الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ خِطابٌ لِكُفّارِ مَكَّةَ وتَصْرِيحٌ بِمَآلِ أمْرِهِمْ مَعَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا مِمّا سَبَقَ عَلى وجْهِ الإجْمالِ مُبالَغَةً في الإنْذارِ وإزاحَةِ الأعْذارِ، فَما عِبارَةُ عَنْ أصْنامِهِمْ، والتَّعْبِيرُ عَنْها بِما عَلى بابِهِ لِأنَّها عَلى المَشْهُورِ لِما لا يَعْقِلُ فَلا يَرِدُ أنَّ عِيسى وعُزَيْرًا والمَلائِكَةَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ (p-94)عَبَدُوا مِن دُونِ اللَّهِ تَعالى مَعَ أنَّ الحُكْمَ لا يَشْمَلُهم وشاعَ «أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزِّبْعَرِيِّ القُرَشِيَّ اعْتَرَضَ بِذَلِكَ قَبْلَ إسْلامِهِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: يا غُلامُ ما أجْهَلَكَ بِلُغَةِ قَوْمِكَ لِأنِّي قُلْتُ ( وما تَعْبُدُونَ ) وما لِما لَمْ يَعْقِلْ ولَمْ أقُلْ ومَن تَعْبُدُونَ»» .
وتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ في تَخْرِيجِ أحادِيثِ الكَشّافِ بِأنَّهُ أشْهَرُ عَلى ألْسِنَةِ كَثِيرٍ مِن عُلَماءِ العَجَمِ وفي كُتُبِهِمْ وهو لا أصْلَ لَهُ ولَمْ يُوجَدْ في شَيْءٍ مِن كُتُبِ الحَدِيثِ مُسْنَدًا ولا غَيْرَ مُسْنَدٍ والوَضْعُ عَلَيْهِ ظاهِرٌ والعَجَبُ مِمَّنْ نَقَلَهُ مِنَ المُحَدِّثِينَ انْتَهى، ويُشَكَّلُ عَلى ما قُلْنا ما أخْرَجَهُ أبُو داوُدَ في ناسِخِهِ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ مَرْدُوَيْهِ والطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَ ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ﴾ إلَخْ شَقَّ ذَلِكَ عَلى أهْلِ مَكَّةَ وقالُوا: أتَشْتُمُ آلِهَتَنا فَقالَ ابْنُ الزِّبْعَرِيِّ: أنا أخْصِمُ لَكم مُحَمَّدًا ادْعُوهُ لِي فَدُعِيَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ هَذا شَيْءٌ لِآلِهَتِنا خاصَّةً أمْ لِكُلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللَّهِ تَعالى ؟ قالَ: بَلْ لِكُلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللَّهِ تَعالى فَقالَ ابْنُ الزِّبْعَرِيِّ: خُصِمْتَ ورَبِّ هَذِهِ البِنْيَةِ» . يَعْنِي الكَعْبَةَ. ألَسْتَ تَزْعُمُ يا مُحَمَّدُ أنَّ عِيسى عَبْدٌ صالِحٌ وأنَّ عُزَيْرًا عَبْدٌ صالِحٌ وأنَّ المَلائِكَةَ صالِحُونَ ؟ قالَ: بَلى قالَ: فَهَذِهِ النَّصارى تَعْبُدُ عِيسى وهَذِهِ اليَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا وهَذِهِ بَنُو مَلِيحٍ تَعْبُدُ المَلائِكَةَ فَضَجَّ أهْلُ مَكَّةَ وفَرِحُوا فَنَزَلَتْ ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى﴾ إلَخْ ﴿ولَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إذا قَوْمُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ﴾ [الزُّخْرُفَ: 57] إلَخْ، وجاءَ في رِواياتٍ أُخَرَ ما يُعَضِّدُهُ فَإنَّ ظاهِرَ ذَلِكَ أنَّ ما هُنا شامِلٌ لِلْعُقَلاءِ وغَيْرِهِمْ. وأُجِيبَ بِأنَّ الشُّمُولَ لِلْعُقَلاءِ الَّذِي ادَّعاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كانَ بِطَرِيقِ دَلالَةِ النَّصِّ بِجامِعِ الشَّرِكَةِ في المَعْبُودِيَّةِ مِن دُونِ اللَّهِ تَعالى فَلَمّا أشارَ ﷺ إلى عُمُومِ الآيَةِ بِطَرِيقِ الدَّلالَةِ اعْتَرَضَ ابْنُ الزِّبْعَرِيِّ بِما اعْتَرَضَ وتَوَهَّمَ أنَّهُ قَدْ بَلَغَ الغَرَضَ فَتَوَلّى اللَّهُ تَعالى الجَوابَ بِنَفْسِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى﴾ الآيَةَ، وحاصِلُهُ تَخْصِيصُ العُمُومِ المَفْهُومِ مِن دَلالَةِ النَّصِّ بِما سِوى الصُّلَحاءِ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ الحُسْنى فَيَبْقى الشَّياطِينُ الَّذِينَ عُبِدُوا مِن دُونِ اللَّهِ سُبْحانَهُ داخِلِينَ في الحُكْمِ بِحُكْمِ دَلالَةِ النَّصِّ فَيُفِيدُ النَّصُّ بَعْدَ هَذا التَّخْصِيصَ عِبارَةَ ودَلالَةَ حُكْمِ الأصْنامِ والشَّياطِينِ ويَنْدَفِعُ الِاعْتِراضُ، وقالَ بَعْضُهم: إنَّ ما تَعُمُّ العُقَلاءَ وغَيْرَهم وهو مَذْهَبُ جُمْهُورِ أئِمَّةِ اللُّغَةِ كَما قالَ العَلّامَةُ الثّانِي في التَّلْوِيحِ ودَلِيلُ ذَلِكَ النَّصُّ والإطْلاقُ والمَعْنى، أمّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثى﴾ [اللَّيْلَ: 3] وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿والسَّماءِ وما بَناها﴾ [الشَّمْسَ: 5] وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ولا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾ [الكافِرُونَ: 3] وأمّا الإطْلاقُ فَمِن وجْهَيْنِ، الأوَّلُ أنَّ ما قَدْ تُطْلَقُ بِمَعْنى الَّذِي بِاتِّفاقِ أهْلِ اللُّغَةِ والَّذِي يَصِحُّ إطْلاقُهُ عَلى مَن يَعْقِلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمُ الَّذِي جاءَ زَيْدٌ فَما كَذَلِكَ، الثّانِي أنَّهُ يَصِحُّ أنْ يُقالَ ما في دارِي مِنَ العَبِيدِ أحْرارٌ، وأمّا المَعْنى فَمِن وجْهَيْنِ أيْضًا، الأوَّلُ أنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ كَما جاءَ مِن عِدَّةِ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ لَمّا سَمِعُوا هَذِهِ الآيَةَ اعْتَرَضُوا بِعِيسى وعُزَيْرٍ والمَلائِكَةٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. وهم مِن فُصَحاءِ العَرَبِ فَلَوْ لَمْ يَفْهَمُوا العُمُومَ لَما اعْتَرَضُوا، الثّانِي أنَّ ما لَوْ كانَتْ مُخْتَصَّةً بِغَيْرِ العالِمِ لَما احْتِيجَ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ( مِن دُونِ اللَّهِ ) وحَيْثُ كانَتْ بِعُمُومِها مُتَناوِلَةً لَهُ عَزَّ وجَلَّ احْتِيجَ إلى التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ ( مِن دُونِ اللَّهِ ) وحِينَئِذٍ تَكُونُ الآيَةُ شامِلَةً عِبادَةً لِأُولَئِكَ الكِرامِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ ويَكُونُ الجَوابُ الَّذِي تَوَلّاهُ اللَّهُ تَعالى بِنَفْسِهِ جَوابًا بِالتَّخْصِيصِ، وفي ذَلِكَ حُجَّةٌ لِلشّافِعِيِّ في قَوْلِهِ بِجَوازِ تَخْصِيصِ العامِّ بِكَلامٍ مُسْتَقِلٍّ مُتَراخٍ خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. وأُجِيبَ بِأنَّ ما ذُكِرَ مِنَ النُّصُوصِ والإطْلاقاتِ فَغايَتُهُ جَوازُ إطْلاقِ ما عَلى مَن يَعْلَمُ لا يَلْزَمُ مِن ذَلِكَ (p-95)أنْ تَكُونَ ظاهِرَةً فِيهِ أوْ فِيما يَعُمُّهُ بَلْ هي ظاهِرَةٌ في غَيْرِ العالِمِ لا سِيَّما هُنا لِأنَّ الخِطابَ مَعَ عَبَدَةِ الأصْنامِ وإذا كانَتْ ظاهِرَةً فِيما لا يَعْقِلُ وجَبَ تَنْزِيلُها عَلَيْهِ، وما ذُكِرَ مِنَ الوَجْهِ الأوَّلِ في المَعْنى فَلَيْسَ بِنَصٍّ في أنَّ المُعْتَرِضِينَ إنَّما اعْتَرَضُوا لِفَهْمِهِمُ العُمُومَ مِن ما وضْعًا لِجَوازِ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِفَهْمِهِمْ إيّاهُ مِن دَلالَةِ النَّصِّ كَما مَرَّ، وما ذُكِرَ مِنَ الوَجْهِ الثّانِي مِن عَدَمِ الِاحْتِياجِ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ( مِن دُونِ اللَّهِ ) فَإنَّما يَصِحُّ أنْ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فائِدَةٌ، وفائِدَتُهُ مَعَ التَّأْكِيدِ تَقْبِيحُ ما كانُوا عَلَيْهِ، وإنْ سَلَّمْنا أنَّ ما حَقِيقَةٌ فِيمَن يَعْقِلُ فَلا نُسَلِّمُ أنَّ بَيانَ التَّخْصِيصِ لَمْ يَكُنْ مُقارِنًا لِلْآيَةِ فَإنَّ دَلِيلَ العَقْلِ صالِحٌ لِلتَّخْصِيصِ خِلافًا لِطائِفَةٍ شاذَّةٍ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ، والعَقْلُ قَدْ دَلَّ عَلى امْتِناعِ تَعْذِيبٍ أحَدٍ بِجُرْمٍ صادِرٍ مِن غَيْرِهِ اللَّهُمَّ إلّا أنْ يَكُونَ راضِيًا بِجُرْمِ ذَلِكَ الغَيْرِ، وأحَدٌ مِنَ العُقَلاءِ لَمْ يَخْطُرْ بِبالِهِ رِضا المَسِيحِ وعُزَيْرٍ والمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِعِبادَةِ مَن عَبَدَهم وما مِثْلُ هَذا الدَّلِيلِ العَقْلِيِّ فَلا نُسَلِّمُ عَدَمَ مُقارَنَتِهِ لِلْآيَةِ، وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى﴾ الآيَةَ فَإنَّما ورَدَ تَأْكِيدًا بِضَمِّ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ إلى الدَّلِيلِ العَقْلِيِّ مَعَ الِاسْتِغْناءِ عَنْ أصْلِهِ أمّا أنْ يَكُونَ هو المُسْتَقِلُّ بِالبَيانِ فَلا، وعَدَمُ تَعَرُّضِهِ ﷺ لِلدَّلِيلِ العَقْلِيِّ لَمْ يَكُنْ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَلْ لِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمّا رَآهم لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ وأعْرَضُوا عَنْهُ فاعْتَرَضُوا بِما اعْتَرَضُوا مَعَ ظُهُورِهِ انْتَظَرَ ما يُقَوِّيهِ مِنَ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ أوْ لِأنَّ الوَحْيَ سَبَقَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَنَزَلَتِ الآيَةُ قَبْلَ أنْ يُنَبِّهَهم عَلى ذَلِكَ، وقِيلَ: إنَّهم تَعَنَّتُوا بِنَوْعٍ مِنَ المَجازِ فَنَزَلَ ما يَدْفَعُهُ، وقِيلَ: إنَّ هَذا خَبَرٌ لا تَكْلِيفَ فِيهِ والِاخْتِلافُ في جَوازِ تَأْخِيرِ البَيانِ مَخْصُوصٌ بِما فِيهِ تَكْلِيفٌ، وفِيهِ نَظَرٌ، وقالَ العَلّامَةُ ابْنُ الكَمالِ: لا خِلافَ بَيْنَنا وبَيْنَ الشّافِعِيِّ في قَصْرِ العامِّ عَلى بَعْضِ ما يَتَناوَلُهُ بِكَلامٍ مُسْتَقِلٍّ مُتَراخٍ إنَّما الخِلافُ في أنَّهُ تَخْصِيصٌ حَتّى يَصِيرَ العامُّ بِهِ ظَنِّيًّا في الباقِي أوْ نُسِخَ حَتّى يَبْقى عَلى ما كانَ فَلا وجْهَ لِلِاحْتِجاجِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ لِأنَّ الثّابِتَ بِهِ عَلى تَقْدِيرِ التَّمامِ قَصْرُ العامِّ بِالمُتَراخِي والخِلافُ فِيما وراءَهُ والدَّلِيلُ قاصِرٌ عَنْ بَيانِهِ ولا لِلْجَوابِ بِأنَّ تَعْبُدُونَ لا يَتَناوَلُ عِيسى وعُزَيْرًا والمَلائِكَةَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لا لِأنَّ ما لِغَيْرِ العُقَلاءِ لِما أنَّهُ عَلى خِلافِ ما عَلَيْهِ الجُمْهُورُ بَلْ لِأنَّهم ما عُبِدُوا حَقِيقَةً عَلى ما أفْصَحَ عَنْهُ ﷺ حِينَ قالَ ابْنُ الزِّبْعَرِيِّ: ألَيْسَ اليَهُودُ عَبَدُوا عُزَيْرًا والنَّصارى عَبَدُوا المَسِيحَ وبَنُو مَلِيحٍ عَبَدُوا المَلائِكَةَ بِقَوْلِهِ ﷺ: بَلْ هم عَبَدُوا الشَّياطِينَ الَّتِي أمَرَتْهم بِذَلِكَ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ﴾ الآيَةَ لِدَفْعِ ذَهابِ الوَهْمِ إلى التَّناوُلِ لَهم نَظَرًا إلى الظّاهِرِ.
وجَوابُهُ ﷺ بِذَلِكَ مِمّا رَواهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ والواحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وفِيهِ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ﴾ الآيَةَ، وعَلى وفْقِ هَذا ورَدَ جَوابُ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أهَؤُلاءِ إيّاكم كانُوا يَعْبُدُونَ﴾ ﴿قالُوا سُبْحانَكَ أنْتَ ولِيُّنا مِن دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ﴾ [سَبَأ: 4، 41] والجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوايَةِ والرِّوايَةِ السّابِقَةِ أنَّهُ ﷺ بَعْدَ أنْ ذَكَرَ لِابْنِ الزِّبْعَرِيِّ أنَّ الآيَةَ عامَّةٌ لِكُلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللَّهِ تَعالى بِطَرِيقِ دَلالَةِ النَّصِّ وقالَ ابْنُ الزِّبْعَرِيِّ: ألَيْسَ اليَهُودُ إلَخْ ذَكَرَ عَدَمَ تَناوُلِها المَذْكُورِينَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِن حَيْثُ إنَّهم لَمْ يُشارِكُوا الأصْنامَ في المَعْبُودِيَّةِ مِن دُونِ اللَّهِ تَعالى لِعَدَمِ أمْرِهِمْ ولا رِضاهم بِما كانَ الكَفَرَةُ يَفْعَلُونَ، ولَعَلَّ فِيهِ رَمْزًا خَفِيًّا إلى الدَّلِيلِ العَقْلِيِّ عَلى عَدَمِ مُؤاخَذَتِهِمْ ثُمَّ نَزَلَتِ الآيَةُ تَأْكِيدًا لِعَدَمِ التَّناوُلِ، لَكِنْ لا يَخْفى أنَّ هَذِهِ الرِّوايَةَ إنْ صَحَّتْ تَقْتَضِي أنْ لا تَكُونَ الأصْنامُ مَعْبُودَةً أيْضًا لِأنَّها لَمْ تَأْمُرْهم بِالعِبادَةِ فَلا تَكُونُ ما مُطْلَقَةً عَلَيْها بَلْ عَلى الشَّياطِينِ بِناءً عَلى أنَّها هي الآمِرَةُ الرّاضِيَةُ بِذَلِكَ فَهي مَعْبُوداتُهم، ولِذا قالَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿يا أبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ﴾ [مَرْيَمَ: 44] مَعَ أنَّهُ كانَ يَعْبُدُ الأصْنامَ ظاهِرًا.
(p-96)ووَجْهُ إطْلاقِها عَلَيْها بِناءً عَلى أنَّها لَيْسَتْ لِذَوِي العُقُولِ أنَّها أُجْرِيَتْ مُجْرى الجَماداتِ لِكُفْرِها، وفي قَوْلِهِ ﷺ الَّتِي أمَرَتْهم دُونَ الَّذِينَ أمَرُوهم إشارَةٌ إلى ذَلِكَ، ثُمَّ في عَدَمِ تَناوُلِ الآيَةِ الأصْنامَ هُنا مِنَ البُعْدِ ما فِيهِ فَلَعَلَّ هَذِهِ الرِّوايَةَ لَمْ تَثْبُتْ، ولِمَوْلانا أبِي السُّعُودِ كَلامٌ مَبْناهُ خَبَرُ أنَّهُ ﷺ رَدَّ عَلى ابْنِ الزِّبَعْرَيِّ بِقَوْلِهِ ما أجْهَلَكَ بِلُغَةِ قَوْمِكَ إلَخْ، وقَدْ عَلِمْتَ ما قالَهُ الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِيهِ وهو وأمْثالُهُ المُعَوَّلُ عَلَيْهِمْ في أمْثالِ ذَلِكَ فَلا يَنْبَغِي الِاغْتِرارُ بِذِكْرِهِ في أحْكامِ الآمِدِيِّ وشَرْحِ المَواقِفِ وفُصُولِ البَدائِعِ لِلْفَنارَيِّ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا لا يُحْصى كَثْرَةً فَماءٌ ولا كَصِداءٍ ومَرْعًى ولا كالسَّعْدانِ. وأُورِدَ عَلى القَوْلِ بِأنَّ العُمُومَ بِدَلالَةِ النَّصِّ والتَّخْصِيصَ بِما نَزَلَ بَعْدَ حَدِيثِ الخِلافِ في التَّخْصِيصِ بِالمُسْتَقِلِّ المُتَراخِي ويُعْلَمُ الجَوابُ عَنْهُ مِمّا تَقَدَّمَ، وقِيلَ هُنا زِيادَةً عَلى ذَلِكَ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِن تَخْصِيصِ العامِ المُخْتَلَفِ فِيهِ لِأنَّ العامَ هُناكَ هو اللَّفْظُ الواحِدُ الدّالُّ عَلى مُسَمَّيَيْنِ فَصاعِدًا مُطْلَقًا مَعًا وهو ظاهِرٌ فِيما فِيهِ الدَّلالَةُ عِبارَةً والعُمُومُ هُنا إنَّما فُهِمَ مِن دَلالَةِ النَّصِّ، ولا يَخْفى أنَّ الأمْرَ المانِعَ مِنَ التَّأْخِيرِ ظاهِرٌ في عَدَمِ الفَرْقِ فَتَدَبَّرْ فالمَقامُ حَرِيٌّ بِهِ، والحَصَبُ ما يُرْمى بِهِ وتُهَيَّجُ بِهِ النّارُ مِن حَصَبَهُ إذا رَماهُ بِالحَصْباءِ وهي صِغارُ الحِجارَةِ فَهو خاصٌّ وضْعًا عامٌّ اسْتِعْمالًا. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ الحَطَبُ بِالزِّنْجِيَّةِ. وقَرَأ عَلِيٌّ وأُبَيُّ وعائِشَةُ وابْنُ الزُّبَيْرِ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم (حَطَبُ ) بِالطّاءِ. وقَرَأ ابْنُ أبِي السَّمَيْقَعِ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ ومَحْبُوبٌ وأبُو حاتِمٍ عَنِ ابْنِ بَشِيرٍ (حَصْبُ ) بِإسْكانِ الصّادِ، ورُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، وهو مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ لِلْمُبالَغَةِ، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ (حَضَبُ ) بِالضّادِ المُعْجَمَةِ المَفْتُوحَةِ، وجاءَ عَنْهُ أيْضًا إسْكانُها وبِهِ قَرَأ كُثَيِّرُ عَزَّةَ، ومَعْنى الكُلِّ واحِدٌ وهو مَعْنى الحَصَبِ بِالصّادِ ﴿أنْتُمْ لَها وارِدُونَ﴾ اسْتِئْنافٌ نَحْوِيٌّ مُؤَكِّدٌ لِما قَبْلَهُ أوْ بَدَلٌ مِن ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ وتُبْدَلُ الجُمْلَةُ مِنَ المُفْرَدِ ولا يَضُرُّ كَوْنُهُ في حُكْمِ النَّتِيجَةِ، وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ كَوْنَ الجُمْلَةِ حالًا مِن ( جَهَنَّمَ ) وهو كَما تَرى، واللّامُ مُعَوَّضَةٌ مِن عَلى لِلدَّلالَةِ عَلى الِاخْتِصاصِ وأنَّ وُرُودَهم لِأجْلِها وهَذا مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ الأصْلَ تَعَدّى الوُرُودَ إلى ذَلِكَ بِعَلى كَما أشارَ إلَيْهِ في القامُوسِ بِتَفْسِيرِهِ بِالإشْرافِ عَلى الماءِ وهو في الِاسْتِعْمالِ كَثِيرٌ وإلّا فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ورَدُوها﴾ فاللّامُ لِلتَّقْوِيَةِ لِكَوْنِ المَعْمُولِ مُقَدَّمًا والعامِلُ فَرْعِيٌّ، وقِيلَ إنَّ اللّامَ بِمَعْنى إلى كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِأنَّ رَبَّكَ أوْحى لَها﴾ [الزَّلْزَلَةَ: 5] ولَيْسَ بِذَلِكَ.
والظّاهِرُ أنَّ الوُرُودَ هُنا وُرُودُ دُخُولٍ والخِطابُ لِلْكَفَرَةِ وما يَعْبُدُونَ تَغْلِيبًا
{"ayah":"إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَ ٰرِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق