الباحث القرآني

﴿أصْحابُ الجَنَّةِ﴾ هُمُ المُؤْمِنُونَ المُشارُ إلَيْهِمْ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أذَلِكَ خَيْرٌ أمْ جَنَّةُ الخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أيْ يَوْمَ إذْ يَكُونُ ما ذُكِرَ مِنَ القُدُومِ إلى أعْمالِهِمْ وجَعْلِها هَباءً مَنثُورًا، أوْ مِن هَذا وعَدَمِ التَّبْشِيرِ، وقَوْلِهِمْ: حِجْرًا مَحْجُورًا ﴿خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا﴾ المُسْتَقَرُّ المَكانُ الَّذِي يُسْتَقَرُّ فِيهِ في أكْثَرِ الأوْقاتِ لِلتَّجالُسِ والتَّحادُثِ ﴿وأحْسَنُ مَقِيلا﴾ المَقِيلُ المَكانُ الَّذِي يُؤْوى إلَيْهِ لِلِاسْتِرْواحِ إلى الأزْواجِ والتَّمَتُّعِ بِمُغازَلَتِهِنَّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأنَّ التَّمَتُّعَ بِهِ يَكُونُ وقْتَ القَيْلُولَةِ غالِبًا، وقِيلَ: هو في الأصْلِ مَكانُ القَيْلُولَةِ - وهي النَّوْمُ نِصْفَ النَّهارِ- ونُقِلَ مِن ذَلِكَ إلى مَكانِ التَّمَتُّعِ بِالأزْواجِ لِأنَّهُ يُشْبِهُهُ في كَوْنِ كُلٍّ مِنهُما مَحَلَّ خَلْوَةٍ واسْتِراحَةٍ، فَهو اسْتِعارَةٌ، وقِيلَ: أُرِيدَ بِهِ مَكانُ الِاسْتِرْواحِ مُطْلَقًا اسْتِعْمالًا لِلْمُقَيَّدِ في المُطْلَقِ، فَهو مَجازٌ مُرْسَلٌ، وإنَّما لَمْ يَبْقَ عَلى الأصْلِ لِما أنَّهُ لا نَوْمَ في الجَنَّةِ أصْلًا. وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ في الزُّهْدِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - لا يَنْتَصِفُ النَّهارُ مِن يَوْمِ القِيامَةِ حَتّى يَقِيلَ هَؤُلاءِ وهَؤُلاءِ، ثُمَّ قَرَأ ﴿أصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وأحْسَنُ مَقِيلا﴾ وقَرَأ «إنَّ مَقِيلَهم لَإلى الجَحِيمِ» وأخَذَ مِنهُ بَعْضُهم أنَّ المُرادَ بِالمُسْتَقَرِّ مَوْضِعُ الحِسابِ، وبِالمَقِيلِ مَحَلُّ الِاسْتِراحَةِ بَعْدَ الفَراغِ مِنهُ، ومَعْنى يَقِيلُ هَؤُلاءِ يَعْنِي أصْحابَ الجَنَّةِ يُنْقَلُونَ إلَيْها وقْتَ القَيْلُولَةِ، وقِيلَ: المُسْتَقَرُّ والمَقِيلُ في المَحْشَرِ قَبْلَ دُخُولِ الجَنَّةِ، أوِ المُسْتَقَرُّ فِيها والمَقِيلُ فِيهِ. فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ سَعِيدٍ الصَّوّافِ قالَ: بَلَغَنِي أنَّ يَوْمَ القِيامَةِ يَقْصُرُ عَلى المُؤْمِنِ حَتّى يَكُونَ كَما بَيْنَ العَصْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وإنَّهم لَيَقِيلُونَ في رِياضٍ حَتّى يَفْرَغَ النّاسُ مِنَ الحِسابِ، وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وأحْسَنُ مَقِيلا﴾ وفي وصْفِهِ بِزِيادَةِ الحُسْنِ مَعَ حُصُولِ الخَيْرِيَّةِ بِعَطْفِهِ عَلى المُسْتَقَرِّ رَمْزٌ إلى أنَّ لَهم ما يُتَزَيَّنُ بِهِ مِن حُسْنِ الصُّوَرِ وغَيْرِهِ مِنَ التِحاسِينِ؛ فَإنَّ حُسْنَ المَنزِلِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِاعْتِبارِ ما يَرْجِعُ لِصاحِبِهِ لَمْ تَتِمَّ المَسَرَّةُ بِهِ، والتَّفْضِيلُ المُعْتَبَرُ فِيهِما المَسَرَّةُ إمّا لِإرادَةِ الزِّيادَةِ عَلى الإطْلاقِ، أيْ هم في أقْصى ما يَكُونُ مِن خَيْرِيَّةِ المُسْتَقَرِّ وحُسْنِ المَقِيلِ، وإمّا بِالإضافَةِ إلى ما لِلْكَفَرَةِ المُتَنَعِّمِينَ في الدُّنْيا (p-9)أوْ إلى ما لَهم في الآخِرَةِ بِطَرِيقِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ، هَذا وتَفْسِيرُ المُسْتَقَرِّ والمَقِيلِ بِالمَكانَيْنِ حَسْبَما سَمِعْتَ هو المَشْهُورُ، وهو أحَدُ احْتِمالاتٍ تِسْعَةٍ، وذَلِكَ أنَّهم جَوَّزُوا أنْ يَكُونَ كِلاهُما اسْمَ مَكانٍ أوِ اسْمَ زَمانٍ أوْ مَصْدَرًا، وأنْ يَكُونَ الأوَّلُ اسْمَ مَكانٍ والثّانِي اسْمَ زَمانٍ أوْ مَصْدَرًا، وأنْ يَكُونَ الأوَّلُ اسْمَ زَمانٍ والثّانِي اسْمَ مَكانٍ أوْ مَصْدَرًا، وأنْ يَكُونَ الأوَّلُ مَصْدَرًا والثّانِي اسْمَ مَكانٍ أوِ اسْمَ زَمانٍ، وما شِئْتَ تَخَيَّلْ في خَيْرِيَّةِ زَمانِ أصْحابِ الجَنَّةِ وأحْسَنِيَّتِهِ، وكَذا في خَيْرِيَّةِ اسْتِقْرارِهِمْ وأحْسَنِيَّةِ اسْتِراحَتِهِمْ يَوْمَئِذٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب