الباحث القرآني

﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلا إفْكٌ﴾ القائِلُونَ- كَما أخْرَجَهُ جَمْعٌ عَنْ قَتادَةَ - هم مُشْرِكُو العَرَبِ لا جَمِيعَ الكَفّارِ بِقَرِينَةِ ادِّعاءٍ إعانَةِ بَعْضِ أهْلِ الكِتابِ لَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وقَدْ سُمِّيَ مِنهم في بَعْضِ الرِّواياتِ النَّضِرِ بْنِ الحارِثِ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ ونَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ غَلّاتُهم كَهَؤُلاءِ ومِن ضامَّهُمْ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسِ ما يُؤَيِّدُهُ، ورُوِيَ عَنِ الكَلْبِيِّ ومُقاتِلٍ أنَّ القائِلَ هو النَّضِرُ والجَمْعُ لِمُشايَعَةِ الباقِينَ لَهُ في ذَلِكَ، ومَن خَصَّ ضَمِيرَ ( اتَّخَذُوا ) بِمُشْرِكِي العَرَبِ وجَعَلَ المَوْصُولَ هُنا عِبارَةً عَنْهم كُلَّهم جَعَلَ وضْعَ المَوْصُولِ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِمْ لِذَمِّهِمْ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ والإيذانِ بِأنَّ ما تَفَوَّهُوا بِهِ كُفْرٌ عَظِيمٌ، وفي كَلِمَةِ ﴿هَذا﴾ حَطٌّ لِرُتْبَةِ المُشارِ إلَيْهِ أيْ قالُوا ما هَذا إلّا كَذِبٌ مَصْرُوفٌ عَنْ وجْهِهِ ﴿افْتَراهُ﴾ يُرِيدُونَ أنَّهُ اخْتَرَعَهُ رَسُولًا لِلَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿وأعانَهُ عَلَيْهِ﴾ أيْ عَلى افْتِرائِهِ واخْتِراعِهِ اِفْتِرائِهِ أوْ عَلى الإفْكِ ﴿قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ يَعْنُونَ اليَهُودَ بِأنْ يُلْقُوا إلَيْهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أخْبارَ الأُمَمِ الدّارِجَةِ وهو عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يُعَبِّرُ عَنْها بِعِبارَتِهِ، وقِيلَ: هم عَدّاسٌ، وقِيلَ: عائِشٌ مَوْلى حُوَيْطَبِينَ عَبَدَ العُزّى ويَسارُ مَوْلى العَلاءِ بْنِ الحَضْرَمِيِّ وجَبْرٌ مَوْلى عامِرٍ وكانُوا كِتابِيِّينَ يَقْرَؤُونَ التَّوْراةَ أسْلَمُوا وكانَ الرَّسُولُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَتَعَهَّدُهم فَقِيلَ ما قِيلَ، وقالَ المِبْرَدُ: عَنَوْا بِقَوْمٍ آخَرِينَ المُؤْمِنِينَ لِأنَّ آخَرَ لا يَكُونُ إلّا مِن جِنْسِ الأوَّلِ، وفِيهِ أنَّ الِاشْتِراكَ في الوَصْفِ غَيْرُ لازِمٍ ألا تَرى قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فِئَةٌ تُقاتِلُ في سَبِيلِ اللَّهِ وأُخْرى (p-235)كافِرَةٌ﴾ [آلُ عِمْرانَ: 13] ﴿فَقَدْ جاءُوا﴾ أيِ الَّذِينَ كَفَرُوا كَما هو الظّاهِرُ ﴿ظُلْمًا﴾ مَنصُوبٌ بِجاءُوا فَإنْ جاءَ وأتى يُسْتَعْمَلانِ في مَعْنى فِعْلٍ فَيَتَعَدِّيانِ تَعْدِيَتَهُ كَما قالَ الكِسائِيُّ، واخْتارَ هَذا الوَجْهَ الطَّبَرْسِيُّ وأنْشَدَ قَوْلَ طُرْفَةَ: ؎عَلى غَيْرِ ذَنْبٍ جِئْتُهُ غَيْرَ َأنَّنِي نَشَدْتُ فَلَمْ أغْفُلْ حُمُولَةَ مَعْبَدِ وقالَ الزَّجّاجُ: مَنصُوبٌ بِنَزْعِ الخافِضِ فَهو مِن بابِ الحَذْفِ والإيصالِ، وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ كَوْنَهُ حالًا أيْ ظالِمِينَ، والأوَّلُ أوْلى، والتَّنْوِينُ فِيهِ لِلتَّفْخِيمِ أيْ جاؤُوا بِما قالُوا ظُلْمًا هائِلًا عَظِيمًا لا يُقادِرُ قَدْرَهُ حَيْثُ جَعَلُوا الحَقَّ البَحْتَ الَّذِي لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِن خَلْفِهِ إفْكًا مُفْتَرًى مِن قِبَلِ البَشَرِ وهو مِن جِهَةِ نَظْمِهِ الرّائِقِ وطِرازِهِ الفائِقِ بِحَيْثُ لَوِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ والجِنُّ عَلى مُباراتِهِ لَعَجَزُوا عَنِ الإتْيانِ بِمِثْلِ آيَةٍ مِن آياتِهِ ومِن جِهَةِ اشْتِمالِهِ عَلى الحِكَمِ الخَفِيَّةِ والأحْكامِ المُسْتَتْبَعَةِ لِلسِّعاداتِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ والأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ بِحَيْثُ لا تَنالُهُ عُقُولُ البَشَرِ ولا تُحِيطُ بِفَهْمِهِ القُوى والقَدَرِ، وكَذا التَّنْوِينُ في ﴿وزُورًا﴾ أيْ وكَذِبًا عَظِيمًا لا يَبْلُغُ غايَتَهُ حَيْثُ قالُوا ما لا احْتِمالَ فِيهِ لِلصِّدْقِ أصْلًا، وسُمِّيَ الكَذِبُ زُورًا لِازْوِرارِهِ أيْ مَيْلِهِ عَنْ جِهَةِ الحَقِّ والفاءُ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلِها لَكِنْ لا عَلى أنَّهُما أمْرانِ مُتَغايِرانِ حَقِيقَةً يَقَعُ أحَدُهُما عُقَيْبَ الآخَرِ أوْ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ بَلْ عَلى أنَّ الثّانِي عَيْنُ الأوَّلِ حَقِيقَةً وإنَّما التَّرْتِيبُ بِحَسْبِ التَّغايُرِ الِاعْتِبارِيِّ، وقَدْ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ المَعْنى فَإنَّ ما جاءَهُ مِنَ الظُّلْمِ والزُّورِ هو عَيْنُ ما حُكِيَ عَنْهم لَكِنَّهُ لَمّا كانَ مُغايِرًا لَهُ في المَفْهُومِ وأظْهَرُ مِنهُ بُطْلانًا رَتَّبَ عَلَيْهِ بِالفاءِ تَرْتِيبَ اللّازِمِ عَلى المَلْزُومِ تَهْوِيلًا لِأمْرِهِ كَما قالَهُ شَيْخُ الإسْلامِ، وقِيلَ: ضَمِيرُ ﴿جاءُوا﴾ عائِدٌ عَلى قَوْمٍ آخَرِينَ، والجُمْلَةُ مِن مَقُولِ الكُفّارِ وأرادُوا أنَّ أُولَئِكَ المُعَيَّنِينَ جاؤُوا ظُلْمًا بِإعانَتِهِمْ وزُورًا بِما أعانُوا بِهِ وهو كَما تَرى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب