الباحث القرآني

﴿وكُلا﴾ مَنصُوبٌ بِمُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ما بَعْدَهُ، فَإنَّ ضَرْبَ المَثَلِ في مَعْنى التَّذْكِيرِ والتَّحْذِيرِ، والمَحْذُوفُ الَّذِي عَوَّضَ عَنْهُ التَّنْوِينُ عِبارَةٌ إمّا عَنِ الأُمَمِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ أسْبابُ إهْلاكِهِمْ وإمّا عَنِ الكُلِّ، فَإنَّ ما حُكِيَ عَنْ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ وعَنْ قَوْمِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - تَكْذِيبُهم لِلْآياتِ والرُّسُلِ لا عَدَمُ التَّأثُّرِ مِنَ الأمْثالِ المَضْرُوبَةِ، أيْ: ذَكَّرْنا وأنْذَرْنا كُلَّ واحِدٍ مِنَ المَذْكُورِينَ ﴿ضَرَبْنا لَهُ الأمْثالَ﴾ أيْ: بَيَّنّا لِكُلٍّ القَصَصَ العَجِيبَةَ الزّاجِرَةَ عَمّا هم عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ والمَعاصِي بِواسِطَةِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - وقِيلَ: ضَمِيرُ لَهُ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - والمَعْنى (p-21)وكُلَّ الأمْثالِ ضَرَبْناهُ لِلرَّسُولِ، فَيَكُونُ ( كُلًّا ) مَنصُوبًا بِـ(ضَرَبْنا) والأمْثالَ بَدَلًا مِنهُ عَلى ما في البَحْرِ، وفِيهِ أنَّهُ أبْعَدَ مَن ذَهَبَ إلى ذَلِكَ، وعِنْدِي أنَّهُ مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُفَسَّرَ بِهِ كَلامُ اللَّهِ تَعالى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكُلا﴾ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿تَبَّرْنا تَتْبِيرًا﴾ وتَقْدِيمُهُ لِلْفاصِلَةِ، وقِيلَ: لِإفادَةِ القَصْرِ عَلى أنَّ المَعْنى كُلًّا لا بَعْضًا، وتُعُقِّبَ بِأنَّ لَفْظَ (كُلٍّ) يُفِيدُ ذَلِكَ، ويُمْكِنُ تَوْجِيهُ ذَلِكَ بِالعِنايَةِ، وأصْلُ التَّتْبِيرِ التَّفْتِيتُ، قالَ الزَّجّاجُ: كُلُّ شَيْءٍ كَسَرْتَهُ وفَتَّتَّهُ فَقَدْ تَبَّرْتَهُ، ومِنهُ التِّبْرُ لِفُتاتِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، والمُرادُ بِهِ التَّمْزِيقُ والإهْلاكُ، أيْ: أهْلَكْنا كُلَّ واحِدٍ مِنهم إهْلاكًا عَجِيبًا هائِلًا لِما أنَّهم لَمْ يَتَأثَّرُوا بِذَلِكَ ولَمْ يَرْفَعُوا لَهُ رَأْسًا، وتَمادَوْا عَلى ما هم عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ والعُدْوانِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب