الباحث القرآني

﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحابًا﴾ إلَخْ كالتَّأْكِيدِ لِما قَبْلَهُ والتَّنْوِيرُ والإزْجاءُ لَهُ سَوْقُ الشَّيْءِ بِرِفْقٍ وسُهُولَةٍ، وقِيلَ: سَوَّقَ الثَّقِيلَ بِرِفْقٍ وغَلَبَ عَلى ما ذَكَرَ بَعْضُ الأجِلَّةِ في سَوْقِ شَيْءٍ يَسِيرٍ أوْ غَيْرِ مُعْتَدٍّ بِهِ، ومِنهُ البِضاعَةُ المُزْجاةُ أيِ المَسُوقَةِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ عَلى قِلَّةٍ وضَعْفٍ، وقِيلَ: أيُ الَّتِي تُزْجى أيْ تُدْفَعُ لِلرَّغْبَةِ عَنْها، وفي التَّعْبِيرِ بِيَزْجِي عَلى ما ذُكِرَ إيماءٌ إلى أنَّ السَّحابَ (p-190)بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَتِهِ تَعالى مِمّا لا يُعْتَدُّ بِهِ، وهو اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ واحِدُهُ سَحابُهُ، والمَعْنى كَما في البَحْرِ يَسُوقُ سَحابَةً إلى سَحابَةٍ ﴿ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ بِأنْ يُوَصِّلَ سَحابَةً بِسَحابَةٍ، وقالَ غَيْرُ واحِدٍ: السَّحابُ واحِدٌ كالعَماءِ والمُرادُ يُؤَلِّفُ بَيْنَ أجْزائِهِ وقِطَعِهِ وهَذا لِأنَّ بَيْنَ لا تُضافُ لِغَيْرِ مُتَعَدِّدٍ وبِهَذا التَّأْوِيلِ يَحْصُلُ التَّعَدُّدُ كَما قِيلَ بِهِ في قَوْلِهِ: بَيْنَ الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ، واسْتَغْنى بَعْضُهم عَنْهُ بِجَعْلِ السَّحابِ اسْمِ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ عَلى ما سَمِعْتَ. وقَرَأ ورَشٌ عَنْ نافِعٍ «يُولِفُ» غَيْرَ مَهْمُوزٍ ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكامًا﴾ أيْ مُتَراكِمًا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ ﴿فَتَرى الوَدْقَ﴾ أيِ المَطَرِ شَدِيدًا كانَ أوْ ضَعِيفًا إثْرَ تَراكُمِهِ وتَكاثُفِهِ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي بَجِيلَةَ عَنْ أبِيهِ أنَّهُ فَسَّرَ الوَدْقَ بِالبَرْقِ ولَمْ نَرَهُ لِغَيْرِهِ والَّذِي رَأيْناهُ في مُعْظَمِ التَّفاسِيرِ وكُتُبِ اللُّغَةِ أنَّهُ المَطَرُ ﴿يَخْرُجُ مِن خِلالِهِ﴾ أيْ مِن فُتُوقِهِ ومَخارِجِهِ الَّتِي حَدَثَتْ بِالتَّراكُمِ والِانْعِصارِ وهو جَمْعُ خَلَلٍ كَجِبالٍ وجَبَلٍ، وقِيلَ: هو مُفْرَدٌ كَحِجابٍ وحِجازٍ، وأيَّدَ بِقِراءَةِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ زَيْدٍ والضَّحّاكِ ومُعاذٍ العَنْبَرِيِّ عَنْ أبِي عَمْرٍو والزَّعْفَرانِيِّ مِن «خَلَّلَهُ» والمُرادُ حِينَئِذٍ الجِنْسُ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ﴿الوَدْقَ﴾ لِأنَّ الرُّؤْيَةَ بَصَرِيَّةٌ، وفي تَعْقِيبِ الجَعْلِ المَذْكُورِ بِرُؤْيَتِهِ خارِجًا لا بِخُرُوجِهِ مِنَ المُبالَغَةِ في سُرْعَةِ الخُرُوجِ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعالى: فَقُلْنا ﴿اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ فانْفَلَقَ﴾ [الشُّعَراءُ: 63] ومِنَ الِاعْتِناءِ بِتَقْرِيرِ الرُّؤْيَةِ ما لا يَخْفى ﴿ويُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ﴾ أيْ مِنَ السَّحابِ فَإنَّ كُلَّ ما عَلاكَ سَماءٌ، وكَأنَّ العُدُولَ عَنْهُ إلى السَّماءِ لِلْإيماءِ إلى أنَّ لِلسُّمُوِّ مَدْخَلًا فِيما يَنْزِلُ بِناءً عَلى المَشْهُورِ في سَبَبِ تَكَوُّنِ البَرْدِ، وجَوَّزَ أنْ يُرادَ بِها جِهَةُ العُلُوِّ ولِلْإيماءِ المَذْكُورِ ذُكِرَتْ مَعَ التَّنْزِيلِ ﴿مِن جِبالٍ﴾ أيْ مِن قِطَعِ عِظامٍ تُشْبِهُ الجِبالَ في العَظْمِ عَلى التَّشْبِيهِ البَلِيغِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَتّى إذا جَعَلَهُ﴾ نارًا [الكَهْفُ: 96] والمُرادُ بِها قِطَعُ السَّحابِ، ومِنَ الغَرِيبِ الَّذِي لا تُساعِدُهُ اللُّغَةُ كَما في الدُّرَرِ والغَرَرِ الرَّضَوِيَّةِ قَوْلُ الأصْبِهانِيِّ: إنَّ الجِبالَ ما جَبَلَهُ اللَّهُ تَعالى أيْ خَلَقَهُ مِنَ البَرْدِ ﴿فِيها﴾ أيْ في السَّماءِ، والجارُّ والمَجْرُورُ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِجِبالٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن بَرَدٍ﴾ وهو مَعْرُوفٌ، وسُمِّيَ بَرْدًا لِأنَّهُ يُبَرِّدُ وجْهَ الأرْضِ أيْ يُقَشِّرُهُ مِن بَرَّدْتَ الشَّيْءَ بِالمِبْرَدِ مَفْعُولُ ( يُنَزِّلُ ) عَلى أنَّ مِن تَبْعِيضِيَّةٌ، وقِيلَ: زائِدَةٌ عَلى رَأْيِ الأخْفَشِ والأُولَيانِ لِابْتِداءِ الغايَةِ، والجارُّ والمَجْرُورُ الثّانِي بَدَلٌ مِنَ الأوَّلِ بَدَلُ اشْتِمالٍ أوْ بَعْضٍ أيْ يُنَزِّلُ مُبْتَدَأٌ مِنَ السَّماءِ مِن جِبالٍ كائِنَةٍ فِيها بَعْضُ بَرْدٍ أوْ بَرْدًا. وزَعَمَ الحَوْفِيُّ أنَّ مِنَ الثّانِيَةِ لِلتَّبْعِيضِ كالثّالِثَةِ مَعَ قَوْلِهِ بِالبَدَلِيَّةِ وهو خَطَأٌ ظاهِرٌ، وقِيلَ: مِنَ الأُولى ابْتِدائِيَّةٌ والثّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ واقِعَةٌ مَوْقِعَ المَفْعُولِ، وقِيلَ: زائِدَةٌ عَلى رَأْيِ الأخْفَشِ أيْضًا والثّالِثَةُ لِلْبَيانِ أيْ يَنْزِلُ مُبْتَدَأٌ مِنَ السَّماءِ بَعْضُ جِبالٍ أوْ جِبالًا كائِنَةً فِيها الَّتِي هي بَرْدٌ فالمَنزِلُ بَرْدٌ، عَنِ الأخْفَشِ أنَّ ﴿مِن﴾ الثّانِيَةَ ومِنَ الثّالِثَةَ زائِدَتانِ وكُلٌّ مِنَ المَجْرُورَيْنِ في مَحَلِّ نَصْبٍ أمّا الأوَّلُ فَعَلى المَفْعُولِيَّةِ لِيَنْزِلَ وأمّا الثّانِي فَعَلى البَدَلِيَّةِ مِنهُ أيْ يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ جِبالًا لا بَرْدًا ومَآلُهُ يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ بَرْدًا. وقالَ الفِراءُ: هُما زائِدَتانِ إلّا أنَّ المَجْرُورَ بِأُولاهُما في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى المَفْعُولِيَّةِ والمَجْرُورُ بِثانِيَتِهِما في مَوْضِعِ رَفْعٍ إمّا عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ ( وفِيها ) خَبَرُهُ والضَّمِيرُ مِن ﴿فِيها﴾ لِلْجِبالِ أيْ يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ جِبالًا في تِلْكَ الجِبالِ بَرْدٌ لا شَيْءَ آخِرَ مِن حَصًى وغَيْرِهِ، وإمّا عَلى أنَّهُ فاعِلُ ﴿فِيها﴾ لِأنَّهُ قَدِ اعْتَمَدَ عَلى المَوْصُوفِ أعْنِي الجِبالَ وضَمِيرٌ راجِعٌ إلَيْها أيْضًا. والمُرادُ بِالجِبالِ عَلى غَيْرِ ما قَوْلِ الكَثْرَةِ مَجازًا وقَدْ جاءَ اسْتِعْمالُها فِيها كَذَلِكَ في قَوْلِ ابْنِ مُقْبِلٍ:(p-191) ؎إذا مِتُّ عَنْ ذِكْرِ القَوافِي فَلَنْ تَرى لَها شاعِرًا مِنِّي أطْلُبُ وأشْعَرا ؎وأكْثَرُ بَيْتًا شاعِرٍ ضُرِبَتْ لَهُ ∗∗∗ بُطُونُ جِبالِ الشِّعْرِ حَتّى تُيَسِّرا ويُقالُ: عِنْدَهُ جَبَلٌ مِن ذَهَبٍ وجَبَلٌ مَن عِلْمٍ، وعَنْ مُجاهِدٍ والكَلْبِيِّ وأكْثَرِ المُفَسِّرِينَ أنَّ المُرادَ بِالسَّماءِ المُظِلَّةُ وبِالجِبالِ حَقِيقَتُها قالُوا: إنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ في السَّماءِ جِبالًا مَن بَرْدٍ كَما خَلَقَ في الأرْضِ جِبالًا مَن حَجَرٍ ولَيْسَ في العَقْلِ ما يَنْفِيهِ مِن قاطِعٍ فَيَجُوزُ إبْقاءُ الآيَةِ عَلى ظاهِرِها كَما قِيلَ، والمَشْهُورُ بَيْنَ أهْلِ الحِكْمَةِ أنَّ انْبِعاثَ قَوى السَّماوِيّاتِ وأشَعَّتِها قَدْ يُوجِبُ تَصْعِيدَ أجْسامٍ لَطِيفَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَنِ الماءِ مُمْتَزِجَةٍ مَعَ الهَواءِ وهي الَّتِي سُمِّيَ بُخارًا ولِثِقْلِهِ بِالنِّسْبَةِ إلى الدُّخانِ لِرُطُوبَتِهِ ويَبِسِ الدُّخانِ يَقِفُ في حَيِّزِ الهَواءِ بِحَيْثُ لا يَكُونُ واصِلًا إلَيْهِ الحَرارَةُ الكائِنَةُ مِنَ الشُّعاعِ المُنْعَكِسِ عَنْ جَرْمِ الأرْضِ ويَكُونُ مُتَباعِدًا عَنِ المُتَسَخِّنِ بِحَرارَةِ النّارِ فَيَبْقى في الطَّبَقَةِ البارِدَةِ مِنَ الهَواءِ فَيَبْرُدُ ويَتَكاثَفُ بِالتَّصاعُدِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَرْتَكِمْ مِنهُ سَحابٌ فَيُقَطِّرُ مَطَرًا إمّا كُلُّهُ أوْ بَعْضُهُ ويَتَفَرَّقُ بَعْضُهُ لِبَقائِهِ عَلى صُورَتِهِ الهَوائِيَّةِ واسْتِحالَةُ ما قُطِّرَ إلى صُورَتِهِ المائِيَّةِ فَإنْ طالَتْ مَسافَتُها اتَّصَلَتْ فَكانَتْ قَطَراتُها أكْبَرَ وإنِ اشْتَدَّ البَرْدُ عَلَيْها صارَتْ بَرْدًا أوْ نَزَلَتْ ثَلْجًا وامْتَنَعَ تَصاعُدُ البُخارِ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَبْرُدُ وجْهُ الأرْضِ مَعَ بَرْدِ الجَوِّ فَيَكُونُ مِن ذَلِكَ البَرْدُ القَوِيُّ فَإنْ صادَفَ رِيحًا اشْتَدَّ البَرْدُ لِإزالَتِها البُخارُ الأرْضِيُّ وإنْ لَمْ يُصادِفْ رِيحًا أذابَ البُخارُ الثَّلْجَ وسَخُنَ وجْهُ الأرْضِ، وذَكَرُوا أنَّهُ كُلَّما طالَتِ المَسافَةُ حَتّى اتَّصَلَتْ وكَبُرَتِ القَطَراتُ وصادَفَ البَرْدُ كانَ البَرْدُ أكْبَرَ مِقْدارًا وقَدْ يَنْعَقِدُ المَطَرُ بَرْدًا داخِلَ السَّحابِ ثُمَّ يَنْزِلُ وذَلِكَ في الرَّبِيعِ عِنْدَ ما يُصِيبُهُ سُخُونَةٌ مِن خارِجِهِ فَتُبْطِنُ البُرُودَةُ في داخِلِهِ عِنْدَ انْحِلالِهِ قَطَراتٍ فَيَجْمُدُ وقَدْ يَكُونُ البُخارُ أكْثَرَ تَكاثُفًا فَلا يَقْوى عَلى الِارْتِفاعِ ويَبْرُدُ بِسُرْعَةٍ بِما يُوافِيهِ مِن بَرْدِ اللَّيْلِ لِعَدَمِ الشُّعاعِ، ولَيْسَ بِحَيْثُ يَصِيرُ سَحابًا فَيَكُونُ مِنهُ الظِّلِّ وقَدْ يَجْمُدُ في الأعالِي قَبْلَ تَراكُمِهِ فَيَكُونُ مِنهُ الصَّقِيعُ وقَدْ يَتَكاثَفُ الهَواءُ لِإفْراطِ البَرْدِ فَيَنْعَقِدُ سَحابًا ويُمْطِرُ بِحالِهِ، والحَقُّ أنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا إلى إرادَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ومَشِيئَتِهِ سُبْحانَهُ المَبْنِيَّةِ عَلى الحِكَمِ والمَصالِحِ والأسْبابِ الَّتِي ذُكِرَتْ عادِيَّةً ولا أرى بَأْسًا بِالقَوْلِ بِذَلِكَ وبِاعْتِبارِ أنَّ أوَّلَ الأسْبابِ القُوى السَّماوِيَّةُ وأشِعَّتُها صَحَّ أنْ يُقالَ: إنَّ الإنْزالَ مُبْتَدَأٌ مِنَ السَّماءِ عَلى ما أشارَ إلَيْهِ العَلّامَةُ البَيْضاوِيُّ في الكَلامِ عَلى سُورَةِ البَقَرَةِ، وحَمَلَ الآيَةَ عَلى ما يُوافِقُ المَشْهُورَةَ لا يَخِلُّ بِجَزالَتِها بَلْ هي عَلَيْهِ أجْزَلُ وعَنْ شُكُوكِ العَوامِّ أبْعَدُ لا سِيَّما أهْلِ الجِبالِ الَّذِينَ قَدْ يُمْطِرُونَ ويَنْزِلُ عَلى أرْضِهِمُ البَرْدُ وهم فَوْقَ الجِبالِ في الشَّمْسِ ﴿فَيُصِيبُ بِهِ﴾ أيْ بِما يَنْزِلُ مِنَ البَرْدِ ﴿مَن يَشاءُ﴾ أيْ يُصِيبُهُ فَيَنالُهُ ما يَنالُهُ مِن ضَرَرٍ في مالِهِ ونَفْسِهِ ﴿ويَصْرِفُهُ عَنْ مَن يَشاءُ﴾ أنْ يَصْرِفَهُ عَنْهُ فَيَنْجُو مِن غائِلَتِهِ، ورُجُوعُ الضَّمِيرَيْنِ إلى البَرْدِ هو الظّاهِرُ. وفِي البَحْرِ يَحْتَمِلُ رُجُوعَهُما إلى ﴿الوَدْقَ﴾ والبَرَدِ وجَرى فِيهِما مَجْرى اسْمِ الإشارَةِ كَأنَّهُ قِيلَ فَيُصِيبُ بِذَلِكَ ويَصْرِفُ ذَلِكَ والمَطَرُ أغْلَبُ في الإصابَةِ والصَّرْفِ وأبْلَغُ في المَنفَعَةِ والِامْتِنانِ اهْـ وفِيهِ بَعْدٌ ومَنعٌ ظاهِرٌ. ﴿يَكادُ سَنا بَرْقِهِ﴾ أيْ ضَوْءِ بَرْقِ السَّحابِ المَوْصُوفِ بِما مَرَّ مِنَ الإزْجاءِ والتَّأْلِيفِ وغَيْرِهِما، وإضافَةُ البَرْقِ إلَيْهِ قَبْلَ الإخْبارِ بِوُجُودِهِ فِيهِ لِلْإيذانِ بِظُهُورِ أمْرِهِ واسْتِغْنائِهِ عَلى التَّصْرِيحِ بِهِ وعَلى ما سَمِعْتُ عَنْ أبِي بَجِيلَةَ لا يَحْتاجُ إلى هَذا ورُجُوعُ الضَّمِيرِ إلى البَرْدِ أيْ بَرْقِ البَرْدِ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في حَقِيقَةِ البَرْقِ فَتَذَكَّرْ. وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مَصْرِفٍ «سَناءً» مَمْدُودًا «بَرْقُهُ» بِضَمِّ الباءِ وفَتْحِ الرّاءِ جَمْعُ بَرْقَةٍ بِضَمِّ الباءِ وهي المِقْدارُ (p-192)مِنَ البَرْقِ كالغُرْفَةِ. واللُّقْمَةُ، وعَنْهُ أيْضًا أنَّهُ قَرَأ «بَرْقَهُ» بِضَمِّ الباءِ والرّاءِ أتْبَعُ حَرَكَةَ الرّاءِ لِحَرَكَةِ الباءِ كَما قِيلَ نَظِيرُهُ في ﴿ظُلُماتٌ﴾ والسَّناءُ مَمْدُودًا بِمَعْنى العُلُوِّ وارْتِفاعِ الشَّأْنِ، وهو هُنا كِنايَةٌ عَنْ قُوَّةِ الضَّوْءِ، وقُرِئَ «يَكادُ سَنا» بِإدْغامِ الدّالِّ في السِّينِ ﴿يَذْهَبُ بِالأبْصارِ﴾ أيْ يَخْطِفُها مِن فَرْطِ الإضاءَةِ وسُرْعَةِ وُرُودِها وفي إطْلاقِ الأبْصارِ مَزِيدُ تَهْوِيلٍ لِأمْرِهِ وبَيانٍ لِشِدَّةِ تَأْثِيرِهِ فِيها كَأنَّهُ يَكادُ يَذْهَبُ بِها ولَوْ عِنْدَ الإغْماضِ وهَذا مِن أقْوى الدَّلائِلِ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ مِن حَيْثُ إنَّهُ تَوْلِيدٌ لِلضِّدِّ مِنَ الضِّدِّ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ «يَذْهَبُ» بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الهاءِ، وذَهَبَ الأخْفَشُ وأبُو حاتِمٍ إلى تَخْطِئَتِهِ في هَذِهِ القِراءَةِ قالا: لِأنَّ الباءَ تُعاقِبُ الهَمْزَةَ، ولا يَجُوزُ اجْتِماعُ أداتِي تَعْدِيَةٍ، وقَدْ أُخْطِئا في ذَلِكَ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَقْرَأ إلّا بِما رُوِيَ وقَدْ أخَذَ القِراءَةَ عَنْ ساداتِ التّابِعِينَ الآخِذِينَ عَنْ جُلَّةِ الصَّحابَةِ أبِيّ وغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم ولَمْ يَنْفَرِدْ هو بِها كَما زَعَمَ الزَّجّاجُ بَلْ قَرَأ أيْضًا كَذَلِكَ شَيْبَةُ وخَرَجَ ذَلِكَ عَلى زِيادَةِ الباءِ أيْ يُذْهِبُ الأبْصارَ وعَلى أنَّ الباءَ بِمَعْنى مِن كَما في قَوْلِهِ: ؎فَلَثَمَتْ فاهًا قابِضًا بِقَوْرَنِها ∗∗∗ شُرْبَ النَّزِيفِ بِبَرْدِ ماءِ الحَشْرَجِ والمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أيْ يَذْهَبُ النُّورُ مِنَ الأبْصارِ، وأجازَ الحَرِيرِيُّ كَما نُقِلَ عَنْهُ الطَّيِّبِيُّ الجَمْعَ بَيْنَ أداتَيْ تَعْدِيَةٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب