الباحث القرآني

﴿والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ وهُمُ الَّذِينَ لا يَزالُونَ في مِرْيَةٍ مِن ذَلِكَ، وفي مُتَعَلِّقِ الكُفْرِ احْتِمالاتٌ كاحْتِمالاتِ مُتَعَلِّقِ الإيمانِ وزِيادَةٌ وهي احْتِمالُ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُهُ الآياتِ، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِها الآياتُ التَّنْزِيلِيَّةُ، وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِها الأدِلَّةُ وأنْ يُرادَ بِها الأعَمُّ ويَتَحَصَّلُ مِمّا ذُكِرَ خَمْسَةَ عَشَرَ احْتِمالًا في الآيَةِ، ولَعَلَّ أوْلاها ما قَرُبَ بِهِ العَطْفُ إلى التَّأْسِيسِ فَتَأمَّلْ، والمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ أوَّلُ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأُولَئِكَ﴾ مُبْتَدَأٌ ثانٍ وهو إشارَةٌ إلى المَوْصُولِ بِاعْتِبارِ اتِّصافِهِ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإيذانِ بِبُعْدِ المَنزِلَةِ في الشَّرِّ والفَسادِ. وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لَهم عَذابٌ﴾ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ مِن مُبْتَدَأٍ وخَبَرٍ مُقَدَّمٍ عَلَيْهِ وقَعَتْ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ الثّانِي أوْ ( لَهم ) خَبَرٌ لَهُ ( وعَذابٌ ) مُرْتَفِعٌ عَلى الفاعِلِيَّةِ بِالِاسْتِقْرارِ في الجارِّ والمَجْرُورِ لِاعْتِمادِهِ عَلى المُبْتَدَأِ وجُمْلَةُ المُبْتَدَأِ الثّانِي وخَبَرِهِ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ الأوَّلِ، وتَصْدِيرُهُ بِالفاءِ قِيلَ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ تَعْذِيبَ الكُفّارِ بِسَبَبِ قَبائِحِهِمْ ولِذا جِيءَ بِأُولَئِكَ. وقِيلَ لَهم عَذابٌ بِلامِ الِاسْتِحْقاقِ وكانَ الظّاهِرُ في عَذابٍ كَما قِيلَ: ( في جَنّاتِ ) وجُعِلَ تَجْرِيدُ خَبَرِ المَوْصُولِ الأوَّلِ عَنْها لِلْإيذانِ بِأنَّ إثابَةَ المُؤْمِنِينَ بِطَرِيقِ التَّفَضُّلِ لِإيجابِ مَحاسِنِهِمْ إيّاها، ولا يُنافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَلَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [التِّينَ: 6] ونَحْوَهُ لِأنَّها بِمُقْتَضى وعْدِهِ تَعالى عَلى الإثابَةِ عَلَيْها قَدْ تُجْعَلُ سَبَبًا، وقِيلَ جِيءَ بِالفاءِ لِأنَّ الكَلامَ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ التَّفْصِيلِ بِتَقْدِيرِ أمّا فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولَئِكَ إلَخْ ولَيْسَ بِشَيْءٍ لِأنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَقْدِيرَ أمّا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فالَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلَخْ ولا يَتَسَنّى فِيهِ لِعَدَمِ الفاءِ في الخَبَرِ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُهِينٌ﴾ صِفَةٌ لِعَذابٍ مُؤَكِّدَةٌ لِما أفادَهُ التَّنْوِينُ مِنَ الفَخامَةِ، ولَمْ يَتَعَرَّضْ لِوَصْفِ هَؤُلاءِ الكَفَرَةِ بِعَمَلِ السَّيِّئاتِ كَما تَعَرَّضَ لِوَصْفِ المُؤْمِنِينَ بِعَمَلِ الصّالِحاتِ قِيلَ لِظُهُورِ عَدَمِ اتِّصافِهِمْ بِغَيْرِهِ أعْنِي العَمَلَ الصّالِحَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ تَعالى عَلى لِسانِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بَعْدَ كُفْرِهِمْ وتَكْذِيبِهِمْ بِالآياتِ، وقِيلَ مُبالَغَةً في تَهْوِيلِ أمْرِ الكُفْرِ حَيْثُ أخْبَرَ سُبْحانَهُ أنَّ لِلْمُتَّصِفِ بِهِ دُونَ عَمَلِ السَّيِّئاتِ عَذابًا مُهِينًا ولَوْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ لَأفادَ أنَّ ذَلِكَ العَذابَ لِلْمُتَّصِفِ بِالمَجْمُوعِ فَيَضْعُفُ التَّهْوِيلُ، والقَوْلُ بِأنَّ المُرادَ مِنَ التَّكْذِيبِ بِالآياتِ عَمَلُ السَّيِّئاتِ أوْ في الكَلامِ صَنْعَةُ الِاحْتِباكِ والأصْلُ فالَّذِينَ آمَنُوا وصَدَّقُوا بِآياتِنا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ في جَنّاتِ النَّعِيمِ والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا وعَمِلُوا السَّيِّئاتِ فَأُولَئِكَ لَهم عَذابٌ مُهِينٌ خِلافُ الظّاهِرِ كَما لا يَخْفى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب