الباحث القرآني

﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ جَوَّزَ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى ﴿أطِيعُوا اللَّهَ﴾ داخِلًا مَعَهُ في حَيِّزِ القَوْلِ والفاصِلِ ولَيْسَ بِأجْنَبِيٍّ مُنَكِّلِ وجْهٍ فَإنَّهُ وعْدُ المَأْمُورِ بِهِ وبَعْضُهُ مِن تَتِمَّتِهِ. وفي الكَشّافِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ أنْ يَقَعَ بَيْنَ المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فاصِلٌ وإنْ طالَ لِأنَّ حَقَّ المَعْطُوفِ أنْ يَكُونَ غَيْرَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ والفاصِلُ يُؤَكِّدُ المُغايِرَةَ ويُرَشِّحُها لِأنَّ المُجاوِرَةَ مَظِنَّةُ الِاتِّصالِ والِاتِّحادُ فَيَكُونُ تَكْرِيرُ الأمْرِ بِإطاعَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِلتَّأْكِيدِ وأكَّدَ دُونَ الأمْرِ بِطاعَةِ اللَّهِ تَعالى لِما أنَّ في النُّفُوسِ لا سِيَّما نُفُوسِ العَرَبِ مِن صُعُوبَةِ الِانْقِيادِ لِلْبَشَرِ ما لَيْسَ فِيها مِن صُعُوبَةِ الِانْقِيادِ لِلَّهِ تَعالى ولِتَعْلِيقِ الرَّحْمَةِ بِها أوْ بِالمُنْدَرِجَةِ هي فِيهِ وهي الجُمَلُ الواقِعَةُ في حَيِّزِ القَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ كَما عَلَّقَ الِاهْتِداءَ بِالإطاعَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ والإنْصافُ أنَّ هَذا العَطْفَ بِعِيدٍ بَلْ قالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مِمّا لا يَلِيقُ بِجَزالَةِ النَّظْمِ الكَرِيمِ. وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى ﴿يَعْبُدُونَنِي﴾ وفِيهِ تَخْصِيصٌ بَعْدَ التَّعْمِيمِ، وكانَ الظّاهِرُ أنْ يُقالَ يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ ويُطِيعُونَ الرَّسُولَ لَعَلَّهم يَرْحَمُونَ، لَكِنْ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلى ما ذَكَرَ التِفاتًا إلى الخِطابِ لِمَزِيدِ الِاعْتِناءِ وحَسَّنَهُ هَنا الخِطابُ في ( مِنكُمْ) . وتَعَقَّبَ بِأنَّهُ مِمّا لا وجْهَ لَهُ لِأنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الِالتِفاتِ وجَوازِ عَطْفِ الإنْشاءِ عَلى الأخْبارِ لا يُناسِبُ ذَلِكَ وكَوْنُ الجُمْلَةِ السّابِقَةِ حالًا أوِ (p-208)اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا، والَّذِي اخْتارَهُ كَوْنُهُ عَطْفًا عَلى مُقَدَّرٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ الكَلامُ ويَسْتَدْعِيهِ النِّظامُ فَإنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا ذَكَرَ ﴿ومَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ فَهُمُ النَّهْيُ عَنِ الكُفْرِ فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَلا تَكْفُرُوا وأقِيمُوا الصَّلاةَ إلَخْ. وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ انْفَهامُ المُقَدَّرِ مِن مَجْمُوعِ ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أطِيعُوا اللَّهَ﴾ إلَخْ، حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ الأمْرَ بِالإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ فَكَأنَّهُ قِيلَ فَآمِنُوا واعْمَلُوا الصّالِحاتِ وأقِيمُوا إلَخْ، وجَوَّزَ في ﴿أطِيعُوا﴾ أنْ يَكُونَ أمْرًا بِإطاعَتِهِ ﷺ بِجَمِيعِ الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ المُنْتَظِمَةِ لِلْآدابِ المُرْضِيَّةِ وأنْ يَكُونَ أمْرًا بِالإطاعَةِ فِيما عَدا الأمْرَيْنِ السّابِقَيْنِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ لِتَكْمِيلِهِما كَأنَّهُ قِيلَ: وأطِيعُوا الرَّسُولَ في سائِرِ ما يَأْمُرُكم بِهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِالأوامِرِ الثَّلاثَةِ وجَعَلَ عَلى الأوَّلِ مُتَعَلِّقًا بِالأخِيرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب