الباحث القرآني
﴿وإذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيِ المُشْرِكُونَ ﴿إنْ يَتَّخِذُونَكَ إلا هُزُوًا﴾ أيْ ما يَتَّخِذُونَكَ إلّا مَهْزُوًّا بِهِ عَلى مَعْنى قَصْرِ مُعامَلَتِهِمْ مَعَهُ ﷺ عَلى اتِّخاذِهِمْ إيّاهُ عامَلَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِعَدْلِهِ هُزُوًا لا عَلى مَعْنى قَصْرِ اتِّخاذِهِمْ عَلى كَوْنِهِ هُزُوًا كَما هو المُتَبادَرُ كَأنَّهُ قِيلَ ما يَفْعَلُونَ بِكَ إلّا اتِّخاذَكَ هُزُوًا.
والظّاهِرُ أنَّ جُمْلَةَ ( إنْ يَتَّخِذُونَكَ ) إلَخْ جَوابُ ( إذا ) ولَمْ يُحْتَجْ إلى الفاءِ كَما لَمْ يُحْتَجْ جَوابُها المُقْتَرِنُ بِما إلَيْها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ﴾ [الجاثِيَةَ: 25] وهَذا بِخِلافِ جَوابِ غَيْرِ إذا مِن أدَواتِ الشَّرْطِ المُقْتَرِنِ بِما فَإنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ الِاقْتِرانُ بِالفاءِ نَحْوُ إنْ تَزُرْنا فَما نُسِيءُ إلَيْكَ، وقِيلَ الجَوابُ مَحْذُوفٌ وهو يَقُولُونَ المَحْكِيُّ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أهَذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنْ يَتَّخِذُونَكَ﴾ إلَخِ اعْتِراضٌ ولَيْسَ بِذاكَ، نَعَمْ لا بُدَّ مِن تَقْدِيرِ القَوْلِ فِيما ذُكِرَ وهو إمّا مَعْطُوفٌ عَلى جُمْلَةِ ( إنْ يَتَّخِذُونَكَ ) أوْ حالٌ أيْ ويَقُولُونَ أوْ قائِلِينَ والِاسْتِفْهامُ لِلْإنْكارِ والتَّعَجُّبِ ويُفِيدانِ أنَّ المُرادَ يَذْكُرُ آلِهَتَكم بِسُوءٍ وقَدْ يُكْتَفى بِدَلالَةِ الحالِ عَلَيْهِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ [الأنْبِياءَ: 60] فَإنَّ ذِكْرَ العَدُوِّ لا يَكُونُ إلّا بِسُوءٍ وقَدْ تَحاشَوْا عَنِ التَّصْرِيحِ أدَبًا مَعَ آلِهَتِهِمْ. وفي مَجْمَعِ البَيانِ تَقُولُ العَرَبُ ذَكَرْتَ فُلانًا أيْ عِبْتَهُ، وعَلَيْهِ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
؎لا تَذْكُرِي مَهْرِي وما أطْعَمْتُهُ فَيَكُونُ جِلْدُكِ مِثْلَ جِلْدِ الأجْرَبِ
(p-48)انْتَهى والإشارَةُ مِثْلُها في قَوْلِهِ:
؎هَذا أبُو الصَّقْرِ فَرْدًا في مَحاسِنِهِ ∗∗∗ مِن نَسْلِ شَيْبانَ بَيْنَ الضّالِّ والسَّلَمِ
فَيَكُونُ في ذَلِكَ نَوْعُ بَيانٍ لِلِاتِّخاذِ هُزُوًا، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هم كافِرُونَ﴾ في حَيِّزِ النَّصْبِ عَلى الحالِيَّةِ مِن ضَمِيرِ القَوْلِ المُقَدَّرِ، والمَعْنى أنَّهم يَعِيبُونَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يَذْكُرَ آلِهَتَهُمُ الَّتِي لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ بِالسُّوءِ والحالُ أنَّهم بِالقُرْآنِ الَّذِي أُنْزِلَ رَحْمَةً كافِرُونَ فَهم أحِقّاءُ بِالعَيْبِ والإنْكارِ، فالضَّمِيرُ الأوَّلُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( كافِرُونَ ) وبِهِ يَتَعَلَّقُ ( بِذِكْرِ ) وقُدِّمَ رِعايَةً لِلْفاصِلَةِ وإضافَتُهُ لامِيَّةٌ، والضَّمِيرُ الثّانِي تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِلْأوَّلِ، والفَصْلُ بَيْنَ العامِلِ والمَعْمُولِ بِالمُؤَكِّدِ وبَيْنَ المُؤَكَّدِ والمُؤَكِّدِ بِالمَعْمُولِ جائِزٌ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ ﴿بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ تَوْحِيدُهُ عَلى أنَّ ذِكْرَ مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى المَفْعُولِ أيْ وهم كافِرُونَ بِتَوْحِيدِ الرَّحْمَنِ المُنْعِمِ عَلَيْهِمْ بِما يَسْتَدْعِي تَوْحِيدَهُ والإيمانَ بِهِ سُبْحانَهُ، وأنْ يُرادَ بِهِ عِظَتُهُ تَعالى وإرْشادُهُ الخَلْقَ بِإرْسالِ الرُّسُلِ وإنْزالِ الكُتُبِ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى الفاعِلِ، وقِيلَ المُرادُ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ ذِكْرُهُ ﷺ هَذا اللَّفْظَ وإطْلاقُهُ عَلَيْهِ تَعالى، والمُرادُ بِكُفْرِهِمْ بِهِ قَوْلُهم ما نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إلّا رَحْمَنَ اليَمامَةِ فَهو مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى المَفْعُولِ لا غَيْرَ ولَيْسَ بِشَيْءٍ كَما لا يَخْفى.
وجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ الجُمْلَةَ حالًا مِن ضَمِيرِ ( يَتَّخِذُونَكَ ) أيْ يَتَّخِذُونَكَ هُزُوًا وهم عَلى حالٍ هي أصْلُ الهُزْءِ والسُّخْرِيَةِ وهي الكُفْرُ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ. وسَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ عَلى ما أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ «أنَّهُ ﷺ مَرَّ عَلى أبِي سُفْيانَ. وأبِي جَهْلٍ وهُما يَتَحَدَّثانِ فَلَمّا رَآهُ أبُو جَهْلٍ ضَحِكَ وقالَ لِأبِي سُفْيانَ: هَذا نَبِيُّ بَنِي عَبْدِ مَنافٍ فَغَضِبَ أبُو سُفْيانَ فَقالَ: ما تَنْكِرُ أنْ يَكُونَ لِبَنِي عَبْدِ مَنافٍ نَبِيٌّ فَسَمِعَها النَّبِيُّ ﷺ فَرَجَعَ إلى أبِي جَهْلٍ فَوَقَعَ بِهِ وخَوَّفَهُ وقالَ: ما أراكَ مُنْتَهِيًا حَتّى يُصِيبَكَ ما أصابَ عَمَّكَ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةَ وقالَ لِأبِي سُفْيانَ: أما إنَّكَ لَمْ تَقُلْ ما قُلْتَ إلّا حَمِيَّةً». وأنا أرى أنَّ القَلْبَ لا يُثْلَجُ لِكَوْنِ هَذا سَبَبًا لِلنُّزُولِ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
{"ayah":"وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِن یَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَـٰذَا ٱلَّذِی یَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ هُمۡ كَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











