الباحث القرآني

﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ﴾ مُتَعَلِّقٌ عَلى ما اسْتَظْهَرَهُ أبُو حَيّانَ بِيُسَبِّحُ وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ يَتَعَلَّقَ بِلا تُلْهِيهِمْ أوْ بِيَخافُونَ ولا يَخْفى أنَّ تَعَلُّقَهُ بِأحَدِ المَذْكُورِينَ مُحَوَّجٌ إلى تَأْوِيلٍ، ولَعَلَّ تَعَلُّقَهُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ما حُكِيَ عَنْهم أوْلى مِن جَمِيعِ ذَلِكَ أيْ يَفْعَلُونَ ما يَفْعَلُونَ مِنَ التَّسْبِيحِ والذِّكْرِ وإيتاءِ الزَّكاةِ والخَوْفِ مِن غَيْرِ صارِفٍ لَهم عَنْ ذَلِكَ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ تَعالى ﴿أحْسَنَ ما عَمِلُوا﴾ واللّامُ عَلى سائِرِ الأوْجُهِ لِلتَّعْلِيلِ. وقالَ أبُو البَقاءِ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ لامُ الصَّيْرُورَةِ كالَّتِي في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا﴾ [القَصَصُ: 8] ومَوْضِعُ الجُمْلَةِ حالٌ والتَّقْدِيرُ يَخافُونَ مُلْهَمِينَ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ وهو كَما تَرى، والجَزاءُ المُقابَلَةُ والمُكافَأةُ عَلى ما يُحْمَدُ ويَتَعَدّى إلى الشَّخْصِ المُجْزِي بِعْنَ قالَ تَعالى: ﴿لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ [البَقَرَةُ: 48، 123] وإلى ما فَعَلَهُ ابْتِداءً بِعَلى تَقُولُ جَزَيْتُهُ عَلى فِعْلِهِ وقَدْ يَتَعَدّى إلَيْهِ بِالباءِ فَيُقالُ جِزْيَتُهُ بِفِعْلِهِ وإلى ما وقَعَ في مُقابَلَتِهِ بِنَفْسِهِ وبِالباءِ، قالَ الرّاغِبُ: يُقالُ جِزْيَتُهُ كَذا وبِكَذا، والظّاهِرُ أنَّ أحْسَنَ هو ما وقَعَ في المُقابَلَةِ فَيَكُونُ الجَزاءُ قَدْ تَعَدّى إلَيْهِ بِنَفْسِهِ ويَحْتاجُ إلى تَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ لِيَجْزِيَهم أحْسَنَ جَزاءِ عَمَلِهِمْ أوِ الَّذِي عَمِلُوهُ حَسْبَما وعَدَ لَهم بِمُقابَلَةٍ حَسَنَةٍ واحِدَةٍ عَشْرَةَ أمْثالِها إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ لِيَكُونَ الأحْسَنُ مِن جِنْسِ الجَزاءِ. وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ الأحْسَنُ هو الفِعْلُ المُجْزى عَلَيْهِ أوْ بِهِ الشَّخْصُ ولَيْسَ هُناكَ مُضافٌ مَحْذُوفٌ والكَلامُ عَلى حَذْفِ الجارِّ أيْ لِيَجْزِيَهم عَلى أحْسَنِ أوْ بِأحْسَنِ ما عَمِلُوا، وأحْسَنُ العَمَلِ أدْناهُ المَندُوبُ فاحْتَرِزْ بِهِ عَنِ الحَسَنِ وهو المُباحُ إذْ لا جَزاءَ لَهُ ورَجَّحَ الأوَّلَ بِسَلامَتِهِ عَنْ حَذْفِ الجارِّ الَّذِي هو غَيْرُ مَقِيسٍ في مِثْلِ ما نَحْنُ فِيهِ بِخِلافِ حَذْفِ المُضافِ فَإنَّهُ كَثِيرٌ مَقِيسٌ، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ المُضافُ المَحْذُوفُ قَبْلَ «أحْسَنَ» أيْ جَزاءٍ أحْسُنُ ما عَمِلُوا، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِما عَمِلُوا أعَمُّ مِمّا سَبَقَ وبَعْضُهم فَسَّرَهُ بِهِ ﴿ويَزِيدَهم مِن فَضْلِهِ﴾ أيْ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِمْ بِأشْياءَ لَمْ تُوعَدْ لَهم بِخُصُوصِيّاتِها أوْ بِمَقادِيرِها ولَمْ يَخْطُرْ بِبالِهِمْ كَيْفِيّاتِها ولا كَمِّيَّتِها بَلْ إنَّما وعَدَتْ بِطَرِيقِ الإجْمالِ في مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ [يُونُسُ: 26] وقَوْلُهُ ﷺ حِكايَةٌ عَنْهُ عَزَّ وجَلَّ ««أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ»» إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَواعِيدِ الكَرِيمَةِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿واللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ فَإنَّهُ تَذْيِيلٌ مُقَرِّرٌ لِلزِّيادَةِ ووَعْدٌ كَرِيمٌ بِأنَّهُ تَعالى يُعْطِيهِمْ غَيْرَ أجِزْيَةِ أعْمالِهِمْ مِنَ الخَيْراتِ ما لا يَفِي بِهِ الحِسابُ والمَوْصُولُ عِبارَةٌ عَمَّنْ ذُكِرَتْ صِفاتُهُمُ الجَمِيلَةُ كَأنَّهُ قِيلَ واللَّهَ يَرْزُقُهم بِغَيْرِ حِسابٍ، ووَضَعَهُ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِمْ لِلتَّنْبِيهِ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ عَلى أنَّ مَناطَ الرِّزْقِ المَذْكُورِ مَحْضُ مَشِيئَتِهِ تَعالى لا أعْمالَهُمُ المَحْكِيَّةُ كَما أنَّها المَناطُ لِما سَبَقَ مِنَ الهِدايَةِ لِنُورِهِ عَزَّ وجَلَّ ولِلْإيذانِ بِأنَّهم مِمَّنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى أنْ يَرْزُقَهم كَما أنَّهم مِمَّنْ شاءَ سُبْحانَهُ أنْ يَهْدِيَهم لِنُورِهِ حَسْبَما يُعْرِبُ عَنْهُ ما فَصَلَ مِن أعْمالِهِمُ الحَسَنَةِ فَإنَّ جَمِيعَها مِن آثارِ تِلْكَ الهِدايَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب