الباحث القرآني

﴿المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ﴾ أيِ السَّلْطَنَةُ القاهِرَةُ والِاسْتِيلاءُ الكُلِّيُّ العامُّ الثّابِتُ صُورَةً ومَعْنًى ظاهِرًا وباطِنًا بِحَيْثُ لا زَوالَ لَهُ ثابِتٌ لِلرَّحْمَنِ يَوْمَ إذْ تَشَقَّقُ السَّماءُ وتَنْزِلُ المَلائِكَةُ، فالمُلْكُ مُبْتَدَأٌ والحَقُّ صِفَتُهُ ولِلرَّحْمَنِ خَبَرُهُ ويَوْمَئِذٍ ظَرْفٌ لِثُبُوتِ الخَبَرِ لِلْمُبْتَدَأِ، وفائِدَةُ التَّقْيِيدِ أنَّ ثُبُوتَ المُلْكِ لَهُ تَعالى خاصَّةً يَوْمَئِذٍ، وأمّا فِيما عَداهُ مِن أيّامِ الدُّنْيا فَيَكُونُ لِغَيْرِهِ عَزَّ وجَلَّ أيْضًا تَصَرُّفٌ صُورِيٌّ في الجُمْلَةِ، واخْتارَ هَذا بَعْضُ المُحَقِّقِينَ، ولَعَلَّ أمْرَ الفَصْلِ بَيْنَ الصِّفَةِ والمَوْصُوفِ بِالظَّرْفِ المَذْكُورِ سَهْلٌ، وقِيلَ: المَلِك مُبْتَدَأٌ ويَوْمَئِذٍ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وهو بِمَعْنى (p-11)المالِكِيَّةِ والحَقُّ خَبَرُهُ ولِلرَّحْمَنِ مُتَعَلِّقٌ بِالحَقِّ، وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ نُكْتَةُ إيرادِ المُسْنَدِ مُعَرَّفًا فَإنَّ الظّاهِرَ عَلَيْهِ أنْ يُقالَ: المُلْكُ يَوْمَئِذٍ حَقٌّ لِلرَّحْمَنِ، وأُجِيبَ بِأنَّ في تَعَلُّقِهِ بِما ذُكِرَ تَأْكِيدًا لِما يُفِيدُ تَعْرِيفَ الطَّرَفَيْنِ، وقِيلَ: هو مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ عَلى التَّبْيِينِ كَما في (سَقْيًا لَكَ) والمُبَيَّنُ مِن لَهُ المُلْكُ، وقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِلْحَقِّ وهو كَما تَرى، وقِيلَ يَوْمَئِذٍ هو الخَبَرُ والحَقُّ نَعْتٌ لِلْمُلْكِ ولِلرَّحْمَنِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وفِيهِ الفَصْلُ بَيْنَ الصِّفَةِ والمَوْصُوفِ بِالخَبَرِ فَلا تَغْفُلْ. ومَنَعُوا تَعَلُّقَ يَوْمَئِذٍ فِيما - إذا لَمْ يَكُنْ خَبَرًا - بِالحَقِّ وعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأنَّهُ مَصْدَرٌ، والمَصْدَرُ لا تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ صِلَتُهُ ولَوْ ظَرْفًا وفِيهِ بَحْثٌ، والجُمْلَةُ عَلى أكْثَرِ الِاحْتِمالاتِ السّابِقَةِ في عامِلِ يَوْمٍ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ أحْوالِ ذَلِكَ اليَوْمِ وأهْوالِهِ، وإيرادُهُ تَعالى بِعُنْوانِ الرَّحْمانِيَّةِ لِلْإيذانِ بِأنَّ اتِّصافَهُ عَزَّ وجَلَّ بِغايَةِ الرَّحْمَةِ لا يُهَوِّنُ الخَطْبَ عَلى الكَفَرَةِ المُشارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكانَ يَوْمًا عَلى الكافِرِينَ عَسِيرًا﴾ أيْ وكانَ ذَلِكَ اليَوْمُ مَعَ كَوْنِ المُلْكِ فِيهِ لِلَّهِ تَعالى المُبالِغِ في الرَّحْمَةِ بِعِبادِهِ شَدِيدًا عَلى الكافِرِينَ، والمُرادُ شِدَّةُ ما فِيهِ مِنَ الأهْوالِ، وفَسَّرَ الرّاغِبُ العَسِيرَ بِما لا يَتَيَسَّرُ فِيهِ أمْرٌ، والجُمْلَةُ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ، وفِيها إشارَةٌ إلى كَوْنِ ذَلِكَ اليَوْمِ يَسِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وفي الحَدِيثِ: ««إنَّهُ يُهَوَّنُ عَلى المُؤْمِنِ حَتّى يَكُونَ أخَفَّ عَلَيْهِ مِن صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ صَلّاها في الدُّنْيا»».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب