الباحث القرآني

فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ وما عَطَفَ عَلَيْهِ صِفاتٍ مُخَصَّصَةً لَهُمْ، وإمّا الآتُونَ بِفُرُوعِهِ أيْضًا كَما يُنَبِّئُ عَنْهُ إضافَةَ الصَّلاةِ إلَيْهِمْ فَهي صِفاتٌ مُوَضَّحَةٌ أوْ مادِحَةٌ لَهُمْ، وفي بَعْضِ الآثارِ ما يُؤَيِّدُ كَوْنَها مُخَصَّصَةً وجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ الإضافَةَ لِلْإشارَةِ إلى أنَّهم هُمُ المُنْتَفِعُونَ بِالصَّلاةِ دُونَ المُصَلّى لَهُ عَزَّ وجَلَّ، والخُشُوعُ التَّذَلُّلُ مَعَ خَوْفٍ وسُكُونٍ لِلْجَوارِحِ، ولِذا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ فِيما رَواهُ عَنْهُ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ خاشِعُونَ خائِفُونَ ساكِنُونَ وعَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ غَضُّ البَصَرِ وخَفْضُ الجَناحِ، وقالَ مُسْلِمُ بْنُ يَسارٍ وقَتادَةُ: تَنْكِيسُ الرَّأْسِ، وعَنْ عَلَيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ تَرْكُ الِالتِفاتِ، وقالَ الضَّحّاكُ: وضْعُ اليَمِينِ عَلى الشِّمالِ. وعَنْ أبِي الدَّرْداءِ إعْظامُ المَقامِ وإخْلاصُ المَقالِ واليَقِينُ التّامُّ وجَمْعُ الِاهْتِمامِ، ويَتْبَعُ ذَلِكَ تَرْكُ الِالتِفاتِ وهو مِنَ الشَّيْطانِ فَقَدْ رَوى البُخارِيُّ وأبُو داوُدَ والنِّسائِيُّ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها قالَتْ: «سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الِالتِفاتِ في الصَّلاةِ فَقالَ: «هُوَ اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطانُ مِن صَلاةِ العَبْدِ»». وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قالَ في مَرَضِهِ: «أقْعِدُونِي أقْعِدُونِي فَإنَّ عِنْدِي ودِيعَةً أوْدَعَنِيها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قالَ: «لا يَلْتَفِتُ أحَدُكم في صَلاتِهِ فَإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلًا فَفي غَيْرِ ما افْتَرَضَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ»». وتَرْكُ العَبَثِ بِثِيابِهِ أوْ شَيْءٍ مِن جَسَدِهِ، وإنْكارُ مُنافاتِهِ لِلْخُشُوعِ مُكابَرَةٌ، وقَدْ أخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في نَوادِرِ الأُصُولِ لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «أنَّهُ رَأى رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ في صَلاتِهِ فَقالَ: «لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذا خَشَعَتْ جَوارِحُهُ»»، وتَرْكُ رَفْعِ البَصَرِ إلى السَّماءِ وإنْ كانَ المُصَلِّي أعْمًى وقَدْ جاءَ النَّهْيُ عَنْهُ، فَقَدْ أخْرَجَ مُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ وابْنُ ماجَةَ عَنْ جابِرِ بْنِ سَمْرَةَ قالَ: «قالَ النَّبِيُّ ﷺ: ««لِيَنْتَهِيَنَّ أقْوامٌ يَرْفَعُونَ أبْصارَهم إلى السَّماءِ في الصَّلاةِ أوْ لا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ»» وكانَ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ غَيْرُ مَنهِيٍّ عَنْهُ، فَقَدْ أخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدُويَهٍ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَيَرَيْنَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا صَلّى رَفَعَ بَصَرَهُ إلى السَّماءِ فَنَزَلَتِ ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ فَطَأْطَأ رَأْسَهُ»، وتَرْكُ الِاخْتِصارِ وهو وضْعُ اليَدِ عَلى الخاصِرَةِ وقَدْ ذَكَرُوا أنَّهُ مَكْرُوهٌ، وجاءَ عَنْهُ ﷺ ««الِاخْتِصارُ في الصَّلاةِ أصْلُ النّارِ»» أيْ إنَّ ذَلِكَ فِعْلُ اليَهُودِ في صَلاتِهِمِ اسْتِراحَةٌ وهم أهْلُ النّارِ لا أنَّ فِيها راحَةً كَيْفَ وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿لا يُفَتَّرُ عَنْهم وهم فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ [الزُّخْرُفُ: 75] ومِن أفْعالِهِمْ أيْضًا فِيها التَّمَيُّلُ وقَدْ جاءَ النَّهْيُ عَنْهُ. أخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ مِن طَرِيقِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ عَنْ أُمِّ رُومانَ والِدَةِ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها قالَتْ: «رَآنِي أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أتَمَيَّلُ في صَلاتِي فَزَجَرَنِي زَجْرَةً كِدْتُ أنْصَرِفُ (p-4)عَنْ صَلاتِي ثُمَّ قالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إذا قامَ أحَدُكم في الصَّلاةِ فَلْيَسْكُنْ أطْرافُهُ لا يَتَمَيَّلُ تَمَيُّلَ اليَهُودِ فَإنَّ سُكُونَ الأطْرافِ في الصَّلاةِ مِن تَمامُ الصَّلاةِ»» وقالَ في الكَشّافِ: مِنَ الخُشُوعِ أنْ يُسْتَعْمَلَ الآدابُ وذَكَرَ مِن ذَلِكَ تَوَقِّي كَفِّ الثَّوْبِ والتَّمَطِّي والتَّثاؤُبِ والتَّغْمِيضِ وتَغْطِيَةِ الفَمِ والسُّدْلِ والفَرْقَعَةِ والتَّشْبِيكِ وتَقَلَّبِ الحَصى، وفي البَحْرِ نَقْلًا عَنِ التَّحْرِيرِ أنَّهُ اخْتَلَفَ في الخُشُوعِ هَلْ هو مِن فَرائِضِ الصَّلاةِ أوْ مِن فَضائِلِها ومُكَمِّلاتِها عَلى قَوْلَيْنِ والصَّحِيحُ الأوَّلُ ومَحَلُّهُ القَلْبُ اْهْـ، والصَّحِيحُ عِنْدَنا خِلافُهُ، نِعْمَ الحَقُّ أنَّهُ شَرَطَ القَبُولَ لا الإجْزاءَ. وفِي المِنهاجِ وشَرْحِهِ لِابْنِ حَجَرٍ ويَسُنُّ الخُشُوعُ في كُلِّ صَلاتِهِ بِقَلْبِهِ بِأنْ لا يَحْضُرَ فِيهِ غَيْرُ ما هو فِيهِ وإنْ تَعَلَّقَ بِالآخِرَةِ وبِجَوارِحِهِ بِأنْ لا يَعْبَثَ بِأحَدِها، وظاهِرُ أنَّ هَذا مُرادُ النَّوَوِيِّ مِنَ الخُشُوعِ لِأنَّهُ سَيَذَّكَّرُ الأوَّلُ بِقَوْلِهِ: ويَسُنُّ دُخُولَ الصَّلاةِ بِنَشاطٍ وفَراغِ قَلْبٍ إلّا أنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لَهُ ولِذا خَصَّهُ بِحالَةِ الدُّخُولِ. وفِي الآيَةِ المُرادُ كُلٌّ مِنهُما كَما هو ظاهِرٌ أيْضًا، وكانَ سَنَةً لِثَناءِ اللَّهِ تَعالى في كِتابِهِ العَزِيزِ عَلى فاعِلَيْهِ ولِانْتِفاءِ ثَوابِ الصَّلاةِ بِانْتِفائِهِ كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ الأحادِيثُ الصَّحِيحَةُ، ولِأنَّ لَنا وجْهًا اخْتارَهُ جَمْعٌ أنَّهُ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ لَكِنَّ في البَعْضِ فَيَكْرَهُ الِاسْتِرْسالَ مَعَ حَدِيثِ النَّفْسِ والعَبَثِ كَتَسْوِيَةِ رِدائِهِ أوْ عِمامَتِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مِن تَحْصِيلِ سُنَّةٍ أوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ، وقِيلَ يَحْرِمُ اْهْـ، ولِلْإمامِ في هَذا المَقامِ كَلامٌ طَوِيلٌ مَن أرادَهُ فَلْيَرْجِعْ إلَيْهِ. وتَقْدِيمُ الظَّرْفِ قِيلَ لِرِعايَةِ الفَواصِلِ، وقِيلَ لِيَقْرُبَ ذِكْرُ الصَّلاةِ مِن ذِكْرِ الإيمانِ فَإنَّهُما أخَوانِ وقَدْ جاءَ إطْلاقُ الإيمانِ عَلَيْها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ﴾ [البَقَرَةُ: 143] وقِيلَ لِلْحَصْرِ عَلى مَعْنى الَّذِينَ هم في جَمِيعِ صَلاتِهِمْ دُونَ بَعْضِها خاشِعُونَ، وفي تَقْدِيمِ وصْفِهِمْ بِالخُشُوعِ في الصَّلاةِ عَلى سائِرِ ما يَذْكُرُ بَعْدَ ما لا يَخْفى مِنَ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الخُشُوعِ، وجاءَ أنَّ الخُشُوعَ أوَّلُ ما يَرْفَعُ مِنَ النّاسِ، فَفي خَبَرٍ رَواهُ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ أنَّ عِبادَةَ بْنَ الصّامِتِ قالَ: يُوشِكُ أنَّ تَدْخُلَ المَسْجِدَ فَلا تَرى فِيهِ رَجُلًا خاشِعًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ في الزُّهْدِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: «أوَّلُ ما تَفْقِدُونَ مِن دِينِكُمُ الخُشُوعُ وآخِرُ ما تَفْقِدُونَ مِن دِينِكُمُ الصَّلاةُ وتَنْتَقِضُ عُرى الإسْلامِ عُرْوَةً عُرْوَةً» الخَبَرُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب