﴿وإنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ هم كَفَرَةُ قُرَيْشٍ المُحَدِّثُ عَنْهم فِيما مَرَّ وصَفُوا بِذَلِكَ تَشْنِيعًا لَهم مِمّا هم عَلَيْهِ مِنَ الِانْهِماكِ في الدُّنْيا وزَعْمِهِمْ أنَّ لا حَياةَ بَعْدَها وإشْعارٍ بِعِلَّةِ الحُكْمِ فَإنَّ الإيمانَ بِالآخِرَةِ وخَوْفَ ما فِيها مِنَ الدَّواهِي مِن أقْوى الدَّواعِي إلى طَلَبِ الحَقِّ وسُلُوكِ سَبِيلِهِ، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِمْ ما يَعُمُّهم وغَيْرَهم مِنَ الكَفَرَةِ المُنْكِرِينَ لِلْحَشْرِ ويَدْخُلُونَ في ذَلِكَ دُخُولًا أوَّلِيًّا ﴿عَنِ الصِّراطِ﴾ المُسْتَقِيمُ الَّذِي تَدْعُو إلَيْهِ ﴿لَناكِبُونَ﴾ أيْ لَعادِلُونَ، وقِيلَ: المُرادُ بِالصِّراطِ جِنْسُهُ أيْ إنَّهم عَنْ جِنْسِ الصِّراطِ فَضْلًا عَنِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمُ الَّذِي تَدْعُوهم إلَيْهِ لَناكِبُونَ، ورَجَّحَ بِأنَّهُ أدَلُّ عَلى كَمالِ ضَلالِهِمْ وغايَةِ غَوايَتِهِمْ لِما أنَّهُ يُنَبِّئُ عَنْ كَوْنِ ما ذَهَبُوا إلَيْهِ مِمّا لا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصِّراطِ ولَوْ كانَ مُعْوَجًّا، وفِيهِ أنَّ التَّعْلِيلَ بِمَضْمُونِ الصِّلَةِ لا يُساعِدُ إلّا عَلى إرادَةِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، وأظُنُّ أنَّهُ قَدْ نَكَبَ عَنِ الصِّراطِ مَن زَعَمَ أنَّ المُرادَ هُنا الصِّراطُ المَمْدُودُ عَلى مَتْنِ جَهَنَّمَ وهو طَرِيقُ الجَنَّةِ أيْ أنَّهم يَوْمَ القِيامَةِ عَنْ طَرِيقِ الجَنَّةِ لَمائِلُونَ يُمْنَةً ويُسْرَةً إلى النّارِ.
{"ayah":"وَإِنَّ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَ ٰطِ لَنَـٰكِبُونَ"}