الباحث القرآني
﴿إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ بَيانٌ لِحُسْنِ حالِ المُؤْمِنِينَ إثْرَ بَيانِ سُوءِ حالِ الكَفَرَةِ، وغُيِّرَ الأُسْلُوبُ فِيهِ بِإسْنادِ الإدْخالِ إلى الِاسْمِ الجامِعِ وتَصْدِيرِ الجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّحْقِيقِ وفَصْلِها لِلِاسْتِئْنافِ إيذانًا بِكَمالِ مُبايَنَةِ حالِهِمْ لِحالِ الكَفَرَةِ وإظْهارًا لِمَزِيدِ العِنايَةِ بِأمْرِ المُؤْمِنِينَ ودَلالَةً عَلى تَحْقِيقِ مَضْمُونِ الكَلامِ ﴿يُحَلَّوْنَ فِيها﴾ بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ والتَّشْدِيدُ مِنَ التَّحْلِيَةِ بِالحُلِيِّ أيْ تُحَلِّيهِمُ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِأمْرِهِ تَعالى، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن أساوِرَ﴾ قِيلَ مُتَعَلِّقٌ بِيُحَلَّوْنَ، ( ومِن ) ابْتِدائِيَّةٌ والفِعْلُ مُتَعَدٍّ لِواحِدٍ وهو النّائِبُ عَنِ الفاعِلِ، وقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ ومِن لِلْبَيانِ والفِعْلُ مُتَعَدٍّ لِاثْنَيْنِ أحَدُهُما النّائِبُ عَنِ الفاعِلِ والآخَرُ المَوْصُوفُ المَحْذُوفُ أيْ يُحَلُّونَ حُلِيًّا أوْ شَيْئًا مِن أساوِرَ، وعَلى القَوْلِ بِتَعَدِّي هَذا الفِعْلِ لِاثْنَيْنِ جُوِّزَ أنْ تَكُونَ مِن لِلتَّبْعِيضِ واقِعَةً مَوْقِعَ المَفْعُولِ، وأنْ تَكُونَ زائِدَةً عَلى مَذْهَبِ الأخْفَشِ مِن جَوازِ زِيادَتِها في الإيجابِ ( وأساوِرَ ) مَفْعُولُ ( يُحَلَّوْنَ ) وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن ذَهَبٍ﴾ (p-136)صِفَةٌ لِأساوِرَ، و( مِن ) لِلْبَيانِ، وقِيلَ: لِابْتِداءِ الغايَةِ أيْ أُنْشِئَتْ مِن ذَهَبٍ، وقِيلَ: لِلتَّبْعِيضِ، وتَعَلُّقُهُ بِيُحَلَّوْنَ لا يَخْفى حالُهُ، وقُرِئَ «يُحْلَوْنَ» بِضَمِّ الياءِ والتَّخْفِيفِ، وهو عَلى ما في البَحْرِ بِمَعْنى المُشَدَّدِ، ويُشْعِرُ كَلامُ بَعْضٍ أنَّهُ مُتَعَدٍّ لِواحِدٍ وهو النّائِبُ الفاعِلِ فَمِن أساوِرَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ومِنَ ابْتِدائِيَّةٌ.
وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ «يَحْلَوْنَ» بِفَتْحِ الياءِ واللّامِ وسُكُونِ الحاءِ مَن حَلِيَتِ المَرْأةُ إذا لَبِسَتْ حُلِيَّها. وقالَ أبُو حَيّانَ: إذا صارَتْ ذاتَ حُلِيٍّ، وقالَ أبُو الفَضْلِ الرّازِيُّ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن حَلِيَ بِعَيْنِي يَحْلى إذا اسْتَحْسَنْتَهُ وهو في الأصْلِ مِنَ الحَلاوَةِ وتَكُونُ مِن حِينَئِذٍ زائِدَةً، والمَعْنى يَسْتَحْسِنُونَ فِيها الأساوِرَ، وقِيلَ: هَذا الفِعْلُ لازِمٌ ومِن سَبَبِيَّةٌ، والمَعْنى يَحْلى بَعْضُهم بِعَيْنِ بَعْضٍ بِسَبَبِ لِباسِ أساوِرِ الذَّهَبِ.
وجَوَّزَ أبُو الفَضْلِ أنْ يَكُونَ مِن حَلَيْتُ بِهِ إذا ظَفِرْتَ بِهِ، ومِنهُ قَوْلُهم: لَمْ يَحْلِ فُلانٌ بِطائِلٍ، ومِن حِينَئِذٍ بِمَعْنى الباءِ أيْ يَظْفَرُونَ فِيها بِأساوِرَ مِن ذَهَبٍ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ «مِن أسْوِرَ» بِفَتْحِ الرّاءِ مِن غَيْرِ ألِفٍ ولا هاءٍ، وكانَ قِياسُهُ أنْ يُصْرَفَ لِأنَّهُ نَقَصَ بِناؤُهُ فَصارَ كَجَنْدَلٍ لَكِنَّهُ قُدِّرَ المَحْذُوفُ مَوْجُودًا فَمُنِعَ الصَّرْفُ، قَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَظِيرِ هَذِهِ الجُمْلَةِ في الكَهْفِ فَتَذَكَّرْ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولُؤْلُؤًا﴾ عُطِفَ عَلى مَحَلِّ ( مِن أساوِرَ ) أوْ عَلى المَوْصُوفِ المَحْذُوفِ، وحَمَلَهُ أبُو الفَتْحِ عَلى إضْمارِ فِعْلٍ أيْ ويُؤْتَوْنَ لُؤْلُؤًا أوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وقَرَأ أكْثَرُ السَّبْعَةِ والحَسَنُ في رِوايَةٍ وطَلْحَةُ وابْنُ وثّابٍ والأعْمَشُ وأهْلُ مَكَّةَ «ولُؤْلُؤٍ» بِالخَفْضِ عَطْفًا عَلى ( أساوِرَ ) أوْ عَلى ( ذَهَبٍ ) لِأنَّ السُّوارَ قَدْ يَكُونُ مِن ذَهَبٍ مُرَصَّعٍ بِلُؤْلُؤٍ وقَدْ يَكُونُ مِن لُؤْلُؤٍ فَقَطْ كَما رَأيْناهُ ويُسَمّى في دِيارِنا خَصَرًا وأكْثَرُ ما يَكُونُ مِنَ المَرْجانِ. واخْتَلَفُوا هَلْ في الإمامِ ألِفٌ بَعْدَ الواوِ فَقالَ الجَحْدَرِيُّ: نَعَمْ، وقالَ الأصْمَعِيُّ: لا، ورَوى يَحْيى عَنْ أبِي بَكْرٍ هَمْزَ الآخَرِ وقَلْبَ الهَمْزَةِ الأُولى واوًا، ورَوى المُعَلّى بْنُ مَنصُورٍ عَنْهُ ضِدَّ ذَلِكَ.
وقَرَأ الفَيّاضُ «لُولِيًّا» قَلَبَ الهَمْزَتَيْنِ واوَيْنِ فَصارَتِ الثّانِيَةُ واوًا قَبْلَها ضَمَّةٌ وحَيْثُ لَمْ يَكُنْ في كَلامِهِمُ اسْمٌ مُتَمَكِّنٌ آخِرُهُ واوٌ قَبْلَها ضَمَّةٌ قَلَبَ الواوَ ياءً والضَّمَّةَ قَبْلَها كَسْرَةً. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ «ولِيلِيًّا» بِقَلْبِ الهَمْزَتَيْنِ واوَيْنِ ثُمَّ قَلْبِهِما ياءَيْنِ، أمّا قَلْبُ الثّانِيَةِ فَلِما عَلِمْتَ وأمّا قَلْبُ الأُولى فَلِلْإتْباعِ. وقَرَأ طَلْحَةُ «ولَوْلٍ» كَأدْلٍ في جَمْعِ دَلْوٍ قُلِبَتِ الهَمْزَتانِ واوَيْنِ ثُمَّ قُلِبَتْ ضَمَّةُ اللّامِ كَسْرَةً والواوُ ياءً ثُمَّ أُعِلَّ إعْلالَ قاضٍ﴿ولِباسُهم فِيها حَرِيرٌ﴾ غَيَّرَ الأُسْلُوبَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ ويَلْبَسُونَ فِيها حَرِيرًا لِلْإيذانِ بِأنَّ ثُبُوتَ اللِّباسِ لَهم أمْرٌ مُحَقَّقٌ غَنِيٌّ عَنِ البَيانِ إذْ لا يُمْكِنُ عَراؤُهم عَنْهُ وإنَّما المُحْتاجُ إلى البَيانِ أنَّ لِباسَهم ماذا بِخِلافِ التَّحْلِيَةِ فَإنَّها لَيْسَتْ مِن لَوازِمِهِمُ الضَّرُورِيَّةِ فَلِذا جَعَلَ بَيانَها مَقْصُودًا بِالذّاتِ. ولَعَلَّ هَذا هو السِّرُّ في تَقْدِيمِ بَيانِ التَّحْلِيَةِ عَلى بَيانِ حالِ اللِّباسِ قالَهُ العَلّامَةُ شَيْخُ الإسْلامِ، ولَمْ يَرْتَضِ ما قِيلَ: إنَّ التَّغْيِيرَ لِدَلالَةٍ عَلى أنَّ الحَرِيرَ لِباسُهُمُ المُعْتادُ أوْ لِمُجَرَّدِ المُحافَظَةِ عَلى هَيْئَةِ الفَواصِلِ، وظاهِرُ كَلامِهِمْ أنَّ الجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلى السّابِقَةِ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ ( يُحَلَّوْنَ ) ثُمَّ إنَّ الظّاهِرَ أنَّ هَذا الحُكْمَ عامٌّ في كُلِّ أهْلِ الجَنَّةِ، وقِيلَ هو بِاعْتِبارِ الأغْلَبِ لِما أخْرَجَ النَّسائِيُّ وابْنُ حِبّانَ وغَيْرُهُما عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««مَن لَبِسَ الحَرِيرَ في الدُّنْيا لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ وإنْ دَخَلَ الجَنَّةَ لَبِسَهُ أهْلُ الجَنَّةِ ولَمْ يَلْبَسْهُ»» وحَدِيثُ عَدَمِ لُبْسِ ذَلِكَ لَهُ في الآخِرَةِ مَذْكُورٌ في الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما مَرْفُوعًا.
(p-137)والظّاهِرُ أنَّ حُرْمَةَ اسْتِعْمالِ الحَرِيرِ لِلرِّجالِ في غَيْرِ ما اسْتُثْنِيَ مُجْمَعٌ عَلَيْها وأنَّهُ يَكْفُرُ مَنِ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ غَيْرَ مُتَأوِّلٍ، ولَعَلَّ خَبَرَ البَيْهَقِيِّ في سُنَنِهِ. وغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما مَرْفُوعًا ««مَن لَبِسَ الحَرِيرَ في الدُّنْيا لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ ولَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ»» إنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عَلى ما إذا كانَ اللُّبْسُ مُحَرَّمًا بِالإجْماعِ وقَدِ اسْتَحَلَّهُ فاعِلُهُ مِن غَيْرِ تَأْوِيلٍ أوْ عَلى أنَّ المُرادَ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ مَعَ السّابِقِينَ وإلّا فَعَدَمُ دُخُولِ اللّابِسِ مُطْلَقًا الجَنَّةَ مُشْكِلٌ.
{"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ یُدۡخِلُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ یُحَلَّوۡنَ فِیهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبࣲ وَلُؤۡلُؤࣰاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِیهَا حَرِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق