الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهم يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ﴾ إضْرابٌ وانْتِقالٌ عَنِ الإنْكارِ المَذْكُورِ إلى إنْكارِ حُسْبانِهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - إيّاهم مِمَّنْ يَسْمَعُ أوْ يَعْقِلُ حَسْبَما يُنْبِئُ عَنْهُ جَدُّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - في الدَّعْوَةِ، واهْتِمامُهُ بِالإرْشادِ والتَّذْكِيرِ، عَلى مَعْنى أنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يَقَعَ، أيْ: بَلْ أتَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهم يَسْمَعُونَ حَقَّ السَّماعِ ما تَتْلُو عَلَيْهِمْ مِنَ الآياتِ القُرْآنِيَّةِ، أوْ يَعْقِلُونَ ما أُظْهِرَ لَهم مِنَ الآياتِ الآفاقِيَّةِ والأنْفُسِيَّةِ فَتَعْتَنِي في شَأْنِهِمْ وتَطْمَعُ في إيمانِهِمْ، ولَمّا كانَ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ أهَمَّ نَظَرًا لِلْمَقامِ مِنَ الدَّلِيلِ العَقْلِيِّ قِيلَ: يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ، وقِيلَ: المَعْنى: بَلْ أتَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهم يَسْمَعُونَ حَقَّ السَّماعِ ما تَتْلُو عَلَيْهِمْ مِنَ الآياتِ أوْ يَعْقِلُونَ ما في تَضاعِيفِها مِنَ المَواعِظِ الزّاجِرَةِ عَنِ القَبائِحِ الدّاعِيَةِ إلى المَحاسِنِ فَتَجْتَهِدُ في دَعْوَتِهِمْ وتَهْتَمُّ (p-25)بِإرْشادِهِمْ وتَذْكِيرِهِمْ، ولَعَلَّ ما قُلْناهُ أوْلى، فَتَدَبَّرْ.
وأيًّا ما كانَ فَضَمِيرُ ( أكْثَرَهم ) لِمَن بِاعْتِبارِ مَعْناهُ وضَمِيرُ ( عَلَيْهِ ) لَهُ أيْضًا بِاعْتِبارِ لَفْظِهِ، واخْتِيرَ الجَمْعُ هُنا لِمُناسَبَةِ إضافَةِ الأكْثَرِ لَهُمْ، وأُفْرِدَ فِيما قَبْلَهُ لِجَعْلِهِمْ في اتِّفاقِهِمْ عَلى الهَوى كَشَيْءٍ واحِدٍ، وقِيلَ: ضَمِيرُ ( أكْثَرَهم ) لِلْكُفّارِ لا لِمَن؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى (عَلَيْهِ) يَأْباهُ ولَيْسَ بِشَيْءٍ، وضَمِيرُ الفِعْلَيْنِ لِلْأكْثَرِ لا لِما أُضِيفَ إلَيْهِ، وتَخْصِيصُ الأكْثَرِ لِأنَّ مِنهم مَن سَبَقَتْ لَهُ العِنايَةُ الأزَلِيَّةُ بِالإيمانِ بَعْدَ الِاتِّخاذِ المَذْكُورِ، ومِنهم مَن سَمِعَ أوْ عَقَلَ لَكِنَّهُ كابَرَ اسْتِكْبارًا وخَوْفًا عَلى الرِّياسَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ هم إلا كالأنْعامِ﴾ ... إلَخْ، جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَكْرِيرِ النَّكِيرِ وتَأْكِيدِهِ وحَسْمِ مادَّةِ الحُسْبانِ بِالمَرَّةِ، والضَّمِيرُ لِلْأكْثَرِ أوْ لِمَن، واكْتُفِيَ عَنْ ذِكْرِ الأكْثَرِ بِما قَبْلَهُ، أيْ: ما هم في عَدَمِ الِانْتِفاعِ بِما يَقْرَعُ آذانَهم مِن قَوارِعِ الآياتِ وانْتِفاءِ التَّدَبُّرِ بِما يُشاهِدُونَهُ مِنَ الدَّلائِلِ البَيِّناتِ إلّا كالبَهائِمِ الَّتِي هي مَثَلٌ في الغَفْلَةِ وعَلَمٌ في الضَّلالَةِ ﴿بَلْ هم أضَلُّ﴾ مِنها ﴿سَبِيلا﴾ لِما أنَّها تَنْقادُ لِصاحِبِها الَّذِي يَتَعَهَّدُها، وتَعْرِفُ مَن يُحْسِنُ إلَيْها ومَن يُسِيءُ إلَيْها، وتَطْلُبُ ما يَنْفَعُها وتَجْتَنِبُ ما يَضُرُّها وتَهْتَدِي لِمَراعِيها ومَشارِبِها، وتَأْوِي إلى مَعاطِنِها ومَرابِضِها، وهَؤُلاءِ لا يَنْقادُونَ لِرَبِّهِمْ سُبْحانَهُ وخالِقِهِمْ ورازِقِهِمْ، ولا يَعْرِفُونَ إحْسانَهُ تَعالى إلَيْهِمْ مِن إساءَةِ الشَّيْطانِ المُزَيِّنِ لَهُمُ اتِّباعَ الشَّهَواتِ، الَّذِي هو عَدُوٌّ مُبِينٌ، ولا يَطْلُبُونَ الثَّوابَ الَّذِي هو أعْظَمُ المَنافِعِ، ولا يَتَّقُونَ العِقابَ الَّذِي هو أشَدُّ المَضارِّ والمَهالِكِ، ولا يَهْتَدُونَ لِلْحَقِّ الَّذِي هو المَشْرَعُ الهَنِيُّ والمَوْرِدُ العَذْبُ الرَّوِيُّ، ولِأنَّها إنْ لَمْ تَعْتَقِدْ حَقًّا مُسْتَتْبِعًا لِاكْتِسابِ الخَيْرِ لَمْ تَعْتَقِدْ باطِلًا مُسْتَوْجِبًا لِاقْتِرافِ الشَّرِّ بِخِلافِ هَؤُلاءِ، حَيْثُ مَهَّدُوا قَواعِدَ الباطِلِ وفَرَّعُوا عَلَيْها أحْكامَ الشُّرُورِ؛ ولِأنَّ أحْكامَ جَهالَتِها وضَلالَتِها مَقْصُورَةٌ عَلى أنْفُسِها لا تَتَعَدّى إلى أحَدٍ، وجَهالَةَ هَؤُلاءِ مُؤَدِّيَةٌ إلى ثَوَرانِ الفِتْنَةِ والفَسادِ وصَدِّ النّاسِ عَنْ سُنَنِ السَّدادِ، وهَيَجانِ الهَرْجِ والمَرَجِ فِيما بَيْنَ العِبادِ، ولِأنَّها غَيْرُ مُعَطِّلَةٍ لِقُوَّةٍ مِنَ القُوى المُودَعَةِ فِيها بَلْ صارِفَةٌ لَها إلى ما خُلِقَتْ لَهُ فَلا تَقْصِيرَ مِن قِبَلِها في طَلَبِ الكَمالِ، وأمّا هَؤُلاءِ فَهم مُعَطِّلُونَ لِقُواهُمُ العَقْلِيَّةِ مُضَيِّعُونَ لِلْفِطْرَةِ الأصْلِيَّةِ الَّتِي فُطِرَ النّاسُ عَلَيْها.
واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ البَهائِمَ لا تَعْلَمُ رَبَّها عَزَّ وجَلَّ، ومَن ذَهَبَ إلى أنَّها تَعْلَمُهُ سُبْحانَهُ وتُسَبِّحُهُ كَما هو مَذْهَبُ الصُّوفِيَّةِ وجَماعَةٍ مِنَ النّاسِ قالَ: إنَّ هَذا خارِجٌ مَخْرَجَ الظّاهِرِ، وقِيلَ: المُرادُ: إنْ هم إلّا كالأنْعامِ في عَدَمِ الِانْتِفاعِ بِالآياتِ القُرْآنِيَّةِ والدَّلائِلِ الأنْفُسِيَّةِ والآفاقِيَّةِ؛ فَإنَّ الأنْعامَ كَذَلِكَ، والعِلْمُ بِاللَّهِ تَعالى الحاصِلُ لَها لَيْسَ اسْتِدْلالِيًّا بَلْ هو فِطْرِيٌّ، وكَوْنُهم أضَلَّ سَبِيلًا مِنَ الأنْعامِ مِن حَيْثُ إنَّها رُزِقَتْ عِلْمًا بِرَبِّها تَعالى فَهي تُسَبِّحُهُ - عَزَّ وجَلَّ - بِهِ وهَؤُلاءِ لَمْ يُرْزَقُوا ذَلِكَ فَهم في غايَةِ الضَّلالِ.
{"ayah":"أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ یَسۡمَعُونَ أَوۡ یَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق