الباحث القرآني

﴿ما آمَنَتْ قَبْلَهم مِن قَرْيَةٍ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ لِتَكْذِيبِهِمْ فِيما يُنْبِئُ عَنْهُ خاتِمَةُ مَقالِهِمْ مِنَ الوَعْدِ الضِّمْنِيِّ بِالإيمانِ عِنْدَ إتْيانِ الآيَةِ المُقْتَرَحَةِ وبَيانِ أنَّهم في اقْتِراحِ ذَلِكَ كالباحِثِ عَنْ حَتْفِهِ بِظِلْفِهِ (p-12)وإنَّ في تَرْكِ الإجابَةِ إلَيْهِ إبْقاءٌ عَلَيْهِمْ كَيْفَ لا ولَوْ أُعْطُوا ما اقْتَرَحُوهُ مَعَ عَدَمِ إيمانِهِمْ قَطْعًا لاسْتُئْصِلُوا لِجَرَيانِ سُنَّةِ اللَّهِ تَعالى شَأْنُهُ في الأُمَمِ السّالِفَةِ عَلى اسْتِئْصالِ المُقْتَرِحِينَ مِنهم إذا أُعْطُوا ما اقْتَرَحُوهُ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا وقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُهُ سُبْحانَهُ أنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ لا يُعَذَّبُونَ بِعَذابِ الِاسْتِئْصالِ، وهَذا أوْلى مِمّا قِيلَ إنَّهم لَمّا طَعَنُوا في القُرْآنِ وأنَّهُ مُعْجِزَةٌ وبالَغُوا في ذَلِكَ حَتّى أُخِذُوا مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَتَأْتُونَ السِّحْرَ﴾ إلى أنِ انْتَهَوْا إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَلْيَأْتِنا﴾ إلَخْ جِيءَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ما آمَنَتْ﴾ إلَخْ تَسْلِيَةً لَهُ ﷺ في أنَّ الإنْذارَ لا يُجْدِي فِيهِمْ. وأيًّا ما كانَ فَقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿مِن قَرْيَةٍ﴾ عَلى حَذْفِ المُضافِ أيْ مِن أهْلِ قَرْيَةٍ، ومِن مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ العُمُومِ وما بَعْدَها في مَحَلِّ الرَّفِعِ عَلى الفاعِلِيَّةِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿أهْلَكْناها﴾ في مَحَلِّ جَرٍّ أوْ رَفْعٍ صِفَةَ قَرْيَةٍ، والمُرادُ أهْلَكْناها بِإهْلاكِ أهْلِها لِعَدَمِ إيمانِهِمْ بَعْدَ مَجِيءِ ما اقْتَرَحُوهُ مِنَ الآياتِ، وقِيلَ القَرْيَةُ مَجازٌ عَنْ أهْلِها فَلا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ المُضافِ. واعْتُرِضَ بِأنَّ ( أهْلَكْناها ) يَأْباهُ والِاسْتِخْدامُ وإنْ كَثُرَ في الكَلامِ خِلافَ الظّاهِرِ، وقالَ بَعْضُهم: لَكَ أنْ تَقُولَ إنَّ هَلاكَها كِنايَةٌ عَنْ إهْلاكِ أهْلِها وما ذُكِرَ أوَّلًا أوْلى، والهَمْزَةُ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿أفَهم يُؤْمِنُونَ﴾ لِإنْكارِ الوُقُوعِ والفاءُ لِلْعَطْفِ إمّا عَلى مُقَدَّرٍ دَخَلَتْهُ الهَمْزَةُ فَأفادَتْ إنْكارَ وُقُوعِ إيمانِهِمْ ونَفْيِهِ عُقَيْبَ عَدَمِ إيمانِ الأوَّلِينَ فالمَعْنى أنَّهُ لَمْ يُؤْمِن أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ المُهْلَكَةِ عِنْدَ إعْطاءِ ما اقْتَرَحُوهُ مِنَ الآياتِ أهم لَمْ يُؤْمِنُوا فَهَؤُلاءِ يُؤْمِنُونَ لَوْ أُعْطُوا ما اقْتَرَحُوهُ أيْ مَعَ أنَّهم أعْتى وأطْغى كَما يُفْهَمُ بِمَعُونَةِ السِّياقَ والعُدُولِ عَنْ فَهْمِ لا يُؤْمِنُونَ أيْضًا وإمّا عَلى ﴿ما آمَنَتْ﴾ عَلى أنَّ الفاءَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلى الهَمْزَةِ في الِاعْتِبارِ مُفِيدَةٌ لِتَرْتِيبِ إنْكارِ وُقُوعِ إيمانِهِمْ عَلى عَدَمِ إيمانِ الأوَّلِينَ وإنَّما قُدِّمَتْ عَلَيْها الهَمْزَةُ لِاقْتِضائِها الصَّدارَةَ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب