الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ مَتَّعْنا هَؤُلاءِ وآباءَهم حَتّى طالَ عَلَيْهِمُ العُمُرُ﴾ إلَخْ إضْرابٌ عَلى ما في الكَشْفِ عَنِ الضَّرْبِ السّابِقِ مِنَ الكَلامِ إلى وعِيدِهِمْ وأنَّهم مِن أهْلِ الِاسْتِدْراجِ وأخْرَجَهم عَنِ الخِطابِ عَدَمَ مُبالاةٍ بِهِمْ، وفي العُدُولِ إلى الإشارَةِ عَنِ الضَّمِيرِ إشارَةٌ إلى تَحْقِيرِهِمْ، وفي غَيْرِ كِتابٍ أنَّهُ إضْرابٌ عَمّا تَوَهَّمُوهُ مِن أنَّ ما هم فِيهِ مِنَ الكِلاءَةِ مِن جِهَةِ أنَّ لَهم آلِهَةً تَمْنَعُهم مِن تَطَرُّقِ البَأْسِ إلَيْهِمْ كَأنَّهُ قِيلَ دَعْ ما زَعَمُوا مِن كَوْنِهِمْ مَحْفُوظِينَ بِكِلاءَةِ آلِهَتِهِمْ بَلْ ما هم فِيهِ مِنَ الحِفْظِ مِنّا لا غَيْرُ حَفِظْناهم مِنَ البَأْساءِ ومَتَّعْناهم بِأنْواعِ السَّرّاءِ لِكَوْنِهِمْ مِن أهْلِ الِاسْتِدْراجِ والِانْهِماكِ فِيما يُؤَدِّيهِمْ إلى العَذابِ الألِيمِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ إضْرابًا عَمّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنافُ السّابِقُ مِن بُطْلانِ تَوَهُّمِهِمْ كَأنَّهُ قِيلَ دَعْ ما يُبَيِّنُ بُطْلانَ تَوَهُّمِهِمْ مِن أنْ يَكُونَ لَهم آلِهَةٌ تَمْنَعُهم واعْلَمْ أنَّهم إنَّما وقَعُوا في ورْطَةِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ الباطِلِ بِسَبَبِ أنّا مَتَّعْناهم بِما يَشْتَهُونَ حَتّى طالَتْ مُدَّةُ عِمارَةِ أبْدانِهِمْ بِالحَياةِ فَحَسِبُوا أنَّ ذَلِكَ يَدُومُ فاغْتَرُّوا وأعْرَضُوا عَنِ الحَقِّ واتَّبَعُوا ما سَوَّلَتْ لَهم أنْفُسُهم وذَلِكَ طَمَعٌ فارِغٌ وأمَلٌ كاذِبٌ ﴿أفَلا يَرَوْنَ﴾ أيْ ألا يَنْظُرُونَ فَلا يَرَوْنَ (p-53)﴿أنّا نَأْتِي الأرْضَ﴾ أيْ أرْضَ الكَفَرَةِ أوْ أرْضَهم ﴿نَنْقُصُها مِن أطْرافِها﴾ بِتَسْلِيطِ المُسْلِمِينَ عَلَيْها وحَوْزِ ما يَحُوزُونَهُ مِنها ونَظْمِهِ في سِلْكِ مُلْكِهِمْ، والعُدُولُ عَنْ أنّا نَنْقُصُ الأرْضَ مِن أطْرافِها إلى ما في النَّظْمِ الجَلِيلِ لِتَصْوِيرِ كَيْفِيَّةِ نَقْصِها وانْتِزاعِها مِن أيْدِيهِمْ فَإنَّهُ بِإتْيانِ جُيُوشِ المُسْلِمِينَ واسْتِيلائِهِمْ، وكانَ الأصْلُ يَأْتِي جُيُوشُ المُسْلِمِينَ لَكِنَّهُ أسْنَدَ الإتْيانَ إلَيْهِ عَزَّ وجَلَّ تَعْظِيمًا لَهم وإشارَةً إلى أنَّهُ بِقُدْرَتِهِ تَعالى ورِضاهُ، وفِيهِ تَعْظِيمٌ لِلْجِهادِ والمُجاهِدِينَ. والآيَةُ كَما قَدَّمْنا أوَّلَ السُّورَةِ مَدَنِيَّةٌ وهي نازِلَةٌ بَعْدَ فَرْضِ الجِهادِ فَلا يَرُدُّ أنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ والجِهادَ فُرِضَ بَعْدَها حَتّى يُقالَ: إنَّ ذَلِكَ إخْبارٌ عَنِ المُسْتَقْبَلِ أوْ يُقالَ: إنَّ المُرادَ نَنْقُصُها بِإذْهابِ بَرَكَتِها كَما جاءَ في رِوايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أوْ بِتَخْرِيبِ قُراها ومَوْتِ أهْلِها كَما رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وقِيلَ نَنْقُصُها بِمَوْتِ العُلَماءِ وهَذا إنْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلا مُعْدِلَ عَنْهُ وإلّا فالأظْهَرُ نَظَرًا إلى المَقامِ ما تَقَدَّمَ ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَهُمُ الغالِبُونَ﴾ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ. والمُرادُ إنْكارُ تَرْتِيبِ الغالِبِيَّةِ عَلى ما ذُكِرَ مِن نَقْصِ أرْضِ الكَفَرَةِ بِتَسْلِيطِ المُؤْمِنِينَ عَلَيْها كَأنَّهُ قِيلَ أبَعْدَ ظُهُورِ ما ذُكِرَ ورُؤْيَتِهِمْ لَهُ يُتَوَهَّمُ غَلَبَتُهم، وفي التَّعْرِيفِ تَعْرِيضٌ بِأنَّ المُسْلِمِينَ هُمُ المُتَعَيِّنُونَ لِلْغَلَبَةِ المَعْرُوفُونَ فِيها
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب