الباحث القرآني
﴿وأذِّنْ في النّاسِ﴾ أيْ نادِ فِيهِمْ ﴿بِالحَجِّ﴾ بِدَعْوَةِ الحَجِّ والأمْرِ بِهِ، أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في المُصَنَّفِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا فَرَغَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن بِناءِ البَيْتِ قالَ: رَبِّ قَدْ فَرَغْتُ فَقالَ: أُذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ قالَ: يا رَبِّ وما يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قالَ: أذِّنْ وعَلَيَّ البَلاغُ قالَ: رَبِّ كَيْفَ أقُولُ؟ قالَ: قُلْ يا أيُّها النّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الحَجُّ إلى البَيْتِ العَتِيقِ فَسَمِعَهُ أهْلُ السَّماءِ والأرْضِ ألا تَرى أنَّهم يُجِيبُونَ مِن أقْصى البِلادِ يُلَبُّونَ» وجاءَ في رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ صَعِدَ أبا قُبَيْسٍ فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ في أُذُنَيْهِ ثُمَّ نادى يا أيُّها النّاسُ إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَأجِيبُوا رَبَّكم فَأجابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ في أصْلابِ الرِّجالِ وأرْحامِ النِّساءِ، وأوَّلُ مَن أجابَ أهْلُ اليَمَنِ فَلَيْسَ حاجٌّ يَحُجُّ مِن يَوْمِئِذٍ إلى أنْ تَقُومَ السّاعَةُ إلّا مَن أجابَ يَوْمَئِذٍ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وفي رِوايَةٍ أنَّهُ قامَ عَلى الحِجْرِ فَنادى، وعَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قامَ عَلى الصَّفا، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ تَطاوَلَ بِهِ المَقامُ حَتّى كانَ كَأطْوَلِ جَبَلٍ في الأرْضِ فَأذَّنَ بِالحَجِّ، ويُمْكِنُ الجَمْعُ بِتَكَرُّرِ النِّداءِ، وأيًّا ما كانَ فالخِطابُ لِإبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ. وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ لِنَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أُمِرَ بِذَلِكَ في حَجَّةِ الوَداعِ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ وهو خِلافُ الظّاهِرِ جِدًّا ولا قَرِينَةَ عَلَيْهِ، وقِيلَ: يَأْباهُ كَوْنُ السُّورَةِ مَكِّيَّةً وقَدْ عَلِمْتَ ما فِيهِ أوَّلُها.
وقَرَأ الحَسَنُ وابْنُ مُحَيْصَنٍ و«آذِنْ» بِالمَدِّ والتَّخْفِيفِ أيْ أعْلِمْ كَما قالَ البَعْضُ، وقالَ آخَرُونَ: المُرادُ بِهِ هُنا أوْقِعِ الإيذانَ لِأنَّهُ عَلى الأوَّلِ كانَ يَنْبَغِي أنْ يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ لا بِفي فَهو كَقَوْلِهِ: «يَجْرَحْ في عَراقِيبِها نَصْلِي» .
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَدْ تَصَحَّفَتْ هَذِهِ القِراءَةُ عَلى ابْنِ جِنِّيٍّ فَإنَّهُ حُكِيَ عَنْهُما «وآذَنَ» فِعْلًا ماضِيًا وجَعَلَهُ مَعْطُوفًا عَلى ( بَوَّأْنا ) وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّهُ لَيْسَ بِتَصْحِيفٍ بَلْ قَدْ حَكى ذَلِكَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الحُسَيْنُ بْنُ خالَوَيْهِ في شَواذِّ القِراءاتِ مِن جَمْعِهِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ «بِالحِجِّ» بِكَسْرِ الحاءِ حَيْثُ وقَعَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَأْتُوكَ﴾ جُزِمَ في جَوابِ الأمْرِ وهو ( أذِّنْ ) عَلى القِراءَتَيْنِ و(طَهِّرْ ) عَلى الثّالِثَةِ كَما قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: وإيقاعُ الإتْيانِ عَلى ضَمِيرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِكَوْنِ ذَلِكَ بِنِدائِهِ، والمُرادُ يَأْتُوا بَيْتَكَ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿رِجالا﴾ في مَوْضِعِ (p-144)الحالِ أيْ مُشاةً جَمْعُ راجِلٍ كَقِيامٍ جَمْعُ قائِمٍ.
وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ «رُجالًا» بِضَمِّ الرّاءِ والتَّخْفِيفِ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ والحَسَنِ وأبِي مِجْلَزٍ، وهو اسْمُ جَمْعٍ لِراجِلٍ كَطُؤارٍ لِطائِرٍ أوْ هو جَمْعٌ نادِرٌ، ورُوِيَ عَنْ هَؤُلاءِ وابْنِ عَبّاسٍ ومُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ومُجاهِدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم «رُجّالًا» بِالضَّمِّ والتَّشْدِيدِ عَلى أنَّهُ جَمْعُ راجِلٍ كَتاجِرٍ وتُجّارٍ، وعَنْ عِكْرِمَةَ أنَّهُ قَرَأ «رُجالى» كَسُكارى وهو جَمْعُ رَجُلانِ أوْ راجِلٍ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وعَطاءٍ وابْنِ حُدَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ إلّا أنَّهم شَدَّدُوا الجِيمَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعَلى كُلِّ ضامِرٍ﴾ عُطِفَ عَلى ( رِجالًا ) أيْ ورُكْبانًا عَلى كُلِّ بَعِيرٍ مَهْزُولٍ أتْعَبَهُ بُعْدُ الشُّقَّةِ فَهَزَلَهُ أوْ زادَ هُزالُهُ، والضّامِرُ يُطْلَقُ عَلى المُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، وعَدَلَ عَنْ رُكْبانًا الأخْصَرِ لِلدَّلالَةِ عَلى كَثْرَةِ الآتِينَ مِنَ الأماكِنِ البَعِيدَةِ.
وفِي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى جَوازِ المَشْيِ والرُّكُوبِ في الحَجِّ، قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: واسْتَدَلَّ عُلَماؤُنا بِتَقْدِيمِ ( رِجالًا ) عَلى أنَّ المَشْيَ أفْضَلُ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ والبَيْهَقِيُّ وجَماعَةٌ أنَّهُ قالَ: ما آسى عَلى شَيْءٍ فاتَنِي إلّا أنِّي لَمْ أحُجَّ ماشِيًا حَتّى أدْرَكَنِي الكِبَرُ أسْمَعُ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ: ﴿يَأْتُوكَ رِجالا وعَلى كُلِّ ضامِرٍ﴾ فَبَدَأ بِالرِّجالِ قَبْلَ الرُّكْبانِ، وفي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ وابْنُ مَرْدُوَيْهِ وغَيْرُهُما عَنْهُ أنَّهُ قالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «إنَّ لِلْحاجِّ الرّاكِبِ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوها راحِلَتُهُ سَبْعِينَ حَسَنَةً ولِلْماشِي بِكُلِّ قَدَمٍ سَبْعُمِائَةِ حَسَنَةٍ مِن حَسَناتِ الحَرَمِ قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ وما حَسَناتُ الحَرَمِ؟ قالَ: الحَسَنَةُ مِائَةُ ألْفِ حَسَنَةٍ»» وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ عَلَيْهِما السَّلامُ حَجّا وهُما ماشِيانِ.
وقالَ ابْنُ الفَرَسِ: واسْتَدَلَّ بَعْضُهم بِالآيَةِ عَلى أنَّهُ لا يَجِبُ الحَجُّ عَلى مَن في طَرِيقِهِ بَحْرٌ ولا طَرِيقَ لَهُ سِواهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يُذْكَرْ في الآيَةِ. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ اسْتِدْلالٌ ضَعِيفٌ لِأنَّ مَكَّةَ لَيْسَتْ عَلى بَحْرٍ وإنَّما يُتَوَصَّلُ إلَيْها عَلى إحْدى الحالَيْنِ مَشْيٌ أوْ رُكُوبٌ، وأيْضًا في دَلالَةِ عَدَمِ الذِّكْرِ عَلى عَدَمِ الوُجُوبِ نَظَرٌ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَأْتِينَ﴾ صِفَةٌ لِضامِرٍ أوْ لِكُلٍّ، والجَمْعُ بِاعْتِبارِ المَعْنى كَأنَّهُ قِيلَ ورُكْبانًا عَلى ضَوامِرَ يَأْتِينَ، و(كُلِّ ) هُنا لِلتَّكْثِيرِ لا لِلْإحاطَةِ وما قِيلَ مِن أنَّها إذا أُضِيفَتْ لِنَكِرَةٍ لَمْ يُراعَ مَعْناها إلّا قَلِيلًا رَدُّوهُ بِهَذِهِ الآيَةِ ونَظائِرِها، وكَذا ما قِيلَ إنَّهُ يَجُوزُ إذا كانا في جُمْلَتَيْنِ لِأنَّ هَذِهِ جُمْلَةٌ واحِدَةٌ.
وجَوَّزَ أبُو حَيّانَ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ شامِلًا لِرِجالٍ ( وكُلِّ ضامِرٍ ) والجُمْلَةُ صِفَةٌ لِذَلِكَ عَلى مَعْنى الجَماعاتِ والرِّفاقِ. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ يَلْزَمُهُ تَغْلِيبُ غَيْرِ العُقَلاءِ عَلَيْهِمْ وقَدْ صَرَّحُوا بِمَنعِهِ. نَعَمْ قَرَأ عُبَيْدُ اللَّهِ وأصْحابُهُ والضَّحّاكُ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ «يَأْتُونَ» واعْتِبارُ التَّغْلِيبِ فِيهِ عَلى بابِهِ، والمَشْهُورُ جَعْلُ الضَّمِيرِ لِرِجالًا ورُكْبانًا فَلا تَغْلِيبَ، وجُوِّزَ جَعْلُ الضَّمِيرِ لِلنّاسِ والجُمْلَةُ اسْتِئْنافِيَّةٌ ﴿مِن كُلِّ فَجٍّ﴾ أيْ طَرِيقٍ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ وقَتادَةَ والضَّحّاكِ وأبِي العالِيَةِ وهو في الأصْلِ شَقَّةٌ يَكْتَنِفُها جَبَلانِ ويُسْتَعْمَلُ في الطَّرِيقِ الواسِعِ وكَأنَّهم جَرَّدُوهُ عَنْ مَعْنى السِّعَةِ لِأنَّهُ لا يُناسِبُ هُنا بَلْ لا يَخْلُو مِن خَلَلٍ ﴿عَمِيقٍ﴾ أيْ بِعِيدٍ وبِهِ فَسَّرَهُ الجَماعَةُ أيْضًا، وأصْلُهُ البَعِيدُ سُفْلًا وهو غَيْرُ مُناسِبٍ هُنا.
وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ «مُعِيقٍ» قالَ اللَّيْثُ: يُقالُ عَمِيقٌ مُعِيقٌ لِتَمِيمٍ وأعْمَقْتُ البِئْرَ وأمْعَقْتُها وقَدْ عَمُقَتْ ومَعُقَتْ عَماقَةً ومُعاقَةً وهي بَعِيدَةُ العُمْقِ والمَعْقِ
{"ayah":"وَأَذِّن فِی ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ یَأۡتُوكَ رِجَالࣰا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرࣲ یَأۡتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیقࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق