الباحث القرآني

(p-6)﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ ﴿إلا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ وصْفٌ لَهم بِالعِفَّةِ وهو وإنِ اسْتَدْعاهُ وصْفُهم بِالإعْراضِ عَنِ اللَّغْوِ إلّا أنَّهُ جِيءَ بِهِ اعْتِناءً بِشَأْنِهِ، ويَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنَّ ما تَقَدَّمَ وإنِ اسْتَدْعى وصْفُهم بِأصْلِ العِفَّةِ لَكِنْ جِيءَ بِهَذا لِما فِيهِ مِنَ الإيذانِ بِأنَّ قُوَّتَهُمُ الشَّهَوِيَّةَ داعِيَةٌ لَهم إلى ما لا يَخْفى وإنَّهم حافِظُونَ لَها عَنِ اسْتِيفاءِ مُقْتَضاها وبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ كَمالُ العِفَّةِ، واللّامُ لِلتَّقْوِيَةِ كَما مَرَّ في نَظِيرِهِ، ( وعَلى ) مُتَعَلِّقٌ بِحافِظُونَ لِتَضْمِينِهِ مَعْنى مُمْسِكُونَ عَلى ما اخْتارَهُ أبُو حَيّانَ والإمْساكُ يَتَعَدّى بِعَلى كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [الأحْزابُ: 37] وذَهَبَ جَمْعٌ إلى اعْتِبارِ مَعْنى النَّفْيِ المَفْهُومِ مِنَ الإمْساكِ لِيَصِحَّ التَّفْرِيغُ فَكَأنَّهُ قِيلَ حافِظُونَ فُرُوجِهِمْ لا يُرْسِلُونَها عَلى أحَدٍ إلّا عَلى أزْواجِهِمْ، وقالَ بَعْضُهُمْ: لا يَلْزَمُ ذَلِكَ الصِّحَّةُ العُمُومَ هُنا فَيَصِحُّ التَّفْرِيغُ في الإيجابِ، وفي الكَشْفِ الوَجْهِ أنْ يُقالَ: ما في الآيَةِ مِن قُبَيْلِ حَفِظْتُ عَلى الصَّبِيِّ مالَهُ إذا ضَبَطَهُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ لا يَتَعَدّاهُ، والأصْلُ حافِظُونَ فُرُوجِهِمْ عَلى الأزْواجِ لا تَتَعَدّاهُنَّ ثُمَّ قِيلَ غَيْرُ حافِظِينَ إلّا عَلى الأزْواجِ تَأْكِيدًا عَلى تَأْكِيدٍ، وعَلى هَذا تَضْمِينُ مَعْنى النَّفْيِ الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنَ السِّياقِ واسْتِدْعاءِ الِاسْتِثْناءِ المُفْرَغِ ذَلِكَ ولَمْ يُؤْخَذْ مِمّا في الحِفْظِ مِن مَعْنى المَنعِ والإمْساكِ لِأنَّ حَرْفَ الِاسْتِعْلاءِ يَمْنَعُهُ انْتَهى وفِيهِ ما فِيهِ. ويا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ عُدَّ حَرْفُ الِاسْتِعْلاءِ مانِعًا عَنْ ذَلِكَ مَعَ أنَّ كَوْنَ الإمْساكِ مِمّا يَتَعَدّى بِهِ أمْرٌ شائِعٌ، وقالَ الفِراءُ وتَبِعَهُ ابْنُ مالِكٍ وغَيْرُهُ: إنَّ ( عَلى ) هُنا بِمَعْنى مِن أيٍّ إلّا مِن أزْواجِهِمْ كَما أنَّ مِن بِمَعْنى عَلى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ونَصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ﴾ [الأنْبِياءُ: 77] أيْ عَلى القَوْمِ، وقِيلَ هي مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن ضَمِيرِ ﴿حافِظُونَ﴾ والِاسْتِثْناءُ مُفْرَغٌ مِن أعَمِّ الأحْوالِ أيْ حافِظُونَ لِفُرُوجِهِمْ في جَمِيعِ الأحْوالِ إلّا حالَ كَوْنِهِمْ والِينَ وقَوّامِينَ عَلى أزْواجِهِمْ مِن قَوْلِكَ: كانَ فُلانٌ عَلى فُلانَةٍ فَماتَ عَنْها، ومِنهُ قَوْلُهُمْ: فُلانَةٌ تَحْتَ فُلانٍ ولِذا سُمِّيَتِ المَرْأةُ فِراشًا أوْ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلى ﴿غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ كَأنَّهُ قِيلَ: يُلامُونَ إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أيْ يُلامُونَ عَلى كُلِّ مُباشِرٍ إلّا عَلى ما أُطْلِقَ لَهم فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ عَلَيْهِ، وكِلا الوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُما الزَّمَخْشَرِيُّ. واعْتَرَضَ بِأنَّهُما مُتَكَلِّفانِ ظاهِرًا فِيهِما العُجْمَةُ وأوْرَدَ عَلى الأخِيرِ أنَّ إثْباتَ اللَّوْمِ لَهم في أثْناءِ المَدْحِ غَيْرُ مُناسِبٍ مَعَ أنَّهُ لا يُخْتَصُّ بِهِمْ، وكَوْنُ ذَلِكَ عَلى فَرْضِ عِصْيانِهِمْ وهو مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَنِ ابْتَغى﴾ إلَخْ لا يَدْفَعُهُ كَما تَوَهَّمَ ولا يَجُوزُ أنْ تَتَعَلَّقَ بِمَلُومِينَ المَذْكُورِ بَعْدُ لَمّا قالَ أبُو البَقاءِ مِن أنَّ ما بَعْدُ أنْ لا يَعْمَلُ فِيما قَبْلَها وأنَّ المُضافَ إلَيْهِ لا يَعْمَلُ فِيما قَبْلَهُ، والمُرادُ مِمّا مَلَكَتْ أيْمانُهُمُ السِّرْياتِ، والتَّخْصِيصُ ذَلِكَ لِلْإجْماعِ عَلى عَدَمِ حَلِّ وطْءِ المَمْلُوكِ الذَّكَرِ، والتَّعْبِيرُ عَنْهُنَّ- بِما- عَلى القَوْلِ بِاخْتِصاصِها بِغَيْرِ العُقَلاءِ لِأنَّهُنَّ يُشْبِهْنَ السِّلَعَ بَيْعًا وشِراءً أوْ لِأنَّهُنَّ لِأُنُوثَتِهِنَّ المُنْبِئَةِ عَنْ قِلَّةِ عُقُولِهِنَّ جارِياتٍ مَجْرى العُقَلاءِ، وهَذا ظاهِرٌ فِيما إذا كُنَّ مِنَ الجَرْكَسِ أوِ الرُّومِ أوْ نَحْوِهِمْ فَكَيْفَ إذا كُنَّ مِنَ الزِّنْجِ والحَبَشِ وسائِرِ السُّودانِ فَلَعَمْرِي إنَّهُنَّ حِينَئِذٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مِن نَوْعِ البَهائِمِ فَما نَوْعُ البَهائِمِ مِنهُنَّ بِبَعِيدٍ، والآيَةُ خاصَّةً بِالرِّجالِ فَإنَّ التَّسَرِّيَ لِلنِّساءِ لا يَجُوزُ بِالإجْماعِ، وعَنْ قَتادَةَ قالَ تَسَرَّتِ امْرَأةٌ غُلامًا فَذَكَرَتْ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ فَسَألَها ما حَمَلَكِ عَلى هَذا؟ فَقالَتْ: كُنْتُ أرى أنَّهُ يَحِلُّ لِي ما يَحِلُّ لِلرِّجالِ مِن مَلْكِ اليَمِينِ فاسْتَشارَ عُمَرُ فِيها أصْحابَ النَّبِيِّ ﷺ فَقالُوا: تَأوَّلَتْ كِتابَ اللَّهِ تَعالى عَلى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ فَقالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: لا جَرَمَ لا أحْلَّكِ لِحُرٍّ بَعْدَهُ أبَدًا كَأنَّهُ عاقَبَها بِذَلِكَ ودَرَأ الحَدَّ عَنْها وأمَرَ العَبْدَ (p-7)أنْ لا يَقْرُبَها، ولَوْ كانَتِ المَرْأةُ مُتَزَوِّجَةً بِعَبْدٍ فَمَلَكَتْهُ فَأعْتَقَتْهُ حالَةَ المِلْكِ انْفَسَخَ النِّكاحُ عِنْدَ فُقَهاءِ الأمْصارِ. وقالَ النَّخْعِيُّ والشَّعْبِيُّ وعَبِيدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: يُبْقِيانِ عَلى نِكاحِهِما ﴿فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ تَعْلِيلٌ لِما يُفِيدُهُ الِاسْتِثْناءُ مِن عَدَمِ حِفْظِ فُرُوجِهِمْ مِنَ المَذْكُوراتِ أيْ فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ عَلى تَرْكِ حِفْظِها مِنهُنَّ. وقِيلَ الفاءُ في جَوابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أيْ فَإنْ بَذَلُوا فُرُوجَهم لِأزْواجِهِمْ أوْ إمائِهِمْ فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ عَلى ذَلِكَ، والمُرادُ بَيانُ جِنْسِ ما يَحِلُّ وطْؤُهُ في الجُمْلَةِ وإلّا فَقَدَ قالُوا: يُحَرَّمُ وطْءُ الحائِضِ والأمَةِ إذا زُوِّجَتْ والمَظاهِرُ مِنها حَتّى يَكْفُرَ وهَذا مَجْمَعٌ عَلَيْهِ. وفِي الجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ مِن مِلْكِ اليَمِينِ وبَيْنَ المَمْلُوكَةِ وعَمَّتِها أوْ خالَتِها خِلافٌ عَلى ما في البَحْرِ، وذَكَرَ الآمِدِيُّ في الأحْكامِ أنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ احْتَجَّ عَلى جَوازِ الجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ في المَلْكِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب