الباحث القرآني
﴿فَقالُوا﴾ عَطْفٌ عَلى (اِسْتَكْبَرُوا ) وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ مُقَرَّرٌ لِلِاسْتِكْبارِ، والمُرادُ فَقالُوا فِيما بَيْنَهم بِطَرِيقِ المُناصَحَةِ ﴿أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا﴾ ثَنّى البَشَرَ لِأنَّهُ يُطْلَقُ عَلى الواحِدِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مَرْيَمُ: 17] ويُطْلِقُ عَلى الجَمْعِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإمّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أحَدًا﴾ [مَرْيَمُ: 26] ولَمْ يُثَنَّ مِثْلَ نَظَرًا إلى كَوْنِهِ في حُكْمُ المَصْدَرِ، ولَوْ أفْرَدَ البَشَرَ لَصَحَّ لِأنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ يُطْلَقُ عَلى الواحِدِ وغَيْرِهِ، وكَذا لَوْ ثَنّى المَثَلَ فَإنَّهُ جاءَ مُثَنًّى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَرَوْنَهم مِثْلَيْهِمْ﴾ ومَجْمُوعًا في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ثُمَّ لا يَكُونُوا أمْثالَكُمْ﴾ نَظَرًا إلى أنَّهُ في تَأْوِيلِ الوَصْفِ إلّا أنَّ المُرَجَّحَ لِتَثْنِيَتِهِ الأوَّلُ وإفْرادُهُ الثّانِي الإشارَةُ بِالأوَّلِ إلى قِلَّتِهِما وانْفِرادِهِما عَنْ قَوْمِهِما مَعَ كَثْرَةِ المَلَإ واجْتِماعِهِمْ وبِالثّانِي إلى شِدَّةِ تَماثُلِهِمْ حَتّى كَأنَّهم مَعَ البَشَرَيْنِ شَيْءٌ واحِدٌ وهو أدَلُّ عَلى ما عَنَوْهُ.
وهَذِهِ القِصَصُ كَما تَرى تَدَلُّ عَلى أنَّ مَدارَ شِبْهِ المُنْكِرِينَ لِلنُّبُوَّةِ قِياسُ حالِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَلى أحْوالِهِمْ بِناءً عَلى جَهْلِهِمْ بِتَفاصِيلِ شُؤُونِ الحَقِيقَةِ البَشَرِيَّةِ وتَبايُنِ طَبَقاتِ أفْرادِها في مَراقِي الكَمالِ ومَهاوِي النُّقْصانِ بِحَيْثُ يَكُونُ بَعْضُها في أعْلى عِلِّيِّينَ وهُمُ المُخْتَصُّونَ بِالنُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ المُؤَيِّدُونَ بِالقُوَّةِ القُدْسِيَّةِ المُتَعَلِّقُونَ لِصَفاءِ جَواهِرِهِمْ بِكِلا العالَمَيْنِ اللَّطِيفِ والكَثِيفِ فَيَتَلَقَّوْنَ مِن جانِبٍ ويُلْقُونَ إلى جانِبٍ ولا يَعُوقُهُمُ التَّعَلُّقُ بِمَصالِحِ الخَلْقِ عَنِ التَّبَتُّلِ إلى حَضْرَةِ الحَقِّ وبَعْضُها في أسْفَلِ سافِلِينَ وهم كَأُولَئِكَ الجَهَلَةُ الَّذِينَ هم كالأنْعامِ بَلْ هم أضَلُّ سَبِيلًا.
ومِنَ العَجَبِ أنَّهم لَمْ يَرْضَوْا لِلنُّبُوَّةِ بِبَشَرٍ، وقَدْ رَضِيَ أكْثَرُهم لِلْإلَهِيَّةِ بِحَجَرٍ فَقاتَلَهُمُ اللَّهُ تَعالى ما أجْهَلَهُمْ، والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ أيْ لا نُؤْمِنُ لَبِشَرَّيْنِ مِثْلِنا ﴿وقَوْمُهُما﴾ يَعْنُونَ سائِرَ بَنِي إسْرائِيلَ ﴿لَنا عابِدُونَ﴾ خادِمُونَ مُنْقادُونَ لَنا كالعَبِيدِ فَفي ﴿عابِدُونَ﴾ اسْتِعارَةٌ تَبَعِيَّةٌ نَظَرًا إلى مُتَعارَفِ اللُّغَةِ.
ونَقَلَ الخَفاجِيُّ عَنِ الرّاغِبِ أنَّهُ صَرَّحَ بِأنَّ العابِدَ بِمَعْنى الخادِمِ حَقِيقَةً، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: العَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَن دانَ لِلْمَلِكِ عابِدًا، وجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ الحَمْلَ عَلى حَقِيقَةِ العِبادَةِ فَإنَّ فِرْعَوْنَ كانَ يَدَّعِي الإلَهِيَّةَ فادَّعى لِلنّاسِ العِبادَةَ عَلى الحَقِيقَةِ.
واعْتَرَضَ بِأنَّ الظّاهِرَ أنَّ هَذا القَوْلَ مِنَ المَلَإ وهو يَأْبى ذَلِكَ، وكَوْنُهم قالُوهُ عَلى لِسانِ فِرْعَوْنَ كَما يَقُولُ خَواصُّ مَلِكٍ: نَحْنُ ذَوُو رَعِيَّةٍ كَثِيرَةٍ ومُلْكٍ طَوِيلٍ عَرِيضٍ ومُرادُهم أنَّ مَلِكَنا ذُو رَعِيَّةٍ إلَخْ خِلافَ الظّاهِرِ، وقِيلَ عَلَيْهِ أيْضًا عَلى تَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ القائِلُ فِرْعَوْنُ: لا يَلْزَمُ مِنِ ادِّعائِهِ الإلَهِيَّةِ عِبادَةَ بَنِي إسْرائِيلَ لَهُ أوْ كَوْنُهُ يَعْتَقِدُ أوْ يَدَّعِي عِبادَتَهم عَلى الحَقِيقَةِ لَهُ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ مَتى سَلَّمَ أنَّ القائِلَ فِرْعَوْنُ وأنَّهُ يَدَّعِي الإلَهِيَّةَ لا يَقْدَحُ (p-37)فِي إرادَتِهِ حَقِيقَةُ العِبادِ عَدَمُ اعْتِقادِهِ ذَلِكَ لِأنَّهُ عَلى ما تَدُلُّ عَلَيْهِ بَعْضُ الآثارِ كَثِيرًا ما يَظْهَرُ خِلافَ ما يُبْطِنُ حَتّى أنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّ دَعْواهُ الإلَهِيَّةَ مِن ذَلِكَ، نَعَمِ، الأُولى تَفْسِيرٌ ﴿عابِدُونَ﴾ بِخادِمُونَ وهو مِمّا يَصِحُّ إسْنادُهُ إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ، وكَأنَّهم قَصَدُوا بِذَلِكَ التَّعْرِيضِ بِشَأْنِ الرَّسُولَيْنِ عَلَيْهِما السَّلامُ وحَطَّ رُتْبَتَهُما العَلِيَّةَ عَنْ مَنصِبِ الرِّسالَةِ مِن وجْهٍ آخَرَ غَيْرِ البَشَرِيَّةِ، واللّامُ في ﴿لَنا﴾ مُتَعَلِّقَةٌ بِعابِدُونَ قَدَّمَتْ عَلَيْهِ رِعايَةً لِلْفَواصِلِ، وقِيلَ لِلْحَصْرِ أيْ لَنا عابِدُونَ لا لَهُما، والجُمْلَةُ حالٌ مِن فاعِلِ ( نُؤْمِنُ ) مُؤَكِّدَةٌ لِإنْكارِ الإيمانِ لَهُما بِناءً عَلى زَعْمِهِمُ الفاسِدِ المُؤَسِّسِ عَلى قِياسِ الرِّياسَةِ الدِّينِيَّةِ عَلى الرِّياسَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الدّائِرَةِ عَلى التَّقَدُّمِ في نَيْلِ الحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنَ المالِ والجاهِ كَدَأْبِ قُرَيْشٍ حَيْثُ قالُوا: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزُّخْرُفُ: 31] وجَهْلُهم بِأنَّ مَناطَ الِاصْطِفاءِ لِلرِّسالَةِ هو السَّبْقُ في حِيازَةِ النُّعُوتِ العَلِيَّةِ والمَلِكاتِ السُّنِّيَّةِ الَّتِي يَتَفَضَّلُ اللَّهُ تَعالى بِها عَلى مَن يَشاءُ مِن خَلْقِهِ.
{"ayah":"فَقَالُوۤا۟ أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَیۡنِ مِثۡلِنَا وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَـٰبِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق