الباحث القرآني
﴿ولا يَأْتَلِ﴾ أيْ لا يَحْلِفُ افْتِعالَ مِنَ الآلِيَّةِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ. واخْتارَهُ أبُو مُسْلِمٍ: أيْ لا يُقَصِّرُ مِنَ الألْوِ بِوَزْنِ الدَّلْوِ والألْوُ بِوَزْنِ العُتُوِّ، قِيلَ: والأوَّلُ أوْفَقُ بِسَبَبِ النُّزُولِ وذَلِكَ أنَّهُ صَحَّ عَنْ عائِشَةَ وغَيْرِها أنَّ أبا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ حَلَفَ لِما رَأى بَراءَةَ ابْنَتِهِ أنْ لا يُنْفِقَ عَلى مُسَطَّحٍ شَيْئًا أبَدًا وكانَ مِن فُقَراءِ المُهاجِرِينَ الأوَّلِينَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا وكانَ ابْنَ خالَتِهِ، وقِيلَ: ابْنُ أُخْتِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ فَنَزَلَتْ ﴿ولا يَأْتَلِ﴾ إلَخْ وهَذا هو المَشْهُورُ.
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أنَّ أبا بَكْرٍ حَلَفَ لا يُنْفِقُ عَلى رَجُلَيْنِ كانا يَتِيمَيْنِ في حِجْرِهِ حَيْثُ خاضا في أمْرِ عائِشَةَ أحَدُهُما مُسَطَّحٌ فَنَزَلَتْ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ أنَّهُ قَطَعَ جَماعَةً مِنَ المُؤْمِنِينَ مِنهم أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ مَنافِعَهم عَمَّنْ قالَ في الإفْكِ وقالُوا: واللَّهِ لا نَصِلُ مَن تَكَلَّمَ فِيهِ فَنَزَلَتْ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ وأبُو جَعْفَرٍ مَوْلاهُ وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ «يَتالُ» مُضارِعُ تالى بِمَعْنى حَلَفَ، قالَ الشّاعِرُ:
؎تالى ابْنُ أوْسٍ حَلْفَةً لِيَرُدَّنِي إلى نِسْوَةٍ لِي كَأنَّهُنَّ مَقائِدُ
وهَذِهِ القِراءَةُ تُؤَيِّدُ المَعْنى الأوَّلِ لِيَأْتِلِ ﴿أُولُو الفَضْلِ مِنكُمْ﴾ أيِ الزِّيادَةِ في الدِّينِ ﴿والسَّعَةِ﴾ أيْ في المالِ ﴿أنْ يُؤْتُوا﴾ أيْ عَلى أنْ لا يُؤْتُوا أوْ كَراهَةَ أنْ يُؤْتُوا أوْ لا يُقَصِّرُوا في أنْ يُؤْتُوا.
وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ وابْنُ قَطِيبٍ وأبُو البَرْهَسِمِ «تُؤْتُوا» بِتاءِ الخِطابِ عَلى الِالتِفاتِ.
﴿أُولِي القُرْبى والمَساكِينَ والمُهاجِرِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ صِفاتٌ لِمَوْصُوفٍ واحِدٍ بِناءً عَلى ما عَلِمْتُ مِن أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ عَلى الصَّحِيحِ بِسَبَبِ حَلْفِ أبِي بَكْرٍ أنْ لا يُنْفِقَ عَلى مُسَطَّحٍ وهو مُتَّصِفٌ كَما سَمِعْتَ بِها فالعَطْفُ لِتَنْزِيلِ تَغايُرِ الصِّفاتِ مَنزِلَةَ تَغايُرِ المَوْصُوفاتِ، والجَمْعُ وإنْ كانَ السَّبَبُ خاصًّا لِقَصْدِ العُمُومِ وعَدَمِ الِاكْتِفاءِ بِصِفَةٍ لِلْمُبالَغَةِ في إثْباتِ اسْتِحْقاقِ مُسَطَّحٍ ونَحْوِهِ الإيتاءِ فَإنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِواحِدَةٍ مِن هَذِهِ الصِّفاتِ إذا اسْتَحَقَّهُ فَمَن جَمَعَها بِالطَّرِيقِ الأُولى، وقِيلَ: هي لِمَوْصُوفاتٍ أُقِيمَتْ هي مَقامَها وحَذَفَ المَفْعُولَ الثّانِي لِغايَةِ ظُهُورِهِ أيْ أنْ يُؤْتُوهم شَيْئًا ﴿ولْيَعْفُوا﴾ ما فَرَّطَ مِنهم ﴿ولْيَصْفَحُوا﴾ بِالإغْضاءِ عَنْهُ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ والحَسَنُ وسُفْيانُ بْنُ الحُسَيْنِ وأسْماءُ بِنْتُ يَزِيدَ «ولْتَعْفُو ولْتَصْفَحُوا» بِتاءِ الخِطابِ عَلى وفْقِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أيْ بِمُقابَلَةِ عَفْوِكم وصَفْحِكم وإحْسانِكم إلى مَن أساءَ إلَيْكم ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ مُبالَغٌ في المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ مَعَ كَمالِ قُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ عَلى المُؤاخَذَةِ وكَثْرَةِ ذُنُوبِ العِبادِ الدّاعِيَةِ إلَيْها، وفِيهِ تَرْغِيبٌ عَظِيمٌ في العَفْوِ ووَعْدٍ كَرِيمٍ بِمُقابَلَتِهِ كَأنَّهُ قِيلَ: ألا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكم فَهَذا مِن مُوجِباتِهِ، وصَحَّ أنَّ أبا بَكْرٍ لَمّا سَمِعَ الآيَةَ قالَ: بَلى واللَّهِ يا رَبَّنا إنّا لَنُحِبُّ أنْ تَغْفِرَ لَنا وأعادَ لَهُ نَفَقَتَهُ، وفي رِوايَةٍ أنَّهُ صارَ يُعْطِيهِ ضَعْفَيْ ما كانَ يُعْطِيهِ أوَّلًا، ونَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى ما أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُقاتِلٍ بَعْدَ أنْ أقْبَلَ مُسَطَّحٌ إلى أبِي بَكْرٍ مُعْتَذِرًا فَقالَ: جَعَلَنِي اللَّهُ تَعالى فَداكَ واللَّهِ الَّذِي أنْزَلَ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ ما قَذَفْتُها وما تَكَلَّمْتُ بِشَيْءٍ مِمّا قِيلَ لَها أيْ خالٍ فَقالَ أبُو بَكْرٍ ولَكِنْ قَدْ ضَحِكْتَ وأعْجَبَكَ الَّذِي قِيلَ فِيها فَقالَ مُسَطَّحٌ لَعَلَّهُ يَكُونُ قَدْ كانَ بَعْضَ ذَلِكَ، وفي الآيَةِ مِنَ الحَثِّ عَلى مَكارِمِ الأخْلاقِ ما فِيها. واسْتَدَلَّ بِها عَلى فَضْلِ الصَّدِيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ لِأنَّهُ داخِلٌ في أُولِي الفَضْلِ قَطْعًا لِأنَّهُ وحْدَهُ أوْ مَعَ جَماعَةٍ سَبَبَ النُّزُولِ، ولا يُضَرُّ في ذَلِكَ عُمُومَ (p-126)الحُكْمِ لِجَمِيعِ المُؤْمِنِينَ كَما هو الظّاهِرُ، ولا حاجَةَ إلى دَعْوى أنَّها فِيهِ خاصَّةً والجَمْعُ لِلتَّعْظِيمِ، وكَوْنُهُ مَخْصُوصًا بِضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ مَرْدُودٌ عَلى أنَّ فِيها مِنِ ارْتِكابِ خِلافِ الظّاهِرِ ما فِيها، وأجابَ الرّافِضَةُ بِأنَّ المُرادَ بِالفَضْلِ الزِّيادَةُ في المالِ، ويَرُدُّ عَلَيْهِ أنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿والسَّعَةِ﴾ وادَّعى الإمامُ أنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّ الصَّدِيقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أفْضَلُ جَمِيعِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم وبَيْنَ ذَلِكَ بِما هو بَعِيدٌ عَنْ فَضْلِهِ، وذَكَرَ أيْضًا دَلالَتَها عَلى وُجُوهِ مَن مَدَحَهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ وأكْثَرَها لِلْبَحْثِ فِيها مَجالٌ، واسْتَدَلَّ بِها عَلى أنْ ما لا يَكُونُ رِدَّةً مِنَ المَعاصِي لا يُحْبِطُ العَمَلَ وإلّا لَما سَمّى اللَّهُ تَعالى مُسَطَّحًا مُهاجِرًا مَعَ أنَّهُ صَدَرَ مِنهُ ما صَدَرَ، وعَلى أنَّ الحَلِفَ عَلى تَرْكِ الطّاعَةِ غَيْرُ جائِزٍ لِأنَّهُ تَعالى نَهى عَنْهُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولا يَأْتَلِ﴾ ومَعْناهُ عَلى ما يَقْتَضِيهِ سَبَبُ النُّزُولِ لا يَحْلِفُ، وظاهِرُ هَذا حَمْلُ النَّهْيِ عَلى التَّحْرِيمِ، وقِيلَ: هو لِلْكَراهَةِ، وقِيلَ: الحَقُّ أنَّ الحَلْفَ عَلى تَرْكِ الطّاعَةِ قَدْ يَكُونُ حَرامًا، وقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا، فالنَّهْيُ هُنا لِطَلَبِ التَّرْكِ مُطْلَقًا وفِيهِ بَحْثٌ.
وذَكَرَ جُمْهُورُ الفُقَهاءِ أنَّهُ «إذا حَلَفَ عَلى يَمِينٍ فَرَأى غَيْرَها خَيْرًا مِنها فَلْيَأْتِ الَّذِي هو خَيْرٌ ولْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» كَما جاءَ في الحَدِيثِ، وقالَ بَعْضُهم.
«إذا حَلَفَ فَلْيَأْتِ الَّذِي هو خَيْرٌ وذَلِكَ كَفّارَتُهُ» كَما جاءَ في حَدِيثٍ آخَرَ.
وتَعَقَّبَ بِأنَّ المُرادَ مِنَ الكَفّارَةِ في ذَلِكَ الحَدِيثِ تَكْفِيرُ الذَّنْبِ لا الكَفّارَةُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هي بِإحْدى الخِصالِ.
{"ayah":"وَلَا یَأۡتَلِ أُو۟لُوا۟ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن یُؤۡتُوۤا۟ أُو۟لِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَلۡیَعۡفُوا۟ وَلۡیَصۡفَحُوۤا۟ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











