الباحث القرآني

﴿قُلْ﴾ لَهم رَدًّا عَلَيْهِمْ وتَحْقِيقًا لِلْحَقِّ ﴿أنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ وصْفُهُ تَعالى بِإحاطَةِ عِلْمِهِ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ الخَفِيَّةِ والجَلِيَّةِ المَعْلُومَةِ مِن بابِ أوْلى لِلْإيذانِ بِانْطِواءِ ما أنْزَلَهُ عَلى أسْرارٍ مَطْوِيَّةٍ عَنْ عُقُولِ البَشَرِ مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّعْرِيضِ بِمُجازاتِهِمْ بِجِناياتِهِمُ المَحْكِيَّةِ الَّتِي هي مِن جُمْلَةِ مَعْلُوماتِهِ تَعالى أيْ لَيْسَ ذَلِكَ كَما تَزْعُمُونَ بَلْ هو أمْرٌ سَماوِيٌّ أنْزَلَهُ اللَّهُ تَعالى الَّذِي لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ مِنَ الأشْياءِ وأوْدَعَ فِيهِ فُنُونَ الحِكَمِ والأسْرارِ عَلى وجْهٍ بَدِيعٍ لا تَحُومُ حَوْلَهُ الإفْهامِ حَيْثُ أعْجَزَكم قاطِبَةً بِفَصاحَتِهِ وبَلاغَتِهِ وأخْبَرَكم بِمُغَيَّباتِ مُسْتَقْبِلَهِ وأُمُورٍ مَكْنُونَةٍ لا يَهْتَدِي إلَيْها ولا يُوقِفُ إلّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعالى العَلِيمِ الخَبِيرِ عَلَيْها، وإذا أرادُوا بِبَكَرَةٍ وأصِيلًا خِفْيَةً عَنِ النّاسِ ازْدادَ مَوْقِعُ السِّرِّ حُسْنًا، وأمّا التَّذْيِيلُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّهُ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ فَهو لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُمِ اسْتَوْجَبُوا العَذابَ عَلى ما هم عَلَيْهِ مِنَ الجِناياتِ المَحْكِيَّةِ لَكِنْ أخَّرَ عَنْهم لِما أنَّهُ سُبْحانَهُ أزَلًا وأبَدًا مُسْتَمِرٌّ عَلى المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ المُسْتَتْبَعَتَيْنِ لِلتَّأْخِيرِ فَكَأنَّهُ قِيلَ إنَّهُ جَلَّ وعَلا مُتَّصِفٌ بِالمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ عَلى الِاسْتِمْرارِ فَلِذَلِكَ لا يُعَجِّلُ عُقُوبَتَكم عَلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مَعَ كَمالِ اسْتِيجابِهِ إيّاها وغايَةُ قُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ عَلَيْها ولَوْلا ذَلِكَ لِصَبَّ عَلَيْكُمُ العَذابَ صَبّا، وذَكَرَ الطَّيِّبِيُّ أنَّ فِيهِ عَلى هَذا الوَجْهِ مَعْنى التَّعَجُّبِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا في أنْفُسِهِمْ وعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ [الفَرْقانُ: 21] . وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ الكَلامُ كِنايَةً عَنِ الِاقْتِدارِ العَظِيمِ عَلى عُقُوبَتِهِمْ لِأنَّهُ لا يُوصَفُ بِالمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ إلّا القادِرُ عَلى العُقُوبَةِ، وفي إيثارِها تَعْيِيرٌ لَهم ونَعِيَ عَلى فِعْلِهِمْ يَعْنِي أنَّكم فِيما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَتَصَدّى لِعَذابِكم مِن صِفَتِهِ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ ولَيْسَ بِذاكَ، وقالَ صاحِبُ الفَرائِدِ: يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: ذَكَرَ المَغْفِرَةَ والرَّحْمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأجْلِ (p-237)أنْ يَعْرِفُوا أنَّ هَذِهِ الذُّنُوبَ العَظِيمَةَ المُتَجاوِزَةَ عَنِ الحَدِّ مَغْفُورَةٌ إنْ تابُوا وأنَّ رَحْمَتَهُ واصِلَةٌ إلَيْهِمْ بَعْدَها وأنْ لا يَيْأسُوا مِن رَحْمَتِهِ تَعالى بِما فَرَّطَ مِنهم مَعَ إصْرارِهِمْ عَلى ما هم عَلَيْهِ مِنَ المُعاداةِ والمُخاصَمَةِ الشَّدِيدَةِ وهو كَما تَرى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب