الباحث القرآني

﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ﴾ [الفَرْقانُ: 11] كَما سَتَعْلَمُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، والظّاهِرُ أنَّ الإشارَةَ إلى ما اقْتَرَحُوهُ مِنَ الكَنْزِ والجَنَّةِ وخَيْرِيَّةِ ما ذُكِرَ مِنَ الجَنَّةِ لِما فِيهِ مِن تَعَدُّدِ الجَنَّةِ وجَرَيانِ الأنْهارِ والمَساكِنِ الرَّفِيعَةِ في تِلْكَ الجِنانِ بِأنْ يَكُونَ في كُلٍّ مِنها مَسْكَنٌ أوْ في كُلِّ مَساكِنَ ومِنَ الكَنْزِ لِما أنَّهُ مَطْلُوبٌ لِذاتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وهو إنَّما يُطْلَبُ لِتَحْصِيلِ مِثْلِ ذَلِكَ وهو أيْضًا أظْهَرُ في الأبَهَةِ وأمْلَأُ لِعُيُونِ النّاسِ مِنَ الكَنْزِ، وعَدَمُ التَّعَرُّضِ لِجَوابِ الِاقْتِراحِ الأوَّلِ لِظُهُورِ مُنافاتِهِ لِلْحِكْمَةِ التَّشْرِيعِيَّةِ ورُبَّما يَعْلَمُ مِن كَثِيرٍ مِنَ الآياتِ كَذا قِيلَ. وفِي إرْشادِ العَقْلِ السَّلِيمِ أنَّ الإشارَةَ إلى ما اقْتَرَحُوهُ مِن أنْ يَكُونَ لَهُ ﷺ جَنَّةً يَأْكُلُ مِنها و﴿جَنّاتٍ﴾ بَدَلٌ مِن ﴿خَيْرًا﴾ مُحَقِّقٌ لِخَيْرِيَّتِهِ مِمّا قالُوا لِأنَّ ذَلِكَ كانَ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ التَّعَدُّدِ وجَرَيانِ الأنْهارِ، وتَعْلِيقُ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ تَعالى لِلْإيذانِ بِأنَّ عَدَمَ الجَعْلِ لِعَدَمِ المَشِيئَةِ المَبْنِيَّةِ عَلى الحُكْمِ والمَصالِحِ، وعَدَمُ التَّعَرُّضِ لِجَوابِ الِاقْتِراحَيْنِ الأوَّلَيْنِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى خُرُوجِهِما عَنْ دائِرَةِ العَقْلِ واسْتِغْنائِهِما عَنِ الجَوابِ لِظُهُورِ بُطْلانِهِما ومُنافاتِهِما لِلْحِكْمَةِ التَّشْرِيعِيَّةِ وإنَّما الَّذِي لَهُ وجْهٌ في الجُمْلَةِ هو الِاقْتِراحُ الأخِيرُ فَإنَّهُ غَيْرُ مُنافٍ لِلْحِكْمَةِ بِالكُلِّيَّةِ فَإنَّ بَعْضَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ قَدْ أُوتُوا في الدُّنْيا مَعَ النُّبُوَّةِ مُلْكًا عَظِيمًا انْتَهى، وهَذا الَّذِي ذَكَرَهُ في الإشارَةِ جَعَلَهُ الإمامُ الرّازِيُّ قَوْلَ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، وما ذُكِرَ أوَّلًا اسْتَظْهَرَهُ أبُو حَيّانَ وحَكاهُ عَنْ مُجاهِدٍ، وحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها إشارَةٌ إلى ما عَيَّرُوا بِهِ مِن أكْلِ الطَّعامِ والمَشْيِ في الأسْواقِ وقالَ: إنَّهُ بَعِيدٌ، وحَكاهُ الإمامُ عَنْ عِكْرِمَةَ وكَأنِّي بِكَ تَخْتارُ ما اخْتارَهُ صاحِبُ الإرْشادِ، والظّاهِرُ أنَّ ( يَجْعَلْ ) مَجْزُومٌ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلى مَحَلِّ الجَزاءِ الَّذِي هو جَعْلُ هو جَزاءٌ أيْضًا وقَدْ جِيءَ بِهِ جُمْلَةً اسْتِقْبالِيَّةً عَلى الأصْلِ في الجَزاءِ، فَقَدْ ذَكَرَ أهْلُ المَعانِي أنَّ الأصْلَ في جُمْلَتَيْ إنَّ الشَّرْطِيَّةَ أنْ تَكُونا فِعْلِيَّتَيْنِ اسْتِقْبالِيَّتَيْنِ لَفْظًا كَما أنَّهُما مُسْتَقْبَلَتانِ مَعْنًى، والعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ في اللَّفْظِ لا يَكُونُ إلّا لِنُكْتَةٍ. (p-240)وكَأنَّ التَّعْبِيرَ عَلى هَذا بِالجُمْلَتَيْنِ الماضَوِيَّتَيْنِ لَفْظًا في ﴿إنْ شاءَ جَعَلَ﴾ إلَخْ لِزِيادَةِ تَبْكِيتِ الكُفّارِ فِيما اقْتَرَحُوا مِن جِنْسِهِ، ولَمّا لَمْ يَقْتَرِحُوا ما هو مِن جِنْسِ جَعْلِ القُصُورِ لَمْ يَسْلُكْ فِيهِ ذَلِكَ المَسْلَكَ فَتَدَبَّرْ، وقِيلَ: كانَ الظّاهِرُ نُعِدُّ التَّعْبِيرَ أوَّلًا في الجَزاءِ بِالماضِي أنْ يُعَبِّرَ بِهِ هُنا أيْضًا لَكِنَّهُ عَدَلَ إلى المُضارِعِ لِأنَّ جَعْلَ القُصُورِ في الجِنانِ مُسْتَقْبَلٌ بِالنِّسْبَةِ إلى جَعْلِ الجِنانِ، ثُمَّ إنَّ هَذا العَطْفَ يَقْتَضِي عَدَمَ دُخُولِ القُصُورِ في الخَيْرِ المُبَدَّلِ مِنهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿جَنّاتٍ﴾ وكانَ ما تَقَدَّمَ عَنِ الكَشّافِ بَيانٌ لِحاصِلِ المَعْنى بِمَعُونَةِ السِّياقِ، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا أُدْغِمَتْ لامُهُ في لامِ ﴿لَكَ﴾ لَكِنَّ إدْغامَ المَثَلَيْنِ إذا تَحَرَّكَ أوَّلُهُما إنَّما هو مَذْهَبُ أبِي عَمْرٍو، والَّذِي قَرَأ بِالتَّسْكِينِ مِنَ السَّبْعَةِ هو وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ ونافِعٌ وفي رِوايَةِ مَحْبُوبٍ عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ بِالرَّفْعِ بِلا إدْغامٍ وهي قِراءَةُ ابْنِ عامِرٍ وابْنُ كَثِيرٍ ومُجاهِدٍ وحَمِيدٍ وأبِي بَكْرٍ، والعَطْفُ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ واحْتِمالُ الإدْغامِ عِنْدَ ابْنِ عَطِيَّةَ عَلى المَعْنى في ﴿جَعَلَ﴾ لِأنَّ جَوابَ الشَّرْطِ مَوْضِعُ اسْتِئْنافٍ ألا يَرى أنَّ الجُمْلَةَ مِنَ المُبْتَدَإ والخَبَرِ قَدْ تَقَعُ مَوْقِعَ جَوابِ الشَّرْطِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هو مَعْطُوفٌ عَلى ﴿جَعَلَ﴾ لِأنَّ الشَّرْطَ إذا كانَ ماضِيًا جازَ في جَوابِهِ الجَزْمُ والرَّفْعُ كَقَوْلِ زُهَيْرٍ في مَدْحِ هَرَمِ بْنِ سِنانٍ: ؎وإنْ أتاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْغَبَةٍ يَقُولُ لا غائِبَ مالِيَ ولا حَرَمَ ومَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّ الجَوابَ في مِثْلِ ذَلِكَ مَحْذُوفٌ وأنَّ المُضارِعَ المَرْفُوعَ عَلى نِيَّةِ التَّقْدِيمِ، وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ، والمِبْرَدُ إلى أنَّهُ هو الجَوابُ وأنَّهُ عَلى حَذْفِ الفاءِ والتَّرْكِيبِ عِنْدَ الجُمْهُورِ فَصِيحٌ سائِغٌ في النَّثْرِ كالشِّعْرِ، وحَكى أبُو حَيّانَ عَنْ بَعْضِ أصْحابِهِ أنَّهُ لا يَجُوزُ إلّا في الضَّرُورَةِ إذْ لَمْ يَجِئْ إلّا في الشِّعْرِ، وتَمامُ الكَلامِ في تَحْقِيقِ المَذاهِبِ في مَحَلِّهِ، وقالَ الحَوْفِيُّ وأبُو البَقاءِ: الرَّفْعُ عَلى الِاسْتِئْنافِ قِيلَ وهو اسْتِئْنافٌ نَحْوِيٌّ، والكَلامُ وعْدٌ لَهُ ﷺ بِجَعْلِ تِلْكَ القُصُورِ في الآخِرَةِ ولِذا عَدَلَ عَنِ الماضِي إلى المُضارِعِ الدّالِّ عَلى الِاسْتِقْبالِ، وقِيلَ: هو اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ كانَ قائِلًا يَقُولُ: كَيْفَ الحالُ في الآخِرَةِ؟ فَقِيلَ: يَجْعَلُ لَكَ فِيها قُصُورًا، وجَعَلَ بَعْضُهم عَلى الِاسْتِئْنافِ هَذا الجَعْلَ في الدُّنْيا أيْضًا عَلى مَعْنى إنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ في الدُّنْيا جَنّاتٍ ويَجْعَلُ لَكَ في تِلْكَ الجَنّاتِ قُصُورًا إنْ تَحَقَّقَتِ الشُّرْطِيَّةُ وهو كَما تَرى، وقِيلَ: الرَّفْعُ بِالعَطْفِ عَلى ﴿تَجْرِي﴾ صِفَةٌ بِتَقْدِيرٍ ويَجْعَلُ فِيها أيِ الجَنّاتِ، ولَيْسَ بِشَيْءٍ، وقَرَأ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسى وطَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمانَ «ويَجْعَلَ» بِالنَّصْبِ عَلى إضْمارِ أنْ، ووَجْهُهُ عَلى ما نَقَلَ عَنِ السِّيرافِيِّ أنَّ الشَّرْطَ لَمّا كانَ غَيْرَ مَجْزُومٍ أشْبَهُ الِاسْتِفْهامِ، وقِيلَ: لَمّا كانَ غَيْرَ واقِعِ حالٍ المُشارَطَةِ أشْبَهُ النَّفْيِ، وقَدْ ذَكَرَ النَّصْبَ بَعْدَهُ سِيبَوَيْهُ، وقالَ إنَّهُ ضَعِيفٌ، وقِيلَ: الفِعْلُ مَرْفُوعٌ وفَتْحُ لامِهِ اتِّباعًا لِلّامِ ﴿لَكَ﴾ نَظِيرَ ما قِيلَ في قَوْلِهِ: ؎لَمْ يَمْنَعِ الشُّرْبَ مِنها غَيْرَ أنْ نَطَقَتْ ∗∗∗ حَمامَةٌ في غُصُونِ ذاتِ أوْقالٍ مِن أنَّهُ فَتَحَ راءً غَيْرَ اتِّباعًا لِهَمْزَةِ أنَّ وهو أحَدُ وجْهَيْنِ في البَيْتِ، ونَظِيرُ الآيَةِ في هَذِهِ القِراءاتِ قَوْلُ النّابِغَةِ: ؎فَإنْ يَهْلَكْ أبُو قابُوسٍ يَهْلَكُ ∗∗∗ رَبِيعُ النّاسِ والشَّهْرُ الحَرامُ ؎ونَأْخُذُ بَعْدَهُ بِذِنابِ عَيْشٍ ∗∗∗ أجَبَّ الظَّهْرُ لَيْسَ لَهُ سَنامُ فَإنَّهُ يُرْوى في نَأْخُذُ الجَزْمَ والرَّفْعَ والنَّصْبَ ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ﴾ انْتِقالٌ إلى حِكايَةِ نَوْعٍ آخَرَ (p-241)مِن أباطِيلِهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِأمْرِ المَعادِ وما قَبْلَ كانَ مُتَعَلِّقًا بِأمْرِ التَّوْحِيدِ وأمْرِ النُّبُوَّةِ ولا يَضُرُّ في ذَلِكَ العَوْدُ إلى ما يَتَعَلَّقُ بِالكَلامِ السّابِقِ، واخْتِلافُ أسالِيبِ الحِكايَةِ لِاخْتِلافِ المَحْكِيِّ، وما ألْطَفَ تَصْدِيرَ حِكايَةِ ما يَتَعَلَّقُ بِالآخِرَةِ بِبَلِ الِانْتِقالِيَّةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأعْتَدْنا لِمَن كَذَّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيرًا﴾ إلَخْ لِبَيانِ ما لَهم في الآخِرَةِ بِسَبَبِهِ أيْ هَيَّأْنا لَهم نارًا عَظِيمَةً شَدِيدَةَ الِاشْتِعالِ شَأْنُها كِيتْ وكِيتْ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ بِها عَلى ما يَشْعُرُ بِهِ وضْعُ المَوْصُولِ مَوْضِعَ ضَمِيرِ هم أوْ لِكُلِّ مَن كَذَّبَ بِها كائِنًا مَن كانَ وهم داخِلُونَ في ذَلِكَ دُخُولًا أوَّلِيًّا، ووَضَعَ السّاعَةَ مَوْضِعَ ضَمِيرِها لِلْمُبالَغَةِ في التَّشْنِيعِ، وهَذا الِاعْتِدادُ وإنْ كانَ لَيْسَ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ بِها خاصَّةً بَلْ يُشارِكُهُ في السَّبَبِيَّةِ لَهُ ارْتِكابُهُمُ الأباطِيلِ في أمْرِ التَّوْحِيدِ وأمْرِ النُّبُوَّةِ إلّا أنَّهُ لَمّا كانَتِ السّاعَةُ نَفْسُها هي العِلَّةُ القَرِيبَةُ لِدُخُولِهِمُ السَّعِيرِ أُشِيرُ بِما ذَكَرَ إلى سَبَبِيَّةِ التَّكْذِيبِ بِها لِدُخُولِها ولَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإشارَةِ إلى سَبَبِيَّةِ شَيْءٍ آخَرَ وقِيلَ إنَّ مَن كَذَّبَ بِالسّاعَةِ صارَ كالِاسْمِ لِأُولَئِكَ المُشْرِكِينَ والمُكَذِّبِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ والمُكَذِّبِينَ بِالسّاعَةِ أيِ الجامِعِينَ لِلْأوْصافِ الثَّلاثَةِ لِأنَّ التَّكْذِيبَ بِها أخَصُّ صِفاتِهِمُ القَبِيحَةِ وأكْثَرُ دَوَرانًا عَلى ألْسِنَتِهِمْ إذْ مِنَ الكَفّارِ مَن يُشْرِكُ ويُكَذِّبُ بِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ولا يُكَذِّبُ بِالسّاعَةِ، فالمُرادُ مَن يُكَذِّبُ بِالسّاعَةِ أُولَئِكَ الصِّنْفُ مِنَ الكَفَرَةِ وهو كَما تَرى. وقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ﴾ عُطِفَ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقالُوا مالِ هَذا الرَّسُولِ﴾ إلَخْ وإضْرابٌ عَنْهُ إلى ما هو أعْجَبُ مِنهُ عَلى مَعْنى أنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلرَّسُولِ ﷺ وهَذا تَكْذِيبٌ لِلَّهِ سُبْحانَهُ- وتَعالى- فَفِي صَحِيحِ البُخارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: ««قالَ اللَّهُ تَعالى كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ ولَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ- إلى قَوْلِهِ تَعالى-: فَأمّا تَكْذِيبُهُ إيّايَ فَزَعَمَ أنِّي لا أقْدِرُ أنْ أُعِيدَهُ كَما كانَ»» وظاهِرُهُ أنَّ أعْجَبِيَّةَ التَّكْذِيبِ بِالسّاعَةِ لِأنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الأعْجَبِيَّةَ لِأنَّهم أنْكَرُوا قُدْرَةَ اللَّهِ تَعالى عَلى الإعادَةِ مَعَ ما شاهَدُوهُ في الأنْفُسِ والآفاقِ وما ارْتَكَزَ في أوْهامِهِمْ مِن أنَّ الإعادَةَ أهْوَنُ مِنَ الإبْداءِ ولَيْسَ ذَلِكَ لِأنَّهُ تَكْذِيبُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ فَإنَّهم لَمْ يَسْمَعُوا أمْرَ السّاعَةِ إلّا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ فَهو تَكْذِيبٌ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فِيهِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ في الحَدِيثِ إشارَةً إلى ما ارْتَضاهُ. وقِيلَ: إضْرابٌ عَنْ ذاكَ عَلى مَعْنى أتَوْا بِأعْجَبَ مِنهُ حَيْثُ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ وأنْكَرُوها والحالُ أنّا قَدِ اعْتَدْنا لِمَن كَذَّبَ بِها سَعِيرًا فَإنَّ جَراءَتَهم عَلى التَّكْذِيبِ بِها وعَدَمُ خَوْفِهِمْ مِمّا أعَدَّ لِمَن كَذَّبَ بِها مِن أنْواعِ العَذابِ أعْجَبُ مِنَ القَوْلِ السّابِقِ. وتَعَقَّبَ بِأنَّهُ لا نُسَلِّمُ كَوْنَ الجَراءَةِ عَلى التَّكْذِيبِ بِالسّاعَةِ أعْجَبُ مِنَ الجَراءَةِ عَلى القَوْلِ السّابِقِ بَعْدَ ظُهُورِ المُعْجِزَةِ ولا نُسَلِّمُ أنَّ انْضِمامَ عَدَمِ الخَوْفِ مِمّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إذا كانَ ذَلِكَ التَّرَتُّبُ في السّاعَةِ المُكَذِّبُ بِها يُفِيدُ شَيْئًا وفِيهِ تَأمُّلٌ، وقِيلَ: هو إضْرابٌ عَنْ ذاكَ عَلى مَعْنى أتَوْا بِأعْجَبَ مِنهُ حَيْثُ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ الَّتِي أخْبَرَ بِها جَمِيعُ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فالجَراءَةُ عَلى التَّكْذِيبِ بِها جَراءَةٌ عَلى التَّكْذِيبِ بِهِمْ والجَراءَةُ عَلى التَّكْذِيبِ بِهِمْ أعْجَبُ مِنَ الجَراءَةِ عَلى القَوْلِ السّابِقِ. وتَعَقَّبَ بِأنَّ مُرادَهم مِنَ القَوْلِ السّابِقِ نَفْيُ نَبُّوتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وتَكْذِيبِهِ وحاشاهُ ثُمَّ حاشاهُ مِنَ الكَذِبِ في دَعْواهُ إيّاها لِعَدَمِ مُخالَفَةِ حالِهِ ﷺ حالِهِمْ واتِّصافِهِ بِما زَعَمُوا مُنافاتِهِ لِلرِّسالَةِ وذَلِكَ مَوْجُودٌ ومُتَحَقِّقٌ في جَمِيعِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَتَكْذِيبُهُ ﷺ لِذَلِكَ تَكْذِيبٌ لَهم أيْضًا فَلا يَكُونُ التَّكْذِيبُ بِالسّاعَةِ عَلى ما ذُكِرَ أعْجَبُ مِن تَكْذِيبِ النَّبِيِّ ﷺ لِاشْتِراكِ التَّكْذِيبَيْنِ في كَوْنِهِما في حُكْمِ تَكْذِيبِ الكُلِّ، وقِيلَ: هو مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿تَبارَكَ الَّذِي إنْ شاءَ﴾ إلَخِ الواقِعُ جَوابًا لَهم والمُنْبِئُ عَنِ الوَعْدِ بِالجَنّاتِ والقُصُورِ في الآخِرَةِ مُسَوِّقٌ لِبَيانِ أنَّ ذَلِكَ لا يُجْدِي نَفْعًا عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِ مَن قالَ:(p-242) ؎عَوَّجُوا لِنِعَمٍ فَحَيُّوا دِمْنَةَ الدّارِ ∗∗∗ ماذا تُحْيُونَ مِن نُؤْيِ وأحْجارِ والمَعْنى أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِالسّاعَةِ فَكَيْفَ يَقْتَنِعُونَ بِهَذا الجَوابِ وكَيْفَ يُصَدِّقُونَ بِتَعْجِيلٍ مِثْلِ ما وعَدَكَ في الآخِرَةِ، وقِيلَ: إضْرابٌ عَنِ الجَوابِ إلى بَيانِ العِلَّةِ الدّاعِيَةِ لَهم إلى التَّكْذِيبِ، والمَعْنى بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ فَقَصُرَتْ أنْظارُهم عَلى الحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ وظَنُّوا أنَّ الكَرامَةَ لَيْسَتْ إلّا بِالمالِ وجَعَلُوا خُلُوَّ يَدِكَ عَنْهُ ذَرِيعَةً إلى تَكْذِيبِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب