الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكَأيِّنْ مِن قَرْيَةٍ﴾ مَنصُوبٌ بِمُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أهْلَكْناها﴾ أيْ فَأهْلَكْنا كَثِيرًا مِنَ القُرى أهْلَكْناها، والجُمْلَةُ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ (p-166)سُبْحانَهُ: ﴿فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ أوْ مَرْفُوعٌ عَلى الِابْتِداءِ وجُمْلَةُ ( أهْلَكْناها ) خَبَرُهُ أيْ فَكَثِيرٌ مِنَ القُرى أهْلَكْناها، واخْتارَ هَذا أبُو حَيّانَ: الأجْوَدُ في إعْرابِ (كَأيِّنْ ) أنْ تَكُونَ مُبْتَدَأً وكَوْنُها مَنصُوبَةً بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ قَلِيلٌ.
وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وجَماعَةٌ «أهْلَكْتُها» بِتاءِ المُتَكَلِّمِ عَلى وفْقِ ﴿فَأمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ﴾ ثُمَّ أخَذْتُهم ونِسْبَةُ الإهْلاكِ إلى القُرى مَجازِيَّةٌ والمُرادُ إهْلاكُ أهْلِها، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الكَلامُ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ، وقِيلَ: الإهْلاكُ اسْتِعارَةٌ لِعَدَمِ الِانْتِفاعِ بِها بِإهْلاكِ أهْلِها، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهِيَ ظالِمَةٌ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ مِن مَفْعُولِ أهْلَكْنا، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهِيَ خاوِيَةٌ﴾ عَطْفٌ عَلى ( أهْلَكْناها ) فَلا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعْرابِ أوْ مَحَلُّهُ الرَّفْعُ كالمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، ويَجُوزُ عَطْفُهُ عَلى جُمْلَةِ (كَأيِّنْ ) إلَخِ الِاسْمِيَّةِ واخْتارَهُ بَعْضُهم لِقَضِيَّةِ التَّشاكُلِ، والفاءُ غَيْرُ مانِعَةٍ بِناءً عَلى تَرْتِيبِ الخَواءِ عَلى الإهْلاكِ لِأنَّهُ عَلى نَحْوِ زَيْدٌ أبُوكَ فَهو عَطُوفٌ عَلَيْكَ، وجُوِّزَ عَطْفُهُ عَلى الجُمْلَةِ الحالِيَّةِ، واعْتُرِضَ بِأنَّ خَواءَها لَيْسَ في حالِ إهْلاكِ أهْلِها بَلْ بَعْدَهُ، وأُجِيبَ بِأنَّها حالٌ مُقَدَّرَةٌ ويَصِحُّ عَطْفُها عَلى الحالِ المُقارَنَةِ أوْ يُقالُ هي حالٌ مُقارَنَةٌ أيْضًا بِأنْ يَكُونَ إهْلاكُ الأهْلِ بِخَوائِها عَلَيْهِمْ، ولا يَخْفى أنَّ كِلا الجَوّابَيْنِ خِلافُ الظّاهِرِ، والخَواءُ إمّا بِمَعْنى السُّقُوطِ مِن خَوى النَّجْمُ إذا سَقَطَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى عُرُوشِها﴾ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، والمُرادُ بِالعُرُوشِ السُّقُوفُ، والمَعْنى فَهي ساقِطَةٌ حِيطانُها عَلى سُقُوفِها بِأنْ تَعَطَّلَ بُنْيانُها فَخَرَّتْ سُقُوفُها ثُمَّ تَهَدَّمَتْ حِيطانُها فَسَقَطَتْ فَوْقَ السُّقُوفِ، وإسْنادُ السُّقُوطِ عَلى العُرُوشِ إلَيْها لِتَنْزِيلِ الحِيطانِ مَنزِلَةَ كُلِّ البُنْيانِ لِكَوْنِها عُمْدَةً فِيهِ، وإمّا بِمَعْنى الخُلُوِّ مِن خَوَتِ الدّارُ تَخْوِي خَواءً إذا خَلَتْ مِن أهْلِها، ويُقالُ: خَوى البَطْنُ يَخْوِي خَوًى إذا خَلا مِنَ الطَّعامِ، وجَعَلَ الرّاغِبُ أصْلَ مَعْنى الخَواءِ هَذا وجَعَلَ خَوى النَّجْمُ مِن ذَلِكَ فَقالَ: يُقالُ خَوى النَّجْمُ وأخْوى إذا لَمْ يَكُنْ مِنهُ عِنْدَ سُقُوطِهِ مَطَرٌ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى عُرُوشِها﴾ إمّا مُتَعَلِّقٌ بِهِ أوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا، و( عَلى ) بِمَعْنى مَعَ أيْ فَهي خالِيَةٌ مَعَ بَقاءِ عُرُوشِها وسَلامَتِها، ويَجُوزُ عَلى تَفْسِيرِ الخَواءِ بِالخُلُوِّ أنْ يَكُونَ ﴿عَلى عُرُوشِها﴾ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ أيْ فَهي خالِيَةٌ وهي عَلى عُرُوشِها أيْ قائِمَةٌ مُشْرِفَةٌ عَلى عُرُوشِها عَلى أنَّ السُّقُوفَ سَقَطَتْ إلى الأرْضِ وبَقِيَتِ الحِيطانُ قائِمَةً وهي مُشْرِفَةٌ عَلى السُّقُوفِ السّاقِطَةِ، وإسْنادُ الإشْرافِ إلى الكُلِّ مَعَ كَوْنِهِ حالَ الحِيطانِ لِما مَرَّ آنِفًا ﴿وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ﴾ عَطْفٌ عَلى ( قَرْيَةٍ ) والبِئْرُ مِن بَأرْتُ أيْ حَفَرْتُ وهي مُؤَنَّثَةٌ عَلى وزْنِ فِعْلٍ بِمَعْنى مَفْعُولٍ وقَدْ تُذَكَّرُ عَلى مَعْنى القَلِيبِ وتُجْمَعُ عَلى أبارٍ وآبارٍ وأبْؤُرٍ وآبَرٍ وبِيارٍ، وتَعْطِيلُ الشَّيْءِ إبْطالُ مَنافِعِهِ أيْ وكَمْ بِئْرٍ عامِرَةٍ في البَوادِي تُرِكَتْ لا يُسْقى مِنها لِهَلاكِ أهْلِها. وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ والحَسَنُ وجَماعَةٌ «مُعْطَلَةٍ» بِالتَّخْفِيفِ مِن أعْطَلَهُ بِمَعْنى عَطَّلَهُ.
﴿وقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ عَطْفٌ عَلى ما تَقَدَّمَ أيْضًا أيْ وكَمْ قَصْرٍ مَرْفُوعِ البُنْيانِ أوْ مَبْنِيٍّ بِالشِّيدِ بِالكَسْرِ أيِ الجِصِّ أخْلَيْناهُ عَنْ ساكِنِيهِ كَما يُشْعِرُ بِهِ السِّياقُ ووَصْفُ البِئْرِ بِمُعَطَّلَةٍ قَبْلُ، وهَذا يُؤَيِّدُ كَوْنَ مَعْنى ( خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ) خالِيَةٌ مَعَ بَقاءِ عُرُوشِها، وفي البَحْرِ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ ( بِئْرٍ ) .
﴿وقَصْرٍ﴾ مِن حَيْثُ عَطْفُها عَلى ( قَرْيَةٍ ) داخِلَيْنِ مَعَها في حَيِّزِ الإهْلاكِ مُخْبَرًا بِهِ عَنْهُما بِضَرْبٍ مِنَ التَّجَوُّزِ أيْ وكَمْ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وقَصْرٍ مَشِيدٍ أهْلَكْنا أهْلَهُما.
وزَعَمَ بَعْضُهم عَطْفَهُما عَلى ( عُرُوشِها ) ولَيْسَ بِشَيْءٍ، وظاهِرُ التَّنْكِيرِ فِيهِما عَدَمُ إرادَةِ مُعَيَّنٍ مِنهُما، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ البِئْرَ كانَتْ لِأهْلِ عَدَنٍ مِنَ اليَمَنِ وهي الرَّسُّ، وعَنْ كَعْبِ الأحْبارِ أنَّ القَصْرَ بَناهُ عادٌ الثّانِي.
(p-167)وعَنِ الضَّحّاكِ وغَيْرِهِ أنَّ القَصْرَ عَلى قُلَّةِ جَبَلٍ بِحَضْرَمَوْتَ والبِئْرَ بِسَفْحِهِ وأنَّ صالِحًا عَلَيْهِ السَّلامُ نَزَلَ عَلَيْها مَعَ أرْبَعَةِ آلافِ نَفَرٍ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ ونَجّاهُمُ اللَّهُ تَعالى مِنَ العَذابِ، وسُمِّيَتْ حَضْرَمَوْتَ بِفَتْحِ الرّاءِ والمِيمِ ويُضَمّانِ ويُبْنى ويُضافُ لِأنَّ صالِحًا عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ حَضَرَها ماتَ، وعِنْدَ البِئْرِ بَلْدَةٌ اسْمُها حاضُورا بَناها قَوْمُ صالِحٍ وأمَّرُوا عَلَيْها جَلْهَسَ بْنَ جُلاسٍ وأقامُوا بِها زَمانًا ثُمَّ كَفَرُوا وعَبَدُوا صَنَمًا وأرْسَلَ اللَّهُ تَعالى إلَيْهِمْ حَنْظَلَةَ بْنَ صَفْوانَ نَبِيًّا فَقَتَلُوهُ في السُّوقِ فَأهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعالى عَنْ آخِرِهِمْ وعَطَّلَ سُبْحانَهُ بِئْرَهم وقَصْرَهم.
وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ إرادَةُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّعْرِيضِ وفِيهِ بُعْدٌ
{"ayah":"فَكَأَیِّن مِّن قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَـٰهَا وَهِیَ ظَالِمَةࣱ فَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرࣲ مُّعَطَّلَةࣲ وَقَصۡرࣲ مَّشِیدٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











