الباحث القرآني
﴿وقَدِمْنا﴾ أيْ عَمَدْنا وقَصَدْنا، كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ ﴿إلى ما عَمِلُوا﴾ في الدُّنْيا ﴿مِن عَمَلٍ﴾ فَخِيمٍ كَصِلَةِ رَحِمٍ، وإغاثَةِ مَلْهُوفٍ، وقَرْيِ ضَعِيفٍ، ومَنٍّ عَلى أسِيرٍ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِن مَكارِمِهِمْ ومَحاسِنِهِمُ الَّتِي لَوْ كانُوا عَمِلُوها مَعَ الإيمانِ لَنالُوا ثَوابَها، والجارُّ والمَجْرُورُ بَيانٌ لِما، وصِحَّةُ البَيانِ بِاعْتِبارِ التَّنْكِيرِ كَصِحَّةِ الِاسْتِثْناءِ في ﴿إنْ نَظُنُّ إلا ظَنًّا﴾ لَكِنَّ التَّنْكِيرَ هاهُنا لِلتَّفْخِيمِ كَما أشَرْنا إلَيْهِ.
وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ لِلتَّعْمِيمِ ودَفْعِ ما يُتَوَهَّمُ مِنَ العَهْدِ في المَوْصُولِ، أيْ عَمَدْنا إلى كُلِّ عَمَلٍ عَمِلُوهُ خالٍ عَنِ الإيمانِ، ولَعَلَّ الأوَّلَ أنْسَبُ بُقُولِهِ تَعالى: ﴿فَجَعَلْناهُ هَباءً﴾ مِثْلَ هَباءٍ في الحَقارَةِ وعَدَمِ الجَدْوى، وهو عَلى ما أخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، والفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ - وهَجُ الغُبارِ يَسْطَعُ ثُمَّ يَذْهَبُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - أنَّهُ الشَّرَرُ الَّذِي يَطِيرُ مِنَ النّارِ إذا اضْطَرَمَتْ، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّهُ الماءُ المُهَراقُ.
وعَنْ يَعْلى بْنِ عُبَيْدٍ أنَّهُ الرَّمادُ.
وأخْرَجَ جَماعَةٌ، عَنْ مُجاهِدٍ، والحَسَنِ، وعِكْرِمَةَ وأبِي مالِكٍ وعامِرٍ أنَّهُ شُعاعُ الشَّمْسِ في الكُوَّةِ، وكَأنَّهم أرادُوا ما يُرى فِيهِ مِنَ الغُبارِ كَما هو المَشْهُورُ عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ، قالَ الرّاغِبُ: الهَباءُ دُقاقُ التُّرابِ وما انْبَثَّ في الهَواءِ فَلا يَبْدُو إلّا في أثْناءِ ضَوْءِ الشَّمْسِ في الكُوَّةِ، ويُقالُ: هَبا الغُبارُ يَهْبُو إذا ثارَ وسَطَعَ، ووُصِفَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَنثُورًا﴾ مُبالَغَةً في إلْغاءِ أعْمالِهِمْ، فَإنَّ الهَباءَ تَراهُ مُنْتَظِمًا مَعَ الضَّوْءِ فَإذا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ تَناثَرَ وذَهَبَ كُلَّ مَذْهَبٍ، فَلَمْ يَكْفِ أنَّ شَبَّهَ أعْمالَهم بِالهَباءِ حَتّى جَعَلَهُ مُتَناثِرًا لا يُمْكِنُ جَمْعُهُ والِانْتِفاعُ بِهِ أصْلًا، ومِثْلُ هَذا الإرْدافِ يُسَمّى في البَدِيعِ بِالتَّتْمِيمِ والإيغالِ، ومِنهُ قَوْلُ الخَنْساءِ:
؎أغَرُّ أبْلَجُ تَأْتَمُّ الهُداةُ بِهِ كَأنَّهُ عَلَمٌ في رَأْسِهِ نارُ
حَيْثُ لَمْ يَكْفِها أنْ جَعَلَتْهُ عَلَمًا في الهِدايَةِ حَتّى جَعَلَتْهُ في رَأْسِهِ نارٌ، وقِيلَ: وُصِفَ بِالمَنثُورِ أيِ المُتَفَرِّقِ لِما أنَّ أغْراضَهم في أعْمالِهِمْ مُتَفَرِّقَةً، فَيَكُونُ جَعْلُ أعْمالِهِمْ هَباءً مُتَفَرِّقًا جَزاءً مِن جِنْسِ العَمَلِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بَعْدَ مَفْعُولٍ لِـ(جَعَلَ) وهو مُرادُ مَن قالَ: مَفْعُولًا ثالِثًا لَها عَلى مَعْنى جَعَلْناهُ جامِعًا لِحَقارَةِ الهَباءِ والتَّناثُرِ، ونَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾ أيْ: جامِعِينَ لِلْمَسْخِ والخَسْءِ، وفِيهِ خِلافُ ابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُجَوِّزْ أنْ يَكُونَ لِكانَ خَبَرُ إنَّ، وقِياسُ قَوْلِهِ: أنْ يُمْنَعَ أنْ يَكُونَ لِـ(جَعَلَ) مَفْعُولٌ ثالِثٌ، ومَعَ هَذا الظّاهِرُ الوَصْفِيَّةُ، وفي الكَلامِ اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ حَيْثُ مُثِّلَتْ حالُ هَؤُلاءِ الكَفَرَةِ وحالُ أعْمالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوها (p-8)فِي كُفْرِهِمْ بِحالِ قَوْمٍ خالَفُوا سُلْطانَهم واسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، فَقَدِمَ إلى أشْيائِهِمْ وقَصَدَ إلى ما تَحْتَ أيْدِيهِمْ فَأفْسَدَها وجَعَلَها شَذَرَ مَذَرَ، ولَمْ يَتْرُكْ لَها مِن عَيْنٍ ولا أثَرٍ، واللَّفْظُ المُسْتَعارُ وقَعَ فِيهِ اسْتِعْمالُ- قَدِمَ- بِمَعْنى عَمَدَ وقَصَدَ لِاشْتِهارِهِ فِيهِ وإنْ كانَ مَجازًا كَما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلامُ الأساسِ، ويُسَمّى القَصْدُ المُوصِلُ إلى المَقْصِدِ قُدُومًا لِأنَّهُ مُقَدِّمَتُهُ، وتَضَمَّنَ التَّمْثِيلُ تَشْبِيهَ أعْمالِهِمُ المُحْبَطَةِ بِالهَباءِ المَنثُورِ بِدُونِ اسْتِعارَةٍ، فَلا إشْكالَ عَلى ما قِيلَ، والكَلامُ في ذَلِكَ طَوِيلٌ فَلْيُطْلَبْ مِن مَحَلِّهِ.
وجَعَلَ بَعْضُهُمُ القُدُومَ في حَقِّهِ عَزَّ وجَلَّ عِبارَةً عَنْ حُكْمِهِ، وقِيلَ: الكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ قَدِمَ مَلائِكَتُنا، وأُسْنِدَ ذَلِكَ إلَيْهِ عَزَّ وجَلَّ لِأنَّهُ عَنْ أمْرِهِ سُبْحانَهُ، ونُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أنَّهُ لا يُؤَوَّلُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجاءَ رَبُّكَ﴾ وقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ﴾ عَلى ما هو عادَتُهم في الصِّفاتِ المُتَشابِهَةِ، وقِياسُ ذَلِكَ عَدَمُ التَّأْوِيلِ في الآيَةِ، ولَعَلَّهُ مِن هُنا قِيلَ: إنَّ تَأْوِيلَ الزَّمَخْشَرِيِّ لَها بِناءً عَلى مُعْتَقَدِهِ مِن إنْكارِ الصِّفاتِ، والقَلْبُ إلى التَّأْوِيلِ فِيها أمْيَلُ.
وأنْتَ إنْ لَمْ تُؤَوِّلِ القُدُومَ فَلا بُدَّ لَكَ أنْ تُؤَوِّلَ جَعْلَها هَباءً مَنثُورًا بِإظْهارِ بُطْلانِها بِالكُلِّيَّةِ وإلْغائِها عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبارِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، ولا يَأْبى ذَلِكَ السَّلَفُ
{"ayah":"وَقَدِمۡنَاۤ إِلَىٰ مَا عَمِلُوا۟ مِنۡ عَمَلࣲ فَجَعَلۡنَـٰهُ هَبَاۤءࣰ مَّنثُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











