الباحث القرآني

﴿ومَن يَدْعُ﴾ أيْ يَعْبُدُ ﴿مَعَ اللَّهِ﴾ أيْ مَعَ وُجُودِهِ تَعالى وتَحَقُّقِهِ سُبْحانَهُ ﴿إلَهًا آخَرَ﴾ إفْرادًا أوْ إشْراكًا أوْ مَن يَعْبُدُ مَعَ عِبادَةِ اللَّهِ تَعالى إلَهًا آخَرَ كَذَلِكَ، ويَتَحَقَّقُ هَذا في الكافِرِ إذا أفْرَدَ مَعْبُودَهُ الباطِلَ بِالعِبادَةِ تارَةً وأشْرَكَهُ مَعَ اللَّهِ تَعالى أُخْرى، وقَدْ يَقْتَصِرُ عَلى إرادَةِ الإشْراكِ في الوَجْهَيْنِ ويَعْلَمُ حالَ مَن عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ سُبْحانَهُ إفْرادًا بِالأُولى. وذِكَرَ ﴿آخَرَ﴾ قِيلَ إنَّهُ لِلتَّصْرِيحِ بِأُلُوهِيَّتِهِ تَعالى ولِلدَّلالَةِ عَلى الشَّرِيكِ فِيها وهو المَقْصُودُ فَلَيْسَ ذِكْرُهُ تَأْكِيدًا لِما تَدُلُّ عَلَيْهِ المَعِيَّةُ وإنَّ جَوَّزَ ذَلِكَ فَتَأمَّلْ. نَعَمْ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ﴾ صِفَةٌ لازِمَةٌ لَإلَهًا لا مُقَيَّدَةَ جِيءَ بِها لِلتَّأْكِيدِ، وبِناءُ الحُكْمِ المُسْتَفادِ مِن جَزاءِ الشَّرْطِ مِنَ الوَعِيدِ بِالجَزاءِ عَلى قَدْرِ ما يَسْتَحِقُّ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ التَّدَيُّنَ بِما لا دَلِيلَ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ فَضْلًا عَمّا دَلَّ (p-72)الدَّلِيلُ عَلى خِلافِهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اعْتِراضًا بَيْنَ الشَّرْطِ والجَزاءِ جِيءَ بِهِ لِلتَّأْكِيدِ كَما في قَوْلِكَ: مَن أحْسَنَ إلى زَيْدٍ لا أحَقَّ مِنهُ بِالإحْسانِ فاللَّهُ تَعالى مُثِيبُهُ. ومِنَ النّاسِ مَن زَعَمَ أنَّهُ جَوابُ الشَّرْطِ دُونَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ وجَعَلَهُ تَفْرِيعًا عَلى الجُمْلَةِ ولَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفَ الفاءِ في جَوابِ الشَّرْطِ ولا يَجُوزُ ذَلِكَ كَما قالَ أبُو حَيّانَ إلّا في الشِّعْرِ. والحِسابُ كِنايَةٌ عَنِ المُجازاةِ كَأنَّهُ قِيلَ: مَن يَعْبُدُ إلَهًا مَعَ اللَّهِ تَعالى فاللَّهُ سُبْحانَهُ مَجازٌ لَهُ عَلى قَدْرِ ما يَسْتَحِقُّهُ ﴿إنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ﴾ أيْ إنَّ الشَّأْنَ لا يُفْلِحُ إلَخْ. وقَرَأ الحَسَنُ وقَتادَةُ «أنَّهُ» بِالفَتْحِ عَلى التَّعْلِيلِ أوْ جَعَلَ الحاصِلَ مِنَ السَّبْكِ خَبَرَ ﴿حِسابُهُ﴾ أيْ حِسابِهِ عَدَمُ الفَلاحِ، وهَذا عَلى ما قالَ الخَفاجِيُّ مِن بابِ. تَحِيَّةٌ بَيْنَهم ضَرْبٌ وجِيعٌ. وبِهَذا مَعَ عَدَمِ الاحْتِياجِ إلى التَّقْدِيرِ رَجَّحَ هَذا الوَجْهَ عَلى سابِقِهِ وتَوافَقَ القِراءَتَيْنِ عَلَيْهِ في حاصِلِ المَعْنى، ورَجَّحَ الأوَّلَ بِأنَّ التَّوافُقَ عَلَيْهِ أتَمُّ، وأصْلُ الكَلامِ عَلى الأخْبارِ فَإنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ أنَّهُ لا يُفْلِحُ هو فَوَضَعَ ﴿الكافِرُونَ﴾ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِأنَّ ( مَن يَدْعُ ) في مَعْنى الجَمْعِ وكَذَلِكَ حِسابُهُ أنَّهُ لا يُفْلِحُ في مَعْنى حِسابِهِمْ أنَّهم لا يُفْلِحُونَ. وقَرَأ الحَسَنُ «يَفْلَحُ» بِفَتْحِ الياءِ واللّامِ، وما ألْطَفَ افْتِتاحَ هَذِهِ السُّورَةِ بِتَقْدِيرِ فَلاحِ المُؤْمِنِينَ وإيرادِ عَدَمِ فَلاحِ الكافِرِينَ في اخْتِتامِها، ولا يَخْفى ما في هَذِهِ الجُمَلِ مِن تَسْلِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وكَأنَّهُ سُبْحانَهُ بَعْدَ ما سَلّاهُ بِذِكْرِ مَآلِ مَن لا يُنْجَعُ دُعاؤُهُ فِيهِ أمَرَهُ بِما يَرْمُزُ إلى مُتارَكَةِ مُخالِفِيهِ فَقالَ جَلَّ وعَلا:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب