الباحث القرآني
والفاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَجَعَلَهُمْ﴾ فَصِيحَةٌ أيْ فَوَلَّوْا فَأتى إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ الأصْنامَ فَجَعَلَهم ﴿جُذاذًا﴾ أيْ قِطَعًا فُعالٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ مِنَ الجَذِّ الَّذِي هو القَطْعُ، قالَ الشّاعِرُ:
؎بَنُو المُهَلَّبِ جَذَّ اللَّهُ دابِرَهم أمْسَوْا رَمادًا فَلا أصْلٌ ولا طَرْفٌ
فَهُوَ كالحُطامِ مِنَ الحَطْمِ الَّذِي هو الكَسْرُ، وقَرَأ الكِسائِيُّ وابْنُ مَحِيضٍ وابْنُ مُقْسِمٍ وأبُو حَيْوَةَ وحَمِيدٌ (p-62)والأعْمَشُ في رِوايَةٍ (جِذاذًا ) بِكَسْرِ الجِيمِ، وابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ نَهْيِكَ وأبُو السَّمالِ (جَذاذًا ) بِالفَتْحِ، والضَّمُّ قِراءَةُ الجُمْهُورِ، وهي كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ جِنِّي عَنْ أبِي حاتِمٍ لُغاتٌ أجْوَدُها الضَّمُّ ونَصَّ قُطْرُبُ أنَّهُ في لُغاتِهِ الثَّلاثِ مَصْدَرٌ لا يُثَنّى ولا يُجْمَعُ، وقالَ اليَزِيدِيُّ: جُذاذًا بِالضَّمِّ جَمْعُ جُذاذَةٍ كَزُجاجٍ وزُجاجَةٍ، وقِيلَ: بِالكَسْرِ جَمْعُ جَذِيذٍ كَكَرِيمٍ وكِرامٍ، وقِيلَ: هو بِالفَتْحِ مَصْدَرٌ كالحَصادِ بِمَعْنى المَحْصُودِ.
وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثابٍ (جُذُذًا ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ جَذِيذٍ كَسَرِيرٍ وسُرُرٍ، وقُرِئَ (جُذَذًا ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ جَمْعُ جُذَّةٍ كَقُبَّةٍ وقُبَبٍ أوْ مُخَفَّفُ فُعُلٍ بِضَمَّتَيْنِ. رُوِيَ أنَّ آزَرَ خُرِجَ بِهِ في عِيدٍ لَهم فَبَدَؤُوا بِبَيْتِ الأصْنامِ فَدَخَلُوهُ فَسَجَدُوا لَها ووَضَعُوا بَيْنَها طَعامًا خَرَجُوا بِهِ مَعَهم وقالُوا إلى أنْ نُرْجِعَ بَرَكَتُ الآلِهَةِ عَلى طَعامِنا فَذَهَبُوا فَلَمّا كانَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ في الطَّرِيقِ ثَنِيَ عَزْمُهُ عَنِ المَسِيرِ مَعَهم فَقَعَدَ وقالَ إنِّي سَقِيمٌ فَدَخَلَ عَلى الأصْنامِ وهي مُصْطَفَّةٌ وثَمَّ صَنَمٌ عَظِيمٌ مُسْتَقْبَلُ البابِ وكانَ مِن ذَهَبٍ في عَيْنَيْهِ جَوْهَرَتانِ تُضِيئانِ بِاللَّيْلِ فَكَسَرَ الكُلَّ بِفَأْسٍ كانَ في يَدِهِ ولَمْ يُبْقِ إلّا الكَبِيرَ وعَلَّقَ الفَأْسَ في عُنُقِهِ، وقِيلَ: في يَدِهِ وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا كَبِيرًا لَهُمْ﴾ أيِ الأصْنامُ كَما هو الظّاهِرُ مِمّا سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. وضَمِيرُ العُقَلاءِ هُنا وفِيما مَرَّ عَلى زَعْمِ الكَفَرَةِ، والكِبَرُ إمّا في المَنزِلَةِ عَلى زَعْمِهِمْ أيْضًا أوْ في الجُثَّةِ، وقالَ أبُو حَيّانَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلْعَبَدَةِ، قِيلَ: ويُؤَيِّدُهُ أنَّهُ لَوْ كانَ لِلْأصْنامِ لَقِيلَ إلّا كَبِيرُهم ﴿لَعَلَّهم إلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ اسْتِئْنافٌ لِبَيانِ وجْهِ الكَسْرِ واسْتِبْقاءِ الكَبِيرِ، وضَمِيرُ ( إلَيْهِ ) عِنْدَ الجُمْهُورِ عائِدٌ عَلى إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أيْ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ إلى إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لا إلى غَيْرِهِ فَيُحاجُّهم ويُبَكِّتُهم بِما سَيَأْتِي مِنَ الجَوابِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعالى أيْ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ إلى اللَّهِ تَعالى وتَوْحِيدِهِ حِينَ يَسْألُونَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَيُجِيبُهم، ويُظْهِرُ عَجْزَ آلِهَتِهِمْ ويُعْلَمُ مِن هَذا أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿إلا كَبِيرًا لَهُمْ﴾ لَيْسَ أجْنَبِيًّا في البَيْنِ عَلى هَذا القَوْلِ كَما تُوُهِّمَ، نَعَمْ لا يَخْفى بُعْدُهُ.
وعَنِ الكَلْبِيِّ أنَّ الضَّمِيرَ لِلْكَبِيرِ أيْ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ إلى الكَبِيرِ كَما يُرْجَعُ إلى العالِمِ في حَلِّ المُشْكِلاتِ فَيَقُولُونَ لَهُ ما لِهَؤُلاءِ مَكْسُورَةً وما لَكَ صَحِيحًا والفَأْسُ في عُنُقِكَ أوْ في يَدِكَ ؟ وحِينَئِذٍ يَتَبَيَّنُ لَهم أنَّهُ عاجِزٌ لا يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ ويَظْهَرُ أنَّهم في عِبادَتِهِ عَلى جَهْلٍ عَظِيمٍ، وكَأنَّ هَذا بِناءً عَلى ظَنِّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهِمْ لِما جَرَّبَ وذاقَ مِن مُكابَرَتِهِمْ لِعُقُولِهِمْ واعْتِقادِهِمْ في آلِهَتِهِمْ وتَعْظِيمِهِمْ لَها، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَعْلَمُ أنَّهم لا يَرْجِعُونَ إلَيْهِ لَكِنَّ ذَلِكَ مِن بابِ الِاسْتِهْزاءِ والِاسْتِجْهالِ واعْتِبارِ حالِ الكَبِيرِ عِنْدَهم فَإنَّ قِياسَ حالِ مَن يُسْجَدُ لَهُ ويُؤَهَّلُ لِلْعِبادَةِ أنْ يُرْجَعَ إلَيْهِ في حَلِّ المُشْكِلِ، وعَلى الِاحْتِمالَيْنِ لا إشْكالَ في دُخُولِ لَعَلَّ في الكَلامِ، ولَعَلَّ هَذا الوَجْهَ أسْرَعُ الأوْجُهِ تَبادُرًا لَكِنَّ جُمْهُورَ المُفَسِّرِينَ عَلى الأوَّلِ، والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِيَرْجِعُونَ، والتَّقْدِيمُ لِلْحَصْرِ عَلى الأوْجُهِ الثَّلاثَةِ عَلى ما قِيلَ، وقِيلَ: هو مُتَعَيِّنٌ لِذَلِكَ في الوَجْهِ الأوَّلِ وغَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لَهُ في الأخِيرَيْنِ بَلْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِأداءِ حَقِّ الفاصِلَةِ فَتَأمَّلْ.
وقَدْ يُسْتَأْنَسُ بِفِعْلِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن كَسْرِ الأصْنامِ لِمَن قالَ مِن أصْحابِنا إنَّهُ لا ضَمانَ عَلى مَن كَسَرَ ما يُعْمَلُ مِنَ الفَخّارِ مَثَلًا مِنَ الصُّوَرِ لِيَلْعَبَ بِهِ الصِّبْيانُ ونَحْوُهم وهو القَوْلُ المَشْهُورُ عِنْدَ الجُمْهُورِ.
{"ayah":"فَجَعَلَهُمۡ جُذَ ٰذًا إِلَّا كَبِیرࣰا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَیۡهِ یَرۡجِعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











