الباحث القرآني
﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ لَهُ سُبْحانَهُ خاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ لا اسْتِقْلالًا ولا اشْتِراكًا السُّلْطانُ القاهِرُ والِاسْتِيلاءُ الباهِرُ عَلَيْهِما المُسْتَلْزِمُ لِلْقُدْرَةِ التّامَّةِ والتَّصَرُّفِ الكُلِّيِّ فِيما إيجادًا وإعْدامًا وإحْياءً وإماتَةً وأمْرًا ونَهْيًا حَسْبَما تَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ المَبْنِيَّةُ عَلى الحُكْمِ والمَصالِحِ، ومَحَلُّ المَوْصُولِ الرَّفْعُ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنِفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِما قَبْلِها أوْ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِلْمَوْصُولِ الأوَّلِ أوْ بَيانٌ لَهُ أوْ بَدَلٌ مِنهُ، وما بَيْنَهُما لَيْسَ بِأجْنَبِيٍّ لِأنَّهُ مِن تَمامِ الصِّلَةِ ومُتَعَلِّقٌ بِها فَلا يَضُرُّ الفَصْلُ بِهِ بَيْنَ التّابِعِ والمَتْبُوعِ كَما في البَحْرِ أوْ مَحَلِّهِ الرَّفْعِ أوِ النَّصْبِ عَلى المَدْحِ بِتَقْدِيرٍ هو أوْ أمْدَحُ.
واخْتارَ الطِّيبِيُّ أنَّ مَحَلَّهُ الرَّفْعُ عَلى الإبْدالِ وعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِأنَّ مِن حَقِّ الصِّلَةِ أنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً عِنْدَ المُخاطَبِ وتَكُ الصِّلَةُ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً عِنْدَ المُعانِدِينَ فَأبْدِلْ ( الَّذِي لَهُ ) إلَخْ بَيانًا وتَفْسِيرًا وهو بَعِيدٌ مِن مِثْلِهِ وسُبْحانَهُ مَن لا يُعابُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ﴿ولَمْ يَتَّخِذْ ولَدًا﴾ أيْ لَمْ يَنْزِلْ أحَدٌ مَنزِلَةَ الوَلَدِ، وقِيلَ أيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ولَدٌ كَما يَزْعُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ في حَقِّ المَسِيحِ وعُزَيْرٍ والمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ما يَقُولُونَ فَسُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى ما قَبْلِها مِنَ الجُمْلَةِ الظَّرْفِيَّةِ وكَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ في المُلْكِ﴾ أيْ مُلْكِ السَّماواتِ والأرْضِ، وأفْرَدَ بِالذِّكْرِ مَعَ أنَّ ما ذَكَرَ مِنِ اخْتِصاصِ مَلِكِهِما بِهِ تَعالى مُسْتَلْزِمٌ لَهُ قَطْعًا لِلتَّصْرِيحِ بِبُطْلانِ زَعْمِ الثَّنَوِيَّةِ القائِلِينَ بِتَعَدُّدِ الآلِهَةِ والرَّدِّ في نُحُورِهِمْ وتَسَيُّطِ نَفْيِ اتِّخاذِ الوَلَدِ بَيْنَهُما لِلتَّنْبِيهِ عَلى اسْتِقْلالِهِ وأصالَتِهِ (p-233)والِاحْتِرازِ عَنْ تَوَهُّمٍ كَوْنُهُ تَتِمَّةً لِلْأوَّلِ ﴿وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أيْ أحْدَثَهُ إحْداثًا جارِيًا عَلى سُنَنِ التَّقْدِيرِ والتَّسْوِيَةِ حَسْبَما اقْتَضَتْهُ إرادَتُهُ المَبْنِيَّةُ عَلى الحِكَمِ البالِغَةِ كَخِلْقَةِ الإنْسانِ مِن مَوادٍّ مَخْصُوصَةٍ وصُوَرٍ وأشْكالٍ مُعَيَّنَةٍ ﴿فَقَدَّرَهُ﴾ أيْ هَيَّأهُ لِما أرادَ بِهِ مِنَ الخَصائِصِ والأفْعالِ اللّائِقَةِ بِهِ واسْتِنْباطِ الصَّنائِعِ المُتَنَوِّعَةِ ومُزاوَلَةِ الأعْمالِ المُخْتَلِفَةِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ فَلا تَكْرارَ في الآيَةِ لِما ظَهَرَ مِن أنَّ التَّقْدِيرَ الدّالَّ عَلَيْهِ الخَلْقُ بِمَعْنى التَّسْوِيَةِ والمُعَبَّرِ عَنْهُ بِلَفْظِهِ بِمَعْنى التَّهْيِئَةِ وهُما غَيْرانَ والخَلْقُ عَلى هَذا عَلى حَقِيقَتِهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الخَلْقُ مَجازًا بَلْ مَنقُولًا عُرْفِيًّا في مَعْنى الإحْداثِ والإيجادُ غَيْرُ مُلاحَظٍ فِيهِ التَّقْدِيرُ وإنْ لَمْ يَخْلُ عَنْهُ ولِهَذا صَحَّ التَّجَوُّزُ ويَكُونُ التَّصْرِيحُ بِالتَّقْدِيرِ دَلالَةً عَلى أنَّ كُلَّ واحِدٍ مَقْصُودٌ بِالذّاتِ فَكَأنَّهُ قِيلَ وأوْجَدَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ في إيجادِهِ لَمْ يُوجِدْهُ مُتَفاوِتًا بَلْ أوْجَدَهُ مُتَناصِفًا مُتَناسِبًا، وقِيلَ التَّقْدِيرُ الثّانِي هو التَّقْدِيرُ لِلْبَقاءِ إلى الأجَلِ المُسَمّى فَكَأنَّهُ قِيلَ وأوْجَدَ كُلَّ شَيْءٍ عَلى سُنَنِ التَّقْدِيرِ فَأدامَهُ إلى الأجَلِ المُسَمّى والقَوْلُ الأوَّلُ مُخْتارُ الزَّجّاجِ وهو كَما في الكَشْفِ أظْهَرُ والفاءُ عَلَيْهِ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرْتِيبِ.
وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ في الكَلامِ قَلْبًا وهو عَلى ما فِيهِ لا يَدْفَعُ لُزُومَ التَّكْرارِ بِدُونِ أحَدِ الأوْجُهِ المَذْكُورَةِ كَما لا يَخْفى، وجُمْلَةُ( خَلَقَ ) إلَخْ عَطْفٌ عَلى ما تَقَدَّمَ وفِيها رَدٌّ عَلى الثَّنَوِيَّةِ القائِلِينَ بِأنَّ خالِقَ الشَّرِّ غَيْرُ خالِقِ الخَيْرِ ولا يَضُرُّ كَوْنُهُ مَعْلُومًا مِمّا تَقَدَّمَ لِأنَّها تُفِيدُ فائِدَةً جَدِيدَةً لِما فِيها مِنَ الزِّيادَةِ، وقِيلَ: هي رَدٌّ عَلى ما يَعْتَقِدُ اعْتِقادَ المُعْتَزِلَةِ في أفْعالِ الحَيَواناتِ الِاخْتِيارِيَّةِ. وفي إرْشادِ العَقْلِ السَّلِيمِ أنَّها جارِيَةٌ مَجْرى العَلِيلِ لِما قَبْلِها مِنَ الجُمَلِ المُنْتَظِمَةِ في سِلْكِ الصِّلَةِ فَإنَّ خَلْقَهُ تَعالى لِجَمِيعِ الأشْياءِ عَلى النَّمَطِ البَدِيعِ كَما يَقْتَضِي اسْتِقْلالَهُ تَعالى بِاتِّصافِهِ بِصِفاتِ الأُلُوهِيَّةِ يَقْتَضِي انْتِظامَ كُلِّ ما سِواهُ كائِنًا ما كانَ تَحْتَ مَلَكُوتِهِ القاهِرِ بِحَيْثُ لا يَشِذُّ مِن ذَلِكَ شَيْءٌ ومَن كانَ كَذَلِكَ كَيْفَ يَتَوَهَّمُ كَوْنُهُ ولَدًا لَهُ سُبْحانَهُ أوْ شَرِيكًا في مُلْكِهِ عَزَّ وجَلَّ، وذَكَرَ الطَّيِّبِيُّ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ تَوْطِئَةٌ وتَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لَمْ يَتَّخِذْ ولَدًا ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ في المُلْكِ﴾ وأرْدَفَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ لِما أنَّ كَوْنَهُ سُبْحانَهُ بَدِيعُ السَّمَواتِ والأرْضِ وفاطِرُهُما ومالِكُهُما مُنافٍ لِاِتِّخاذِ الوَلَدِ والشَّرِيكِ قالَ تَعالى: ﴿بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ أنّى يَكُونُ لَهُ ولَدٌ﴾ [الأنْعامُ: 101] الآيَةُ، وقَدْ يُقالُ: إنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ تَصْرِيحٌ بِما عُلِمَ قَبْلُ لِيَكُونَ التَّشْنِيعُ عَلى المُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
{"ayah":"ٱلَّذِی لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ یَتَّخِذۡ وَلَدࣰا وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ شَرِیكࣱ فِی ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَیۡءࣲ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











