الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما جَعَلْناهم جَسَدًا﴾ إلَخْ يَشْهَدُ لِما قالَهُ الخَلِيلُ انْتَهى، وقِيلَ: هو جِسْمٌ ذُو تَرْكِيبٍ وظاهِرُهُ أنَّهُ أعَمُّ مِنَ الحَيَوانِ ومِنهم خَصَّهُ بِهِ وقالَ بَعْضُهم: هو في الأصْلِ مَصْدَرُ جَسَدَ الدَّمُ يَجْسَدُ أيِ التَصَقَ وأُطْلِقَ عَلى الجِسْمِ المُرَكِّبِ لِأنَّهُ ذُو أجْزاءٍ مُلْتَصِقٍ بَعْضُها بِبَعْضٍ، ثُمَّ الظّاهِرُ أنَّ الَّذِي يَقُولُ بِتَخْصِيصِهِ بِحَيْثُ لا يَشْمَلُ غَيْرَ العاقِلِ مِنَ الحَيَوانِ مَثَلًا غايَةُ ما يَدَّعِي أنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ أصْلِ وضْعِهِ ولا يَقُولُ بِعَدَمِ جَوازِ تَعْمِيمِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلا تَغْفُلْ، ونَصْبُهُ إمّا عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِلْجَعْلِ، والمُرادُ تَصْيِيرُهُ كَذَلِكَ ابْتِداءً عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِمْ سُبْحانَ مَن صَغَّرَ البَعُوضَ وكَبَّرَ الفِيلَ، وإمّا حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ والجَعْلُ إبْداعِيٌّ وإفْرادُهُ لِإعادَةِ الجِنْسِ الشّامِلِ لِلْكَثِيرِ أوْ لِأنَّهُ في الأصْلِ عَلى ما سَمِعْتَ مَصْدَرٌ وهو يُطْلَقُ عَلى الواحِدِ المُذَكَّرِ وغَيْرِهِ، وقِيلَ: لِإرادَةِ الِاسْتِغْراقِ الإفْرادِيِّ في الضَّمِيرِ أيْ جَعَلْنا كُلَّ واحِدٍ مِنهم وقِيلَ: هو بِتَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ ذَوِي جَسَدٍ، وفي التَّسْهِيلِ أنَّهُ يُسْتَغْنى بِتَثْنِيَةِ المُضافِ وجَمْعِهِ عَنْ تَثْنِيَةِ المُضافِ إلَيْهِ وجَمْعِهِ في الأعْلامِ وكَذا ما لَيْسَ فِيهِ لَبْسٌ مِن أسْماءِ الأجْناسِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ﴾ صِفَةُ ( جَسَدًا ) أيْ وما جَعَلْناهم جَسَدًا مُسْتَغْنِيًا عَنِ الغِذاءِ بَلْ مُحْتاجًا إلَيْهِ ﴿وما كانُوا خالِدِينَ﴾ أيْ باقِينَ أبَدًا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الخُلُودُ بِمَعْنى المُكْثِ المَدِيدِ، واخْتِيرَ الأوَّلُ لِأنَّ الجُمْلَةَ مُقَرِّرَةٌ لِما قَبْلَها مِن كَوْنِ الرُّسُلِ السّالِفَةِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ بَشَرًا لا مَلائِكَةً كَما يَقْتَضِيهِ اعْتِقادُ المُشْرِكِينَ الفاسِدُ وزَعْمُهُمُ الكاسِدُ، والظّاهِرُ هم يَعْتَقِدُونَ أيْضًا في المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ الأبَدِيَّةَ كاعْتِقادِ الفَلاسِفَةِ فِيهِمْ ذَلِكَ إلّا أنَّهم يُسَمُّونَهم عُقُولًا مُجَرَّدَةً، وحاصِلُ المَعْنى جَعَلْناهم أجْسادًا مُتَغَذِّيَةً صائِرَةً إلى المَوْتِ بِالآخِرَةِ حَسَبَ آجالِهِمْ ولَمْ نَجْعَلْهم مَلائِكَةً لا يَتَغَذَّوْنَ ولا يَمُوتُونَ حَسْبَما تَزْعُمُونَ، وقِيلَ: الجُمْلَةُ رَدٌّ عَلى قَوْلِهِ: ﴿مالِ هَذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ﴾ [الفُرْقانَ: 7] إلَخْ والأوَّلُ أوْلى، نَعَمْ هي مَعَ كَوْنِها مُقَرِّرَةً لِما قَبْلَها فِيها رَدٌّ عَلى ذَلِكَ. وفي إيثارِ ( وما كانُوا ) عَلى وما جَعَلْناهم تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ عَدَمَ الخُلُودِ والبَقاءِ مِن تَوابِعِ جِبِلَّتِهِمْ في هَذِهِ النَّشْأةِ الَّتِي أُشِيرَ إلَيْها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما جَعَلْناهم جَسَدًا﴾ إلَخْ لا بِالجَعْلِ المُسْتَأْنَفِ بَلْ إذا نَظَرْتَ إلى سائِرِ المُرَكَّباتِ مِنَ العَناصِرِ المُتَضادَّةِ رَأيْتَ بَقاءَها سُوَيْعَةً أمْرًا غَرِيبًا وانْتَهَضْتَ إلى طَلَبِ العِلَّةِ لِذَلِكَ ومِن هُنا قِيلَ:(p-14)
؎ولا تَتْبَعِ الماضِيَ سُؤالَكَ لِمَ مَضى وعَرِّجْ عَلى الباقِي وسائِلْهُ لِمَ بَقِيَ
بَلْ لا يَبْعُدُ أنْ تَكُونَ المُمْكِناتُ مُطْلَقًا كَذَلِكَ فَقَدْ قالُوا: إنَّ المُمْكِنَ إذا خَلِّيَ وذاتَهُ يَكُونُ مَعْدُومًا إذِ العَدَمُ لا يَحْتاجُ إلى عِلَّةٍ وتَأْثِيرٍ بِخِلافِ الوُجُودِ ولا يَلْزَمُ عَلى هَذا أنْ يَكُونَ العَدَمُ مُقْتَضى الذّاتِ حَتّى يَصِيرَ مُمْتَنِعًا إذْ مَرْجِعُ ذَلِكَ إلى أوْلَوِيَّةِ العَدَمِ وألْيَقِيَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلى الذّاتِ، ويُشِيرُ إلى ذَلِكَ عَلى ما قِيلَ قَوْلُ أبِي عَلِيٍّ في الهَيْئاتِ الشِّفاءُ لِلْمَعْلُولِ في نَفْسِهِ أنْ يَكُونَ لَيْسَ ولَهُ عَنْ عِلَّتِهِ أنْ يَكُونَ آيِسًا، وقَوْلُهم بِاسْتِواءِ طَرَفَيِ المُمْكِنِ بِالنَّظَرِ إلى ذاتِهِ مَعْناهُ اسْتِواؤُهُ في عَدَمِ وُجُوبِ واحِدٍ مِنهُما بِالنَّظَرِ إلى ذاتِهِ، وقَوْلُهم عِلَّةُ العَدَمِ عِلَّةُ الوُجُودِ بِمَعْنى أنَّ العَدَمَ لا يَحْتاجُ إلى تَأْثِيرٍ وجَعْلٍ بَلْ يَكْفِيهِ انْعِدامُ العِلَّةِ لا أنَّ عَدَمَ العِلَّةِ مُؤَثِّرَةٌ في عَدَمِ المَعْلُولِ ولَعَلَّ في «قَوْلِهِ ﷺ ما شاءَ اللَّهُ تَعالى كانَ وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ» إشارَةً إلى هَذا فَتَدَبَّرْ،
{"ayah":"وَمَا جَعَلۡنَـٰهُمۡ جَسَدࣰا لَّا یَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُوا۟ خَـٰلِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق