الباحث القرآني
﴿وقالَ المَلأُ﴾ أيِ الأشْرافِ ﴿مِن قَوْمِهِ﴾ بَيانٌ لَهُمْ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِلِقاءِ الآخِرَةِ﴾ أيْ بِلِقاءِ ما فِيها مِنَ الحِسابِ والثَّوابِ والعِقابِ أوْ بِالمَعادِ أوْ بِالحَياةِ الثّانِيَةِ صِفَةً لِلْمَلَإ جِيءَ بِها ذَمًّا لَهم وتَنْبِيهًا عَلى غُلُوِّهِمْ في الكُفْرِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلتَّمْيِيزِ إنْ كانَ في ذَلِكَ القَرْنِ مَن آمَنَ مِنَ الأشْرافِ، وتَقْدِيمُ ﴿مِن قَوْمِهِ﴾ هُنا عَلى الصِّفَةِ مَعَ تَأْخِيرِهِ في القِصَّةِ السّابِقَةِ لِئَلّا يَطُولَ الفَصْلُ بَيْنَ البَيانِ والمُبَيَّنِ لَوْ جِيءَ بِهِ بَعْدَ الصِّفَةِ وما في حَيِّزِها مِمّا تَعَلَّقَ بِالصِّلَةِ مَعَ ما في ذَلِكَ مِن تَوَهُّمِ تَعَلُّقِهِ بِالدُّنْيا أوْ يَفْصِلُ بَيْنَ المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَوْ جِيءَ بِهِ بَعْدَ الوَصْفِ وقَبْلَ العَطْفِ كَذا قِيلَ.
وتَعَقَّبَ بِأنَّهُ لا حاجَةَ إلى ارْتِكابِ جَعْلِ ﴿الَّذِينَ﴾ صِفَةً لِلْمَلَإ وإبْداءِ نُكْتَةٍ لِلتَّقْدِيمُ المَذْكُورِ مَعَ ظُهُورِ جَوازِ جَعْلِهِ صِفَةً لِقَوْمِهِ. ورَدَّ بِأنَّ الدّاعِيَ لِارْتِكابِهِ عَطْفُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأتْرَفْناهم في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ أيْ نَعَّمْناهم ووَسَّعْنا عَلَيْهِمْ فِيها عَلى الصِّلَةِ فَيَكُونُ صِفَةَ مَعْنى لِلْمَوْصُوفِ بِالمَوْصُولِ والمُتَعارَفِ إنَّما هو وصْفُ الأشْرافِ بِالمُتْرَفِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ وكَذا الحالُ إذا لَمْ يَعْطِفْ وجَعَلَ حالًا مِن ضَمِيرِ ( كَذَّبُوا ) وأنْتَ تَعْلَمُ أنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ المُتَعارَفَ إنَّما هو وصْفُ الأشْرافِ بِالمُتْرَفِينَ ولَئِنْ سَلَّمْنا فَوَصَفَهم بِذَلِكَ قَدْ يَبْقى مَعَ جَعْلِ المَوْصُولِ صِفَةً لِقَوْمِهِ بِأنْ يَجْعَلَ جُمْلَةَ ( أتْرَفْناهم ) حالًا مِن ﴿المَلأُ﴾ بِدُونِ تَقْدِيرِ قَدْ أوْ بِتَقْدِيرِها أيْ قالَ المَلَأُ في حَقِّ رَسُولِنا ﴿ما هَذا إلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ إلَخْ في حالِ إحْسانِنا عَلَيْهِمْ.
نِعْمَ الظّاهِرُ لَفْظًا جُمْلَةُ( أتْرَفْناهم )عَلى جُمْلَةِ الصِّلَةِ، والأبْلَغُ مَعْنى جَعْلِها حالًا مِنَ الضَّمِيرِ لِإفادَتِهِ الإساءَةِ إلى مَن أحْسَنَ وهو أقْوى في الذَّمِّ، وجِيءَ بِالواوِ العاطِفَةِ في ﴿وقالَ المَلأُ﴾ هُنا ولَمْ يُجَأْ بِها بَلْ جِيءَ بِالجُمْلَةِ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا في مَوْضِعٍ آخَرَ لِأنَّ ما نَحْنُ فِيهِ حِكايَةٌ لِتَفاوُتِ ما بَيْنَ المَقالَتَيْنِ أعْنِي مَقالَةَ المُرْسَلِ ومَقالَةَ المُرْسَلِ إلَيْهِمْ لا حِكايَةَ المُقاوَلَةِ لِأنَّ المُرْسَلَ إلَيْهِمْ قالُوا ما قالُوا بَعْضُهم لِبَعْضٍ وظاهِرُ إباءِ ذَلِكَ الِاسْتِئْنافِ وأمّا هُنالِكَ فَيَحِقُّ الِاسْتِئْنافُ لِأنَّهُ في حِكايَةِ المُقاوَلَةِ بَيْنَ المُرْسَلِ والمُرْسَلِ إلَيْهِمْ واسْتِدْعاءِ مَقامُ المُخاطَبَةِ ذَلِكَ بَيْنَ كَذا في الكَشْفِ، ولا يَحْسِمُ مادَّةُ السُّؤالِ إذْ يُقالُ مَعَهُ: لِمَ حُكِيَ هُنالِكَ المُقاوَلَةُ وهُنا التَّفاوُتُ بَيْنَ المَقالَتَيْنِ ولَمْ يَعْكِسْ؟ ومِثْلُ هَذا يَرُدُّ عَلى مَن عَلَّلَ الذِّكْرَ هُنا والتَّرْكَ هُناكَ بِالتَّفَنُّنِ بِأنْ يُقالَ: إنَّهُ لَوْ عَكَسَ بِأنْ تَرْكَ هُنا وذَكَرَ هُناكَ لَحَصَلَ التَّفَنُّنُ أيْضًا، وأنا لَمْ يَظْهَرْ لِي السِّرُّ في ذَلِكَ، وأمّا الإتْيانُ بِالواوِ هُنا والفاءِ في ﴿فَقالَ المَلأُ﴾ في قِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَدْ قِيلَ: لَعَلَّهُ لِأنَّ كَلامَ المَلَإ هُنا لَمْ يَتَّصِلْ بِكَلامِ رَسُولِهِمْ بِخِلافِ كَلامِ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِحَقائِقِ الأُمُورِ.
ولا يَخْفى ما في قَوْلِهِمْ ما هَذا إلَخْ مِنَ المُبالَغَةِ في تَوْهِينِ أمْرِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ وتَهْوِينِهِ قاتَلَهُمُ اللَّهُ (p-30)ما أجْهَلَهُمْ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَأْكُلُ مِمّا تَأْكُلُونَ مِنهُ ويَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ﴾ تَقْرِيرٌ لِلْمُماثَلَةِ، والظّاهِرُ أنَّ ما الثّانِيَةُ مَوْصُولَةٌ والعائِدُ إلَيْها ضَمِيرٌ مَجْرُورٌ حُذِفَ مَعَ الجارِّ لِدَلالَةٍ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ الحَذْفُ هُنا مِثْلُهُ في قَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِالَّذِي مَرَرْتُ في اسْتِيفاءِ الشَّرائِطِ، وحَسَنُهُ هُنا كَوْنُ ﴿تَشْرَبُونَ﴾ فاصِلَةً.
وفِي التَّحْرِيرِ زَعَمَ الفِراءُ حَذْفَ العائِدِ المَجْرُورِ مَعَ الجارِّ في هَذِهِ الآيَةِ وهَذا لا يَجُوزُ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، والآيَةُ إمّا لا حَذْفَ فِيها أوْ فِيها حَذْفُ المَفْعُولِ فَقَطْ لِأنَّ ما إذا كانَتْ مَصْدَرِيَّةً لَمْ تَحْتَجْ إلى عائِدٍ وإنْ كانَتْ مَوْصُولَةً فالعائِدُ المَحْذُوفُ ضَمِيرُ مَنصُوبٍ عَلى المَفْعُولِيَّةِ مُتَّصِلٌ بِالفِعْلِ والتَّقْدِيرُ مِمّا تَشْرَبُونَهُ اهْـ، وهَذا تَخْرِيجٌ عَلى قاعِدَةِ البَصْرِيِّينَ ويُفَوِّتُ عَلَيْهِ فَصاحَةَ مُعادَلَةِ التَّرْكِيبِ عَلى أنَّ الوَجْهَ الأوَّلَ مُحَوَّجٌ إلى تَأْوِيلِ المُصَدِّرِ بِاسْمِ المَفْعُولِ وبَعْدَ ذَلِكَ يَحْتاجُ إلى تَكَلُّفٍ لِصِحَّةِ المَعْنى ويَحْتاجُ إلى ذَلِكَ التَّكَلُّفِ عَلى الوَجْهِ الثّانِي أيْضًا إذْ لا يَشْرَبُ أحَدٌ مِن مَشْرُوبِهِمْ ولا مِنَ الَّذِي يَشْرَبُونَهُ وإنَّما يُشْرَبُ مِن فَرْدٍ آخَرَ مِنَ الجِنْسِ فَلا بُدَّ مِن إرادَةِ الجِنْسِ عَلى الوَجْهَيْنِ.
{"ayah":"وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِلِقَاۤءِ ٱلۡـَٔاخِرَةِ وَأَتۡرَفۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا مَا هَـٰذَاۤ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یَأۡكُلُ مِمَّا تَأۡكُلُونَ مِنۡهُ وَیَشۡرَبُ مِمَّا تَشۡرَبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











