الباحث القرآني

﴿لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَدْخُلُوا﴾ أيْ بِغَيْرِ اسْتِئْذانٍ ﴿بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ أيْ مَوْضُوعَةٍ لِسُكْنى طائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَقَطْ بَلْ لِيَتَمَتَّعَ بِها مَن يَحْتاجُ إلَيْها كائِنًا مَن كانَ مِن غَيْرِ أنْ يَتَّخِذَها سَكَنًا كالرَّبْطِ والخاناتِ والحَوانِيتَ والحَمّاماتِ وغَيْرِها فَإنَّها مُعَدَّةٌ لِمَصالِحِ النّاسِ كافَّةً كَما يُنَبِّئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِيها مَتاعٌ لَكُمْ﴾ فَإنَّهُ صِفَةٌ لِلْبُيُوتِ أوِ اسْتِئْنافِ جارٍ مَجْرى التَّعْلِيلِ لِنَفْيِ الجَناحِ أيْ فِيها حَقُّ تَمَتُّعٍ لَكم كالِاسْتِكْنانِ مِنَ الحَرِّ والبَرْدِ وإيواءِ الأمْتِعَةِ والرِّحالِ والشِّراءِ والبَيْعِ والِاغْتِسالِ وغَيْرِها مِمّا يَلِيقُ بِحالِ البُيُوتِ وداخِلِيها فَلا بَأْسَ بِدُخُولِها بِغَيْرِ اسْتِئْذانٍ مِن داخِلِيها مِن قَبْلُ ولا مِمَّنْ يَتَوَلّى أمْرَها ويَقُومُ بِتَدْبِيرِها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُقاتِلٍ «أنَّهُ لَمّا نَزَلْ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا﴾ إلَخْ قالَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِتُجّارِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ مِن مَكَّةَ والمَدِينَةِ والشّامِ وبَيْتِ المَقْدِسِ ولَهم بُيُوتٌ مَعْلُومَةٌ عَلى الطَّرِيقِ فَكَيْفَ يَسْتَأْذِنُونَ ويُسَلِّمُونَ ولَيْسَ فِيها سُكّانٌ؟ فَرَخَّصَ سُبْحانَهُ في ذَلِكَ فَأنْزَلَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ﴾ إلَخْ،» وعَنى الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بِـ البُيُوتِ المَعْلُومَةِ الخاناتِ الَّتِي في الطُّرُقِ وهي في الآيَةِ أعَمُّ مِن ذَلِكَ، ولا عِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ فَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ ومُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ والضَّحّاكِ وغَيْرِهِمْ مِن تَفْسِيرِها فِيها بِذَلِكَ مِن بابِ التَّمْثِيلِ، وكَذا ما أخْرَجَهُ جَماعَةٌ عَنْ عَطاءَ وعَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ وإبْراهِيمُ النَّخْعِيُّ أنَّها البُيُوتُ الخَرِبَةُ الَّتِي تُدْخَلُ لِلتَّبَرُّزِ، وأمّا ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ أيْضًا مِن أنَّها دُورُ مَكَّةَ فَهو مِن بابِ التَّمْثِيلِ أيْضًا لَكِنَّ صِحَّةَ ذَلِكَ مَبْنِيَّةٌ عَلى القَوْلِ بِأنَّ دَوْرَ مَكَّةَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ والنّاسُ فِيها شُرَكاءُ وقَدْ عَلِمْتُ ما في المَسْألَةِ مِنَ الخِلافِ. وأخْرَجَ أبُو داوُدَ في النّاسِخِ وابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكم حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وتُسَلِّمُوا عَلى أهْلِها﴾ قَدْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ﴾ إلَخْ واسْتَثْنى مِنهُ البُيُوتَ الغَيْرَ المَسْكُونَةَ، ورُوِيَ حَدِيثُ الِاسْتِثْناءِ عَنْ عِكْرِمَةَ والحَسْنِ وهو الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظاهِرُ خَبَرِ (p-138)مُقاتِلٍ وإلَيْهِ ذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّهُ لا يُظْهِرُ ذَلِكَ الآنَ الآيَةَ الأُولى في البُيُوتِ المَمْلُوكَةِ والمَسْكُونَةِ وهَذِهِ الآيَةُ في البُيُوتِ المُباحَةِ الَّتِي لا اخْتِصاصَ لَها بِواحِدٍ دُونَ واحِدٍ. والَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الجَلِيلُ أنَّ البُيُوتَ فِيما تَقَدَّمَ أعَمُّ مِن هَذِهِ البُيُوتِ فَيَكُونُ ما ذُكِرَ تَخْصِيصًا لِذَلِكَ وهو المَعْنِيُّ بِالِاسْتِثْناءِ فَتَدَبَّرْ ولا تَغْفُلْ. ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما تَكْتُمُونَ﴾ وعِيدٌ لِمَن يَدْخُلُ مَدْخَلًا مِن هَذِهِ المَداخِلِ لِفَسادٍ أوِ اطِّلاعٍ عَلى عَوْراتٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب