الباحث القرآني
﴿قُلْ﴾ تَقْرِيعًا لَهم وتَهَكُّمًا بِهِمْ وتَحْسِيرًا عَلى ما فاتَهم ﴿أذَلِكَ﴾ إشارَةً إلى ما ذُكِرَ مِنَ السَّعِيرِ بِاعْتِبارِ اتِّصافِها بِما فَصَلَ مِنَ الأحْوالِ الهائِلَةِ فَإنَّها الَّتِي كَثِيرًا ما تُقابَلُ بِالجَنَّةِ، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإشْعارِ بِكَوْنِها في الغايَةِ القاصِيَةِ مِنَ الهَوْلِ والفَظاعَةِ، وقِيلَ: إشارَةٌ إلى ما ذَكَرَ مِنَ الجَنَّةِ والكَنْزِ في قَوْلِهِمْ: أوْ يَلْقى إلَيْهِ كَنْزٌ إلَخْ.
وقِيلَ: إلى الجَنَّةِ والقُصُورِ المَجْعُولَةِ في الدُّنْيا عَلى تَقْدِيرِ المَشِيئَةِ وكِلا القَوْلَيْنِ لا يُعَوَّلُ عَلَيْهِما لا سِيَّما الأخِيرِ أيْ ذَلِكَ الَّذِي ذُكِرَ مِنَ السَّعِيرِ الَّتِي اعْتَدَّتْ لِمَن كَذَّبَ بِالسّاعَةِ وشَأْنُها كِيتْ وكِيتْ وشَأْنُ أهْلِها ذَيْتٌ ذَيْتٌ﴿خَيْرٌ أمْ جَنَّةُ الخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ﴾ أيْ وُعِدَها المُتَّقُونَ لِأنَّ وعْدَ تَتَعَدّى لِمَفْعُولَيْنِ وهَذا المَحْذُوفُ هو العائِدُ عَلى المَوْصُولِ وإضافَةُ الجَنَّةِ إلى الخُلْدِ إنْ كانَتْ نِسْبَةُ الإضافَةِ مَعْلُومَةً لِلْمَدْحِ فَإنَّ المَدْحَ يَكُونُ بِما هو مَعْلُومٌ، وإنْ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً فَلِإفادَةِ خُلُودِ الجَنَّةِ، ولا يَخْدِشُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خالِدِينَ﴾ بَعْدُ لِأنَّهُ لِلدَّلالَةِ عَلى خُلُودِ أهْلِها لا خُلُودُها في نَفْسِها وإنْ تَلازَما أوْ أنَّ ذَلِكَ لِلتَّمْيِيزِ عَنْ جَنّاتِ الدُّنْيا، وقِيلَ: إنَّ جَنَّةَ الخُلْدِ عِلْمٌ كَجَنَّةِ عَدْنٍ، والمُرادُ بِالمُتَّقِينَ المُتَّصِفُونَ بِمُطْلَقِ التَّقْوى لا بِالمَرْتَبَةِ الثّانِيَةِ أوِ الثّالِثَةِ مِنها فَقَطْ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ مُقابَلَتُهم بِالكافِرِينَ في النَّظْمِ الكَرِيمِ، وقِيلَ:
يَجُوزُ أنْ يُرادَ الكامِلُونَ في التَّقْوى ووَعَدَها إيّاهم وعْدَ دُخُولِها ابْتِداءً دُونَ (p-246)سَبْقِ عَذابٍ وهو مُخْتَصٌّ بِهِمْ ولَيْسَ بِذاكَ، والتَّرْدِيدُ والتَّفْضِيلُ في ﴿خَيْرٌ﴾ مَعَ أنَّهُ لا شَكَّ في أنَّهُ لا خَيْرِيَّةَ في السَّعِيرِ لِلتَّهَكُّمِ والتَّقْرِيعِ كَما أشَرْنا إلَيْهِ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: حَيْثُ كانَ الكَلامُ اسْتِفْهامًا جازَ فِيهِ مَجِيءُ لَفْظَةِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الجَنَّةِ والسَّعِيرِ في الخَيْرِ لِأنَّ المَوْقِفَ جائِزٌ لَهُ أنْ يُوقَفَ مَحاوِرَهُ عَلى ما شاءَ لِيَرى هَلْ يُجِيبُهُ بِالصَّوابِ أوْ بِالخَطَإ، وإنَّما مُنِعَ سِيبَوَيْهُ وغَيْرُهُ مِنَ التَّفْضِيلِ إذا كانَ الكَلامُ خَبَرًا لِأنَّ فِيهِ مُخالَفَةَ الواقِعِ، وأمّا إذا كانَ اسْتِفْهامًا فَذَلِكَ سائِغٌ، وقالَ أبُو حَيّانَ: إنَّ ﴿خَيْرٌ﴾ هُنا لَيْسَ لِلدَّلالَةِ عَلى الأفْضَلِيَّةِ بَلْ هو عَلى ما جَرَتْ بِهِ عادَةُ العَرَبِ في بَيانِ فَضْلِ الشَّيْءِ وخُصُوصِيَّتِهِ بِالفَضْلِ دُونَ مُقابِلِهِ كَقَوْلِ حَسّانٍ:
؎«فَشَرُّكُما لِخَيْرِكُما الفِداءُ» .
وقَوْلُهُمُ: الشَّقاءُ أحَبُّ إلَيْكَ أمِ السَّعادَةُ والعَسَلُ أحْلى مِنَ الخَلِّ، وقَوْلُهُ تَعالى حِكايَةٌ عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿السِّجْنُ أحَبُّ إلَيَّ﴾ [يُوسُفُ: 33] ولا اخْتِصاصَ لِذَلِكَ في اسْتِفْهامٍ أوْ خَبَرٍ.
وما ذَكَّرَ مِن أمْثِلَةِ الخَبَرِ يَرُدُّ عَلى ابْنِ عَطِيَّةَ إلّا أنْ يُقَيِّدَ الخَيْرَ الَّذِي ادَّعى مَنعَ سِيبَوَيْهِ فِيهِ بِما لَمْ يَكُنِ الحُكْمُ فِيهِ واضِحًا أمّا إذا كانَ الحُكْمُ فِيهِ واضِحًا لِلسّامِعِ بِحَيْثُ لا يَخْتَلِجُ في ذِهْنِهِ ولا يَتَرَدَّدُ في الأفْضَلِ فَإنَّ التَّفْضِيلَ يَجُوزُ فِيهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ الكَلامِ في هَذا المَقامِ وما أشَرْنا إلَيْهِ هُنا أوْلى بِالِاعْتِبارِ مِمّا أشارَ ابْنُ عَطِيَّةَ وأبُو حَيّانَ إلَيْهِ.
﴿كانَتْ﴾ تِلْكَ الجَنَّةُ ﴿لَهُمْ﴾ أيْ في عِلْمِ اللَّهِ تَعالى أوْ في اللَّوْحِ أوِ المُرادِ تَكُونُ عَلى أنَّهُ وعْدٌ مِن أكْرَمِ الأكْرَمِينَ عَبَّرَ عَنْهُ بِالماضِي عَلى طَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ فَإنَّهُ سُبْحانَهُ لا يُخْلِفُ المِيعادَ، وجَوَّزَ أنَّ يَكُونَ هَذا بِاعْتِبارِ تَقَدُّمِ وعْدِهِ تَعالى في كُتُبِهِ وعَلى لِسانِ رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ إيّاهم بِها ﴿جَزاءً﴾ عَلى أعْمالِهِمْ بِمُقْتَضى الوَعْدِ لا بِالإيجابِ ﴿ومَصِيرًا﴾ يَنْقَلِبُونَ إلَيْهِ، ولَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كانَتْ لَهم جَزاءً﴾ لِعَدَمِ اسْتِلْزامِهِ ذَلِكَ فَقَدْ يُثِيبُ المَلِكَ في الدُّنْيا إنْسانًا بِبُسْتانٍ مَثَلًا ولا يَراهُ فَضْلًا عَنْ أنْ يَسْكُنَ فِيهِ، وجُمْلَةُ ﴿كانَتْ لَهُمْ﴾ إلَخْ عَلى ما ذَكَرَهُ الطَّبَرْسِيُّ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ العائِدِ عَلى المَوْصُولِ في ﴿وُعِدَ المُتَّقُونَ﴾ بِتَقْدِيرِ قَدْ أوْ بِدُونِهِ، وجَوَّزَ أنْ تَكُونَ بَدَلًا مِن ﴿وُعِدَ المُتَّقُونَ﴾ وتَفْسِيرًا لَهُ، وأنْ تَكُونَ اسْتِئْنافًا في مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ.
وذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ ما يُشْعِرُ بِأنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ تَذْيِيلٌ لِتَذْكِيرِ النِّعْمَةِ بِما خَوَّلَهُمُ اللَّهُ تَعالى وطَيِّبَ عَيْشَهم في ذَلِكَ المَكانِ الرّافِعِ عَلى وجْهٍ يَتَضَمَّنُ ضِدَّ ذَلِكَ لِأضْدادِهِمْ فَكَأنَّهُ قِيلَ: كانَتْ لَهم جَزاءً مَوْفُورًا لا يَدْخُلُ تَحْتَ الوَصْفِ ومَصِيرًا أيْ مَصِيرًا لا يُقادِرُ قَدْرَهُ ولَيْسَ كَمَصِيرِ الكَفَرَةِ المُشارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وإذا أُلْقُوا مِنها مَكانًا ضَيِّقًا﴾ ويَعْلَمُ مِنهُ فائِدَةَ ذِكْرِ المَصِيرِ مَعَ ذِكْرِ الجَزاءِ فَتَأمَّلْ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ:
{"ayah":"قُلۡ أَذَ ٰلِكَ خَیۡرٌ أَمۡ جَنَّةُ ٱلۡخُلۡدِ ٱلَّتِی وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۚ كَانَتۡ لَهُمۡ جَزَاۤءࣰ وَمَصِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











