتَّضَعَتْ أنْسابُهُمْ، أوْ كانُوا مِن أهْلِ الصَّنائِعِ الدَّنِيئَةِ تَغابى - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَنْ مُرادِهِمْ، وخُيِّلَ لَهم أنَّهم عَنَوْا بِالأرْذَلِينَ مَن لا إخْلاصَ لَهُ في العَمَلِ، ولَمْ يُؤْمِن عَنْ نَظَرٍ وبَصِيرَةٍ، فَأجابَهم بِما ذُكِرَ، كَأنَّهُ ما عَرَفَ مِنَ الأرْذَلِينَ إلّا ذَلِكَ، ولَوْ جُعِلَ هَذا نَوْعًا مِنَ الأُسْلُوبِ الحَكِيمِ لَمْ يَبْعُدْ عِنْدِي، وفِيهِ مَن لُطْفِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وتَقْبِيحِ ما هم عَلَيْهِ ما لا يَخْفى. وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهم عَنَوْا بِالأرْذَلِينَ نِساءَهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وبَنِيهِ وبَناتِهِ وبَنِي بَنِيهِ، واسْتِرْذالُهم لِعَضَّةِ النَّسَبِ لا يُتَصَوَّرُ في جَمِيعِهِمْ حَقِيقَةً كَما لا يَخْفى، فَلا بُدَّ عَلَيْهِ مِنِ اعْتِبارِ التَّغْلِيبِ ونَحْوِهِ، وقَرَأ الأعْرَجُ، وأبُو زُرْعَةَ، وعِيسى بْنُ عُمَرَ الهَمْدانِيُّ «يَشْعُرُونَ» بِياءِ الغَيْبَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب