الباحث القرآني

﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ التِفاتٌ إلى خِطابِ الخائِضِينَ ما عَدا مَن تَوَلّى كِبْرَهُ مِنهُمْ، واسْتَظْهَرَ أبُو حَيّانَ كَوْنُ الخِطابِ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَهُ، واخْتِيرَ الخِطابُ لِتَشْدِيدِ ما في لَوْلا التَّحْضِيضِيَّةِ مِنَ التَّوْبِيخِ، ولِتَأْكِيدِ التَّوْبِيخِ عَدَلَ إلى الغَيْبَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بِأنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ لَكِنْ لا بِطْرِيقَ الإعْراضِ عَنِ المُخاطِبِينَ وحِكايَةِ جِناياتِهِمْ لِغَيْرِهِمْ بَلْ بِالتَّوَسُّلِ بِذَلِكَ إلى وصْفِهِمْ بِما يُوجِبُ الإتْيانَ بِالمُحَضَّضِ عَلَيْهِ ويَقْتَضِيهِ اقْتِضاءً تامًّا ويَزْجُرُهم عَنْ ضِدِّهِ زَجْرًا بَلِيغًا وهو الإيمانُ وكَوْنُهُ مِمّا يَحْمِلُهم عَلى إحْسانِ الظَّنِّ ويَكُفُّهم عَنْ إساءَتِهِ بِأنْفُسِهِمْ أيْ بِأبْناءِ جِنْسِهِمْ وأهْلِ مِلَّتِهِمُ النّازِلِينَ مَنزِلَةَ أنْفُسِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ﴾ [الحُجُراتُ: 11] وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ثُمَّ أنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ (p-118)أنْفُسَكُمْ﴾ [البَقَرَةُ: 85] ولا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ ظَنِّ بَعْضِ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ بِأنْفُسِ بَعْضِهِمُ الآخَرِ وإنْ قِيلَ بِجَوازِهِ مِمّا لا رَيْبَ فِيهِ فَإخْلالُهم بِمُوجَبِ ذَلِكَ الوَصْفِ أقْبَحُ وأشْنَعُ والتَّوْبِيخُ عَلَيْهِ أُدْخِلَ مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّوَسُّلِ بِهِ إلى تَوْبِيخِ الخائِضاتِ والمَشْهُورِ مِنهُنَّ حَمْنَةَ ثُمَّ إنْ كانَ المُرادُ بِالإيمانِ الإيمانِ الحَقِيقِيِّ فَإيجابُهُ لِما ذَكَرَ واضِحٌ والتَّوْبِيخُ خاصٌّ بِالمُتَّصِفِينَ بِهِ، وإنْ كانَ مُطْلِقَ الإيمانِ الشّامِلِ لِما يَظْهَرُهُ المُنافِقُونَ أيْضًا فَإيجابُهُ لَهُ مِن حَيْثُ إنَّهم كانُوا يَحْتَرِزُونَ عَنْ إظْهارِ ما يُنافِي مُدَعّاهم فالتَّوْبِيخُ حِينَئِذٍ مُتَوَجِّهٌ إلى الكُلِّ، والنُّكْتَةُ في تَوْسِيطِ مَعْمُولِ الفِعْلِ المُحَضَّضِ عَلَيْهِ بَيْنَهُ وبَيْنَ أداةِ التَّخْصِيصِ وإنْ جازَ ذَلِكَ مُطْلَقًا أيْ سَواءٍ كانَ المَعْمُولُ الوَسَطُ ظَرْفًا أوْ غَيْرَهُ تَخْصِيصَ التَّخْضِيضِ بِأوَّلِ وقْتِ السَّماعِ وقَصْرِ التَّوْبِيخِ واللَّوْمِ عَلى تَأْخِيرِ الإتْيانِ بِالمُحَضَّضِ عَلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ الآنِ والتَّرَدُّدُ فِيهِ لِيُفِيدَ أنَّ عَدَمَ الإتْيانِ بِهِ رَأْسًا في غايَةِ ما يَكُونُ مِنَ القَباحَةِ والشَّناعَةِ أيْ كانَ الواجِبُ عَلى المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ أنْ يَظُنُّوا أوَّلَ ما سَمِعُوا ذَلِكَ الإفْكَ مِمَّنِ اخْتَرَعَهُ بِالذّاتِ أوْ بِالواسِطَةِ مِن غَيْرِ تَلَعْثُمٍ وتَرَدُّدٍ بِأهْلٍ مَلَّتْهُمٍ مِن آحادِ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ خَيْرًا ﴿وقالُوا﴾ في ذَلِكَ الآنِ ﴿هَذا إفْكٌ مُبِينٌ﴾ أيْ ظاهِرٍ مَكْشُوفٍ كَوْنُهُ إفْكًا فَكَيْفَ بِأُمِّ المُؤْمِنِينَ حَلِيلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنْتِ المُهاجِرِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى هَلّا ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ أوَّلَ ما سَمِعُوا ذَلِكَ خَيْرًا بِأهْلِ مِلَّتِهِمْ عائِشَةَ وصَفْوانَ وقالُوا إلَخْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب