الباحث القرآني

سُورَةُ الفُرْقانِ أطْلَقَ الجُمْهُورُ القَوْلَ بِمَكِّيَّتِها، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وقَتادَةَ هي مَكِّيَّةٌ إلّا ثَلاثَ آياتٍ نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ وهي ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفَرْقانُ: 68- 70]، وقالَ الضَّحّاكُ: هي مَدَنِيَّةٌ إلّا أوَّلَها إلى قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا نُشُورًا﴾ [الفَرْقانُ: 3] فَهو مَكِّيٌّ، وعَدَدُ آياتِها سَبْعٌ وسَبْعُونَ آيَةً بِلا خِلافٍ كَما ذَكَرَهُ الطَّبَرْسِيُّ والدّانِيُّ في كِتابِ العَدَدِ، ولَمّا ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في آخِرِ السُّورَةِ السّابِقَةِ وُجُوبَ مُتابَعَةِ المُؤْمِنِينَ لِلرَّسُولِ ﷺ ومَدَحَ المُتابِعِينَ وحَذَّرَ المُخالِفِينَ افْتَتَحَ سُبْحانَهُ هَذِهِ السُّورَةَ بِما يَدُلُّ عَلى تَعالِيهِ جَلَّ شَأْنُهُ عَمّا سِواهُ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ وأفْعالِهِ أوْ عَلى كَثْرَةِ خَيْرِهِ تَعالى ودَوامِهِ وأنَّهُ أنْزَلَ الفَرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا إطْماعًا في خَيْرِهِ وتَحْذِيرًا مِن عِقابِهِ جَلَّ شَأْنُهُ وفي هَذِهِ السُّورَةِ أيْضًا مِن تَأْكِيدِ ما في السّابِقَةِ مِن مَدْحِ الرَّسُولِ ﷺ ما فِيها فَقالَ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا﴾ أيْ تَعالى جَلَّ شَأْنُهُ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ وأفْعالِهِ عَلى أتَمِّ وجْهٍ وأبْلَغِهِ كَما يَشْعُرُ بِهِ إسْنادُ صِيغَةِ التَّفاعُلِ إلَيْهِ وهَذا الفِعْلُ لا يُسْنَدُ في الأغْلَبِ إلى غَيْرِهِ تَعالى ومِثْلُهُ- تَعالى- ولا يَتَصَرَّفُ فَلا يَجِيءُ مِنهُ مُضارِعٌ ولا أمْرٌ ولا في الأغْلَبِ أيْضًا وإلّا فَقَدَ قَرَأ أُبَيٌّ كَما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى تَبارَكَتِ الأرْضُ ومَن حَوْلِها، وجاءَ كَما في الكَشْفِ تَبارَكَتِ النَّخْلَةُ أيْ تَعالَتْ، وحَكى الأصْمَعِيُّ أنَّ أعْرابِيًّا صَعِدَ رابِيَةً فَقالَ لِأصْحابِهِ: تَبارَكَتْ عَلَيْكُمْ، وقالَ الشّاعِرُ: ؎إلى الجِذْعِ جِذْعِ النَّخْلَةِ المُتَبارِكِ وقالَ الخَلِيلُ: مَعْنى تَبارَكَ تَمَجَّدَ، وقالَ الضَّحّاكُ: تَعَظَّمَ وهو قَرِيبٌ مِن قَرِيبٍ، وعَنِ الحُسْنِ والنَّخْعِيِّ أنَّ المَعْنى تَزايَدَ خَيْرُهُ وعَطاؤُهُ وتَكاثَرَ وهي إحْدى رِوايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، ثانِيَتَهُما أنَّ المَعْنى لَمْ يَزَلْ، ولا يَزالُ وتَحْقِيقُ ذَلِكَ أنَّ تَبارَكَ مِنَ البَرَكَةِ وهي في الأصْلِ مَأْخُوذَةٌ مِن بَرَكَ البَعِيرُ وهو صَدْرُهُ ومِنهُ بَرَكَ البَعِيرُ إذا ألْقى بَرْكَهُ عَلى الأرْضِ واعْتَبَرَ فِيهِ مَعْنى اللُّزُومَ فَقِيلَ بَراكاءِ الحَرْبِ وبَرَكاؤُها لِلْمَكانِ الَّذِي يَلْزَمُهُ الأبْطالُ وسُمِّيَ مَحْبَسُ الماءِ بَرَكَةً كَسِدْرَةٍ ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلى ثُبُوتِ الخَيْرِ الإلَهِيِّ في الشَّيْءِ ثُبُوتِ الماءِ في البَرَكَةِ، وقِيلَ: لِما فِيهِ ذَلِكَ الخَيْرُ مُبارَكٌ ولَمّا كانَ الخَيْرُ الإلَهِيُّ يَصْدُرُ مِن حَيْثُ لا يُحِسُّ وعَلى وجْهٍ لا يُحْصى ولا يُحْصَرُ قِيلَ لِكُلِّ ما يُشاهِدُهُ فِيهِ زِيادَةٌ غَيْرُ مَحْسُوسَةٍ هو مُبارَكٌ وفِيهِ بَرَكَةٌ فَمَنِ اعْتَبَرَ مَعْنى اللُّزُومَ كابْنِ عَبّاسٍ بِناءً عَلى الرِّوايَةِ الثّانِيَةِ عَنْهُ قالَ: المَعْنى لَمْ يَزَلْ ولا يَزالُ أوْ نَحْوَ ذَلِكَ، ومَنِ اعْتَبَرَ مَعْنى التَّزايُدِ انْقَسَمَ إلى طائِفَتَيْنِ فَطائِفَةٌ جَعَلُوهُ بِاعْتِبارِ كَمالِ الذّاتِ في نَفْسِها ونُقْصانِ ما سِواها فَفَسَّرُوا ذَلِكَ (p-231)بِالتَّعالِي ونَحْوِهِ وطائِفَةٍ جَعَلُوهُ بِاعْتِبارِ كَمالِ الفِعْلِ فَفَسَّرُوهُ بِتَزايُدِ الخَيْرِ وتَكاثُرِهِ ولا اعْتِبارٍ لِلتَّغَيُّرِ المَبْنِيِّ عَلى اعْتِبارِ مَعْنى اللُّزُومِ لِقِلَّةِ فائِدَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ وعَدَمُ مُناسِبَةِ ذَلِكَ المَعْنى لِما بَعْدُ، ومِن هُنا رَدَّدَ الجُمْهُورُ المَعْنى بَيْنَ ما ذَكَرْناهُ أوَّلًا وما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ ومَن مَعَهُ وتَرْتِيبُ وصْفِهِ تَعالى بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿تَبارَكَ﴾ بِالمَعْنى الأوَّلِ عَلى إنْزالِهِ جَلَّ شَأْنُهُ الفَرْقانِ لَمّا أنَّهُ ناطِقٌ بِعُلُوِّ شَأْنِهِ سُبْحانَهُ وسُمُوِّ صِفاتِهِ وابْتِناءِ أفْعالِهِ عَلى أساسِ الحُكْمِ والمَصالِحِ وخُلُوِّها عَنْ شائِبَةِ الخَلَلِ بِالكُلِّيَّةِ وتَرْتِيبِ ذَلِكَ بِالمَعْنى الثّانِي عَلَيْهِ لِما فِيهِ مِنَ الخَيْرِ الكَثِيرِ لِأنَّهُ هِدايَةٌ ورَحْمَةٌ لِلْعالِمِينَ، وفِيهِ ما يَنْتَظِمُ بِهِ أمْرُ المَعاشِ والمَعادِ وكِلا المَعْنَيَيْنِ مُناسِبٌ لِلْمَقامِ ورَجَّحَ الأوَّلُ بِأنَّهُ أنْسَبُ بِهِ لِمَكانِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا﴾ فَقَدْ قالَ الطِّيبِيُّ في اخْتِصاصِ النَّذِيرِ دُونَ البَشِيرِ سُلُوكُ طَرِيقَةِ بَراعَةِ الِاسْتِهْلالِ والإيذانِ بِأنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلى ذِكْرِ المُعانِدِينَ المُتَّخِذِينَ لِلَّهِ تَعالى ولَدًا وشَرِيكًا الطّاعِنِينَ فى ( كُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليَوْمُ الآخِرِ ) [النِّساءُ: 136]، وهَذا المَعْنى يُؤَيِّدُ تَأْوِيلَ تَبارَكَ بِتَزايُدٍ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وتَعالى عَنْهُ في صِفاتِهِ وأفْعالِهِ جَلَّ وعَلا لِإفادَتِهِ صِفَةَ الجَلالِ والهَيْبَةِ وإيذانِهِ مِن أوَّلِ الأمْرِ بِتَعالِيهِ سُبْحانَهُ عَمّا يَقُولُ الظّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا وهو مِنَ الحُسْنِ بِمَكانٍ، و(الفُرْقانَ ) مَصْدَرُ فَرَّقَ الشَّيْءَ وعَنْهُ إذا فَصَلَهُ، ويُقالُ أيْضًا كَما ذَكَرَهُ الرّاغِبُ فَرَقَّتْ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذا فَصَلَتْ بَيْنَهُما سَواءٌ كانَ ذَلِكَ بِفَصْلٍ يُدْرِكُهُ البَصَرُ أوْ بِفَصْلٍ تُدْرِكُهُ البَصِيرَةُ، والتَّفْرِيقُ بِمَعْناهُ إلّا أنَّهُ يَدُلُّ عَلى التَّكْثِيرِ دُونَهُ، وقِيلَ إنَّ الفَرْقَ في المَعانِي والتَّفْرِيقُ في الأجْسامِ والمُرادُ بِهِ القُرْآنُ وإطْلاقُهُ عَلَيْهِ لِفَصْلِهِ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ بِما فِيهِ مِنَ البَيانِ أوْ بَيْنَ المُحِقِّ والمُبْطِلِ لِما فِيهِ مِنَ الإعْجازِ أوْ لِكَوْنِهِ مَفْصُولًا بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ في نَفْسِهِ أوْ في الإنْزالِ حَيْثُ لَمْ يَنْزِلُ دُفْعَةً كَسائِرِ الكُتُبِ، وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى ما يَقُولُهُ الصُّوفِيَّةُ في ذَلِكَ فَهو مَصْدَرٌ بِمَعْنى الفاعِلِ أوْ بِمَعْنى المَفْعُولِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِن بابِ هي إقْبالٌ وإدْبارٌ فَلا تَغْفُلْ. والمُرادُ بِعَبْدِهِ نَبِيُّنا مُحَمَّدٌ ﷺ وإيرادُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِذَلِكَ العُنْوانِ لِتَشْرِيفِهِ والإيذانِ بِكَوْنِهِ صَلَواتِ اللَّهِ تَعالى وسَلامِهِ عَلَيْهِ في أقْصى مَراتِبِ العُبُودِيَّةِ والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ الرَّسُولَ لا يَكُونُ إلّا عَبْدًا لِلْمُرْسَلِ رَدًّا عَلى النَّصارى، وقِيلَ: المُرادُ بِالفُرْقانِ جَمِيعُ الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ لِأنَّها كُلُّها فَرَّقَتْ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ وبِعَبْدِهِ الجِنْسِ الشّامِلِ لِجَمِيعِ مَن نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ، وأيَّدَ بِقِراءَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ «عَلى عِبادِهِ»، ولا يَخْفى ما في ذَلِكَ مِنَ البُعْدِ، والمُرادُ بِالعِبادِ في قِراءَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وأمَتُّهُ، والإنْزالُ كَما يُضافُ إلى الرَّسُولِ ﷺ يُضافُ إلى أُمَّتِهِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَقَدْ أنْزَلْنا إلَيْكُمْ﴾ [الأنْبِياءُ: 10، النُّورُ: 34] لِأنَّهُ واصِلٌ إلَيْهِمْ ونُزُولَهُ لِأجْلِهِمْ فَكَأنَّهُ مُنَزَّلٌ عَلَيْهِمْ وإنْ كانَ إنْزالُهُ حَقِيقَةً عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقِيلَ المُرادُ بِالجَمْعِ هو ﷺ وعَبَّرَ عَنْهُ بِهِ تَعْظِيمًا، وضَمِيرُ يَكُونُ عائِدٌ عَلى عَبْدِهِ، وقِيلَ عَلى ﴿الفُرْقانَ﴾ وإسْنادُ الإنْذارِ إلَيْهِ مَجازٌ، وقِيلَ عَلى المَوْصُولِ الَّذِي هو عِبارَةٌ عَنْهُ تَعالى، ورَجَّحَ بِأنَّهُ العُمْدَةُ المُسْنَدُ إلَيْهِ الفِعْلَ والإنْذارَ مِن صِفاتِهِ عَزَّ وجَلَّ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا كُنّا مُنْذِرِينَ﴾ [الدُّخانُ: 3] وقِيلَ عَلى التَّنْزِيلِ المَفْهُومِ مِن ( نَزَّلَ ) والمُتَبادِرِ إلى الفَهْمِ هو الأوَّلُ وهو الَّذِي يَقْتَضِيهِ ما بَعْدُ، والنَّذِيرُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ بِمَعْنى مُنْذِرٍ. وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا بِمَعْنى إنْذارٍ كالنَّكِيرِ بِمَعْنى إنْكارِ وحُكْمُ الأخْبارِ بِالمَصْدَرِ شَهِيرٌ، والإنْذارُ إخْبارٌ فِيهِ تَخْوِيفٌ ويُقابِلُهُ التَّبْشِيرُ ولَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لِما مَرَّ آنِفًا، والمُرادُ بِالعالَمِينَ عِنْدَ جَمْعٍ مِنَ العالَمِينَ الإنْسِ والجِنِّ مِمَّنْ عاصَرَهُ ﷺ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِلْعالَمِينَ لِلْجِنِّ والإنْسِ وإرْسالِهِ ﷺ إلَيْهِمْ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَكْفُرُ مُنْكِرُهُ، وكَذا المَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ كَما رَجَّحَهُ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ كالسُّبْكِيِّ ومَن تَبِعَهُ ورَدَّ عَلى مَن (p-232)خالَفَ ذَلِكَ، وادَّعى بَعْضُهم دَلالَةَ الآيَةِ عَلَيْهِ لِأنَّ العالِمَ ما سِوى اللَّهِ تَعالى وصِفاتِهِ العَلِيِّ فَيَشْمَلُ المَلائِكَةَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. وصِيغَةُ جَمِيعِ العُقَلاءِ لِلتَّغْلِيبِ أوْ جَمْعٍ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ بِالعُقَلاءِ. ومِن قالَ كالبارِزِيِّ: إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أرْسَلَ حَتّى إلى الجَماداتِ بَعْدَ جَعْلِها مُدْرِكَةً لِظاهِرِ خَبَرٍ مُسْلِمٌ «وأُرْسِلَتْ إلى الخَلْقِ كافَّةً» لَمْ يُخَصَّصْ، واكْتَفى بِالتَّغْلِيبِ وفائِدَةُ الإرْسالِ لِلْمَعْصُومِ وغَيْرِ المُكَلِّفِ طَلَبَ إذْعانِهِما لِشَرَفِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ودُخُولِهِما تَحْتَ دَعْوَتِهِ واتِّباعِهِ تَشْرِيفًا عَلى سائِرِ المُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ عَلى مُتَعَلِّقِهِ لِلتَّشْوِيقِ ومُراعاةِ الفَواصِلِ ولِلْحَصْرِ أيْضًا عَلى القَوْلِ الأوَّلِ في العالَمِينَ، وإبْرازُ تَنْزِيلِ الفَرْقانِ في مَعْرِضِ الصِّلَةِ الَّتِي حَقُّها أنْ تَكُونَ مَعْلُومَةَ الثُّبُوتِ لِلْمَوْصُولِ عِنْدَ السّامِعِ مَعَ إنْكارِ الكَفَرَةِ لَهُ لِإجْرائِهِ مَجْرى المَعْلُومِ المُسْلِمِ تَنْبِيهًا عَلى قُوَّةِ دَلائِلِهِ وكَوْنِهِ بِحَيْثُ لا يَكادُ يَجْهَلُهُ أحَدٌ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البَقَرَةُ: 2، وغَيْرُها] وكَذا يُقالُ في نَظائِرِهِ مِنَ الصِّلاتِ الَّتِي يُنْكِرُها الكَفَرَةُ: وقالَ بَعْضُهُمْ: لا حاجَةَ لِما ذُكِرَ إذْ يَكْفِي في الصِّلَةِ أنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لِلسّامِعِ المُخاطَبِ بِها ولا يَلْزَمُ أنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لِكُلِّ سامِعٍ، والمُخاطِبُ بِها هُنا هو رَسُولًا لِلَّهِ ﷺ وهو عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عالِمٌ بِثُبُوتِها لِلْمَوْصُولِ، وفي شَرْحِ التَّسْهِيلِ أنَّهُ لا يَلْزَمُ فِيها، أنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وإنَّ تَعْرِيفَ المَوْصُولِ كَتَعْرِيفِ ألْ يَكُونُ لِلْعَهْدِ والجِنْسِ وأنَّهُ قَدْ تَكُونُ صِلَتُهُ مُبْهَمَةً لِلتَّعْظِيمِ كَما في قَوْلِهِ: ؎فَإنْ أسْتَطِعْ أغْلَبَ وأنْ يَغْلِبَ الهَوى ∗∗∗ فَمِثْلُ الَّذِي لاقَيْتُ يَغْلِبُ صاحِبَهُ وما ذَكَرَ أوَّلًا مِن تَنْزِيلِها مَنزِلَةَ المَعْلُومِ أبْلَغُ لِكَوْنِهِ كِنايَةً عَمّا ذَكَرَ مُناسِبَةً لِلرَّدِّ عَلى مَن أنْكَرَ النُّبُوَّةَ وتَوْحِيدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب