الباحث القرآني
﴿لا تَدْعُوا اليَوْمَ ثُبُورًا واحِدًا﴾ عَلى تَقْدِيرِ قَوْلٍ إمّا مَنصُوبٍ عَلى أنَّهُ حالٌ مِن فاعِلِ ﴿دَعَوْا﴾ أيْ دَعَوْا مَقُولًا لَهم ذَلِكَ حَقِيقَةً كَما هو الظّاهِرُ بِأنَّ تَخاطُبَهُمُ المَلائِكَةِ لِتَنْبِيهِهِمْ عَلى خُلُودِ عَذابِهِمْ وأنَّهم لا يُجابُونَ إلى ما يَدْعُونَهُ أوْ لا يَنالُونَ ما يَتَمَنَّوْنَهُ مِنَ الهَلاكِ المُنَجِّي أوْ تَمْثِيلًا لَهم وتَصْوِيرًا لِحالِهِمْ بِحالِ مَن يُقالُ لَهُ ذَلِكَ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ هُناكَ قَوْلٌ وخِطابٌ كَما قِيلَ أيْ دَعَوْهُ حالَ كَوْنِهِمْ أحِقّاءَ بِأنْ يُقالَ لَهم ذَلِكَ، وإمّا لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعْرابِ عَلى أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى ما قَبْلَهُ أيْ إذا ألْقَوْا مِنها مَكانًا ضَيِّقًا دَعُوا «ثُبُورًا» فَيُقالُ لَهُمْ: لا تَدْعُوا إلَخْ، أوْ عَلى أنَّهُ مُسْتَأْنِفٌ وقَعَ جَوابًا عَنْ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ الكَلامُ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا يَكُونُ عِنْدَ دُعائِهِمُ المَذْكُورِ؟ فَقِيلَ: يُقالُ لَهم ذَلِكَ، والمُرادُ بِهِ إقْناطُهم عَمّا عَلَّقُوا بِهِ أطْماعَهم مِنَ الهَلاكِ وتَنْبِيهُهم عَلى أنَّ عَذابَهُمُ المُلْجِئَ لَهم إلى ذَلِكَ أبَدِيٌّ لا خَلاصَ لَهم مِنهُ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ حَيْثُ أشارَ إلى أنَّ المُخْلِصَ مِمّا هم فِيهِ مِنَ العَذابِ عادَةً غَيْرُ مُخْلِصٍ وما يُخْلِصُ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَكَأنَّهُ قِيلَ: لا تَدْعُوا اليَوْمَ هَلاكًا واحِدًا فَإنَّهُ لا يُخَلِّصُكم ﴿وادْعُوا ثُبُورًا﴾ وهَلاكًا ﴿كَثِيرًا﴾ لا غايَةَ لِكَثْرَتِهِ لِتَخْلُصُوا بِهِ وأنّى بِالهَلاكِ الكَثِيرُ.
؎ومِن لَمْ يَمُتْ بِالسَّيْفِ ماتَ بِغَيْرِهِ تَعَدَّدَتِ الأسْبابُ والمَوْتُ واحِدٌ
وهَذا مَعْنى دَقِيقٌ لَمْ أعْلَمْ أنَّ أحَدًا ذَكَرَهُ، وقِيلَ: وصْفُ الثُّبُورِ بِالكَثْرَةِ بِاعْتِبارِ كَثْرَةِ الألْفاظِ المُشْعِرَةِ بِهِ فَكَأنَّهُ قِيلَ: لا تَقُولُوا يا ثُبُوراهُ فَقَطْ وقُولُوا يا ثُبُوراهُ يا هَلاكاهُ يا ويْلاهُ يا لَهْفاهُ إلى غَيْرِ ذَلِكَ وهو كَما تَرى.
(p-245)وقالَ شَيْخُ الإسْلامِ: وصَفَهُ بِذَلِكَ بِحَسْبِ كَثْرَةِ الدُّعاءِ المُتَعَلِّقِ بِهِ لا بِحَسْبِ كَثْرَتِهِ في نَفْسِهِ فَإنَّ ما يَدْعُونَهُ ثُبُورٌ واحِدٌ في حَدِّ ذاتِهِ لَكِنَّهُ كُلَّما تَعَلَّقَ بِهِ دُعاءٌ مِن تِلْكَ الأدْعِيَةِ الكَثِيرَةِ صارَ كَأنَّهُ ثُبُورٌ مُغايِرٌ لِما تَعَلَّقَ بِهِ دُعاءٌ آخَرُ، وتَحْقِيقُهُ لا تَدْعُوهُ دُعاءً واحِدًا وادْعُوهُ أدْعِيَةً كَثِيرَةً فَإنَّ ما أنْتُمْ فِيهِ مِنَ العَذابِ لِغايَةِ شِدَّتِهِ وطُولِ مُدَّتِهِ مُسْتَوْجِبٌ لِتَكْرِيرِ الدُّعاءِ في كُلِّ آنٍ، ثُمَّ قالَ: وهَذا أدَلُّ عَلى فَظاعَةِ العَذابِ وهو لَهُ مِن جَعْلِ تَعَدُّدِ الدُّعاءِ وتَجَدُّدِهِ لِتَعَدُّدِ العَذابِ بِتَعَدُّدِ أنْواعِهِ وألْوانِهِ أوْ لِتَعَدُّدِهِ بِتَجَدُّدُ الجُلُودُ كَما لا يَخْفى، وأمّا ما قِيلَ مِن أنَّ المَعْنى إنَّكم وقَعْتُمْ فِيما لَيْسَ ثُبُورَكم فِيهِ واحِدًا إنَّما هو ثُبُورٌ كَثِيرٌ إمّا لِأنَّ العَذابَ أنْواعٌ وألْوانٌ كُلُّ نَوْعٍ مِنها ثُبُورٌ لِشِدَّتِهِ وفَظاعَتِهِ أوْ لِأنَّهم كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهم بُدِّلُوا جُلُودًا غَيْرَها فَلا غايَةَ لِهَلاكِهِمْ فَلا يُلائِمُ المَقامَ كَيْفَ وهَمَ إنَّما يَدْعُونَ هَلاكًا يُنْهِي عَذابَهم ويُنْجِيهِمْ مِنهُ فَلا بُدَّ أنْ يَكُونَ الجَوابُ إقْناطًا لَهم عَنْ ذَلِكَ بِبَيانِ اسْتِحالَتِهِ ودَوامِ ما يُوجِبُ اسْتِدْعاءَهُ مِنَ العَذابِ الشَّدِيدِ انْتَهى، وتَعَقَّبَ القَوْلَ بِأنَّ وصْفَ الثُّبُورِ بِالكَثْرَةِ بِحَسْبِ كَثْرَةِ الدُّعاءِ بِأنَّهُ لا يُناسِبُ النُّظُمَ وكَذا كَوْنُهُ بِحَسْبِ كَثْرَةِ الألْفاظِ المُشْعِرَةِ بِالثُّبُورِ لِأنَّهُ كانَ الظّاهِرُ أنْ يُقالَ دُعاءً كَثِيرًا، وأمّا قَوْلُهُ: وأمّا ما قِيلَ إلَخْ فَهو لا يَخْلُو عَنْ بَحْثٍ فَتَأمَّلْ.
وحَكى عَلِيُّ بْنُ عِيسى ما ثَبَرَكَ عَنْ هَذا الأمْرِ أيْ ما صَرَفَكَ عَنْهُ، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ الثُّبُورُ في الآيَةِ مِن ذَلِكَ كَأنَّهم نَدِمُوا عَلى ما فَعَلُوا فَقالُوا: واصْرِفاهُ عَنْ طاعَةِ اللَّهِ تَعالى كَما يُقالُ: وانَدَماهُ فَأجِيبُوا بِما أُجِيبُوا، وتَقْيِيدُ النَّهْيِ والأمْرِ بِاليَوْمِ لِمَزِيدِ التَّهْوِيلِ والتَّفْظِيعِ والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُ لَيْسَ كَسائِرِ الأيّامِ المَعْهُودَةِ الَّتِي يُخْلِصُ مِن عَذابِها ثُبُورٌ واحِدٌ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَذْكِيرِهِمْ بِالسّاعَةِ الَّتِي أصابَهم ما أصابَهم بِسَبَبِ التَّكْذِيبِ بِها فَفِيهِ زِيادَةُ إيلامٍ لَهُمْ، وقَرَأ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ «ثُبُورًا» بِفَتْحِ الثّاءِ في ثَلاثَتِها وفُعُولٍ بِفَتْحِ الفاءِ في المَصادِرِ قَلِيلٌ نَحْوُ القُفُولِ.
{"ayah":"لَّا تَدۡعُوا۟ ٱلۡیَوۡمَ ثُبُورࣰا وَ ٰحِدࣰا وَٱدۡعُوا۟ ثُبُورࣰا كَثِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











