الباحث القرآني

﴿وإنَّ لَكم في الأنْعامِ لَعِبْرَةً﴾ بَيانٌ لِلنِّعَمُ الواصِلَةِ إلَيْهِمْ مِن جِهَةِ الحَيَوانِ إثْرَ بَيانِ النِّعَمُ الفائِضَةِ مِن جِهَةِ الماءِ والنَّباتِ وقَدْ بَيَّنَ أنَّها مَعَ كَوْنِها في نَفْسِها نِعْمَةٌ يَنْتَفِعُونَ بِها عَلى وُجُوهٍ شَتّى عِبْرَةً لا بُدَّ مِن أنْ (p-24)يَعْتَبِرُوا بِها ويَسْتَدِلُّوا بِأحْوالِها عَلى عِظَمِ قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وسابِغِ رَحْمَتِهِ ويَشْكُرُوهُ ولا يَكْفُرُوهُ، وخَصَّ هَذا بِالحَيَوانِ لِما أنَّ مَحَلَّ العِبْرَةِ فِيهِ أظْهَرُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿نُسْقِيكم مِمّا في بُطُونِها﴾ تَفْصِيلٌ لِما فِيها مِن مَواقِعِ العِبَرِ. وما في بُطُونِها عِبارَةٌ إمّا عَنِ الألْبانِ فَمِن تَبْعِيضِيَّةٌ والمُرادُ بِالبُطُونِ الأجْوافُ فَإنَّ اللَّبَنَ في الضُّرُوعِ أوْ عَنِ العَلَفِ الَّذِي يَتَكَوَّنُ مِنهُ اللَّبَنُ فَمِنِ ابْتِدائِيَّةٌ والبُطُونُ عَلى حَقِيقَتِها. وأيًّا ما كانَ فَضَمِيرُ ﴿بُطُونِها﴾ لِلْأنْعامِ بِاعْتِبارِ نِسْبَةِ ما لِلْبَعْضِ إلى الكُلِّ لا لِلْإناثِ مِنها عَلى اسْتِخْدامٍ لِأنَّ عُمُومَ ما بَعْدَهُ يَأْباهُ، وقُرِئَ بِفَتْحِ النُّونِ وبِالتّاءِ أيْ تَسْقِيكُمُ الأنْعامُ. ﴿ولَكم فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ﴾ غَيْرُ ما ذَكَرَ مِن أصْوافِها وأشْعارِها وأوْبارِها ﴿ومِنها تَأْكُلُونَ﴾ الظّاهِرُ أنَّ الأكْلَ عَلى مَعْناهُ الحَقِيقِيِّ ومِن تَبْعِيضِيَّةٌ لِأنَّ مِن أجْزاءِ الأنْعامِ ما لا يُؤْكَلُ، وتَقْدِيمُ المَعْمُولِ لِلْفاصِلَةِ أوْ لِلْحَصْرِ الإضافِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلى الحَمِيرِ ونَحْوِها أوِ الحَصْرِ بِاعْتِبارِ ما في ( تَأْكُلُونَ ) مِنَ الدَّلالَةِ عَلى العادَةِ المُسْتَمِرَّةِ، وكانَ هَذا بَيانٌ لِانْتِفاعِهِمْ بِأعْيانِها وما قَبْلَهُ بَيانٌ لِانْتِفاعِهِمْ بِمَرافِقِها وما يَحْصُلُ مِنها ويَجُوزُ عِنْدِي ولَمْ أرَ مَن صَرَّحَ بِهِ أنْ يَكُونَ الأكْلُ مَجازًا أوْ كِنايَةً عَنِ التَّعَيُّشِ مُطْلَقًا كَما سَمِعْتُ قَبْلَ أيْ ومِنها تُرْزَقُونَ وتَحْصُلُونَ مَعايِشِكم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب